icon
التغطية الحية

جبل الزاوية.. جدار دفاعي تركي يرسم ملامح التحرك المستقبلي

2020.12.01 | 09:07 دمشق

turkish_military.jpg
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تواصل تركيا تعزيز مواقعها العسكرية في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب شمالي سوريا بعد مرور نحو 9 أشهر على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار حول المنطقة، بين أنقرة وموسكو في الخامس من شهر آذار/مارس الماضي.

وأخذت وتيرة التعزيزات العسكرية التركية في إدلب، وتحديداً بجبل الزاوية في ريفها الجنوبي بالتصاعد خلال الشهرين الماضيين، إذ بدأت أنقرة بتشكيل جدار دفاعي متين يحيط بالجبل، ويرصد بشكل مباشر نقاط انتشار قوات النظام ومن خلفه المجموعات الموالية لروسيا وإيران.

وبالتوازي مع ذلك، شرعت تركيا بإخلاء عدد من قواعدها العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، في أرياف إدلب وحماة وحلب، ونقل معداتها نحو نقاط انتشار فصائل المعارضة في "جبل الزاوية".

وفي منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي بدأ الجيش التركي بإخلاء أولى تلك القواعد، حيث سحب معداته من قاعدة "مورك" بريف حماة الشمالي، نحو بلدة "قوقفين" جنوب إدلب، ثم أخلى تباعاً قاعدتي "شير مغار"، و"معر حطاط" الواقعة على الطريق الدولي M5 شمالي مدينة "خان شيخون".

واستمرت عمليات الإخلاء لتشمل النقطة العسكرية في قرية "الشيخ عقيل" الواقعة قرب بلدة "قبتان الجبل" غربي حلب، ونقاطاً متفرقة كانت تحيط بمدينة "سراقب" شرق إدلب.

قواعد الجيش التركي تشكّل جداراً بمحيط جبل الزاوية

أكدت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا أن منطقة "جبل الزاوية" أصبحت معقلاً لقوات الجيش التركي، بعد أن زادت وتيرة التعزيزات العسكرية نحو بلداته وقراه، وعقب إنشاء قواعد عسكرية على التلال الاستراتيجية الحاكمة، وقرب خطوط التماس مع قوات النظام على الأطراف الجنوبية والشرقية للجبل.

وأفادت المصادر بأن الجيش التركي انتشر في جميع البلدات في "جبل الزاوية"، كما أنشأ قواعد ونقاطاً عسكرية فيها باستثناء بلدة "البارة"، ويضاف إلى ذلك بدء القوات التركية بإنشاء تحصينات وسواتر ترابية بمحيط تلك النقاط.

وصباح أمس الإثنين بدأت قوات الجيش التركي بإنشاء قاعدة عسكرية على قمة "تل بدران" الواقع داخل بلدة "كنصفرة"، الذي يتميز بموقعه الاستراتيجي كونه يبعد عن مناطق سيطرة قوات النظام ثلاثة كيلومترات، كما أنه يرصد مواقع انتشاره لا سيما في مدينة "كفرنبل" وبلدة "حزارين" المجاورة.

 

 

20 قاعدة للجيش التركي في جبل الزاوية

وأحصى موقع تلفزيون سوريا نقاط توزع الجيش التركي في جبل الزاوية، وتم رصد ما يزيد على 20 قاعدة، أبرزها الواقعة على تل "النبي أيوب"، والذي يعدّ أعلى قمة في ريف إدلب، ويكشف مساحة واسعة من جبل الزاوية وسهل الغاب غربي حماة.

وتحوي بلدة "شنان" نقطتين عسكريتين، وفي بلدة "سرجة" نقطتان أيضاً، وتتوزع بقية النقاط على "احسم" و "بليون"، و "دير سنبل"، و "فركيا" و "تل معراتا"، و "قوقفين"، و "ترعان" و "معرزاف" و "نحلة".

وأنشأ الجيش التركي في الآونة الأخيرة نقطتين إضافيتين، الأولى تقع بين بلدتي "البارة" و "دير سنبل"، وتطل على مدينتي "معرة النعمان" و "كفرنبل" الخاضعتين لسيطرة قوات النظام، والثانية في بلدة "الرويحة" القريبة من الطريق الدولي M5 حيث سيطرت القوات الروسية.

وينتشر الجيش التركي في عدة نقاط بالقرب من الطريق الدولي M4 جنوبي إدلب، أهمها نقاط "معترم" و"القياسات" ومدرسة "بسنقول" و"محمبل".

وتتمثل أهمية "جبل الزاوية" بموقعه الاستراتيجي، كونه يعتبر صلة الوصل بين ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي الغربي، كما أنه يرصد مساحات واسعة في جميع الاتجاهات، فضلاً عن إشرافه على الطريقين الدوليين حلب - اللاذقية M4 وحلب - دمشق M5.

وسعت روسيا خلال حملتها العسكرية الأخيرة للسيطرة على الجبل، واستطاعت الوصول إلى مشارفه بعد السيطرة على مدينتي معرة النعمان وكفرنبل، إلا أن التدخل التركي في نهاية المطاف عرقل تقدم القوات الروسية، ودفع أنقرة وموسكو للاتفاق على وقف إطلاق النار بعد أن قُتل 33 جندياً تركياً بقصف جوي نفذته طائرات النظام على رتل عسكري في جبل الزاوية نهاية شهر شباط/فبراير الماضي.

ويعكس الحشد التركي في جبل الزاوية، ونقل القواعد الواقعة في مناطق سيطرة النظام نحو الجبل، إصرار أنقرة على البقاء في المنطقة، ورفض فكرة الانسحاب منها استجابة للطلبات الروسية والمقترحات التي قدمتها خلال الاجتماعات الماضية، والمتمثلة بالانسحاب إلى شمال الطريق M4، حسب ما سربت وسائل الإعلام الروسية في وقت سابق.

ويقوض الوجود التركي في الجبل من أهمية التقدم الأخير لروسيا وقوات النظام في ريف إدلب الجنوبي، ويمنع إعادة فتح الطرقات الدولية، خاصة طريق دمشق - حلب الذي يقع تحت مرمى المدفعية التركية وصواريخ فصائل المعارضة.

خط دفاع ثان مواز لخط المعارضة

واعتبر الصحفي "سعد الدين الزيدان" الموجود في جبل الزاوية خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن أهمية جبل الزاوية بالنسبة للجانب التركي، تمكن في كونه ورقة ضغط مهمة جداً على القوات الروسية، خاصة أن وجود فصائل المعارضة فيه يهدد أمن ومصالح ومنشآت الروس في الساحل السوري، ومنها مطار حميميم الذي يعتبر أول قاعدة عسكرية روسية بسوريا على شواطئ المتوسط.

وأوضح أن النقاط التركية المستحدثة مؤخراً في ريف إدلب الجنوبي توزعت على شكل طوق موازٍ لخطوط التماس مع قوات النظام، وتمركزت على تلال حساسة جداً بالنسبة لجغرافية المنطقة، كما ذكر أن نوعية وعتاد القوات التركية في جبل الزاوية، تؤكد أنها قوات هجومية وليست دفاعية.

وأما الصحفي "محمد رشيد" فقد قال خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا إن التعزيزات العسكرية التركية، والحشد المكثف في البلدات وقرب خطوط التماس، يؤكد أن تركيا عازمة على الانخراط بالعمليات العسكرية بشكل مباشر في حال أقدمت قوات النظام على بدء هجوم جديد، مضيفاً أن تركيا تولي أهمية للجبل لموقعه الاستراتيجي، كون خسارته تعني بالتالي خسارة مساحات جغرافية واسعة في ريف إدلب الجنوبي.

وفي رده على سؤال وجهه موقع تلفزيون سوريا حول دلالات الحشد العسكري التركي المكثف في جبل الزاوية، ذكر الخبير العسكري العقيد "أحمد حمادة" أن الجيوش دائما تتحضر للسيناريوهات الأكثر سوءاً، وتقوم بالتدريب والتحصين واستكمال قواتها بما يخدم الفكرة الأساسية للقوات وفق المهمة المكلفة بها.

وهذا ما تعمل عليه القوات التركية وفقاً لـ "حمادة"، مضيفاً أن تركيا تهدف من خلال انتشارها، إلى الحفاظ على أمن المنطقة وردع من يخرق اتفاق وقف إطلاق النار.

ورأى أن تركيا تعمل من خلال إعادة نشر النقاط في ريف إدلب الجنوبي، على تشكيل خط دفاعي حصين، بالتنسيق مع قوات المعارضة.

قواعد اشتباك جديدة في "درع الربيع"

من جانبه يؤكد الباحث والمحلل السياسي "محمد سالم" أن انتشار الجيش التركي أخذ يتكثف تدريجياً بعد تكرار قضم قوات النظام وروسيا للأراضي، كما أشار إلى تغير قواعد الاشتباك والانتشار بشكل ملحوظ بعد عملية درع الربيع، حيث بدأت القوات التركية بالاشتباك المباشر مع قوات النظام براً وجواً، كما نشرت أعداداً كبيرة من قواتها في محاولة استعراض لردع تقدم قوات النظام.

واستبعد "سالم" خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا وجود أي تغيير في قواعد الاشتباك الجديدة التي أرستها عملية درع الربيع، المتمثلة بشرعنة الاشتباك المباشر بين الجيش التركي وقوات النظام دون اكتفاء بدعم فصائل المعارضة التي تصد هجمات النظام، وهو ما يشير إلى أن التعزيزات المكثفة نحو جبل الزاوية تهدف إلى ردع قوات النظام وداعميه الروس عن محاولة التقدم باعتبار أنه سيعني اشتباكاً مباشراً مع الجانب التركي.

ويهدف الجيش التركي أيضاً إلى ردع النظام عن التقدم في جبل الزاوية تحديداً كونه منطقة استراتيجية ومرتفعة، والسيطرة عليه ستعني سهولة السيطرة على ما بعده من مدن أريحا وما حولها وربما إدلب مركز المحافظة، وفقاً لـ "سالم".

وأضاف "الجدير بالذكر هنا بأن معهد دراسات الحرب الأميركي توقع إمكانية نشر الروس لقوات روسية بشكل مباشر بهدف تعطيل قواعد الاشتباك الأخيرة، لأن ذلك يمكن أن يحرج الجيش التركي كونه لن يغامر بالاشتباك بشكل مباشر مع وحدات روسية، ولكن ربما تعي موسكو أيضاً مخاطر نشر قوات روسية برية، مع استذكار التورط السوفييتي في أفغانستان، خاصة مع إمكانية دعم تركيا لفصائل المعارضة لتقوم هي بالتصدي لتلك الوحدات الروسية في حرب تحرير وعصابات دون أن يشتبك معها الأتراك بشكل مباشر".

ويبدو بأن التعزيزات التركية -حسب سالم- تعني بأن صانع القرار التركي لا يرجح إمكانية نشر موسكو لقوات روسية برية، ويرى استمرارية ذات النهج السابق المتمثل بمحاولات تقدم قوات النظام، وهو ما يعني إمكانية تصدي الجيش التركي بشكل مباشر للقوات المهاجمة جنباً إلى جنب مع فصائل المعارضة.

ومن الواضح أن التحركات العسكرية للجيش التركي في جبل الزاوية، ونشاطه المتزايد في إنشاء القواعد والنقاط، وتدعيمها بالدبابات والمدفعية الثقيلة، يشير بشكل أو بآخر إلى نية أنقرة في الحفاظ على ريف إدلب الجنوبي خلال الفترة المقبلة، ورفضها المقترحات الروسية الرامية للانسحاب إلى ما وراء طريق M4، وهو ما ينبئ باستمرار عن وجود بعض النقاط الخلافية بين الطرفين، وقد تظهر تبعاتها على الأرض بين الحين والآخر، سواء بالصعيد العسكري الروسي في إدلب، أو ارتفاع وتيرة القصف التركي ضد نقاط انتشار قوات النظام وقسد في مدينة عين عيسى وريفها شمالي الرقة.