icon
التغطية الحية

محاولة روسية ثانية لعقد مؤتمر عن لاجئي سوريا.. ما هدفها؟

2020.10.28 | 06:23 دمشق

mty-1024x670.jpg
لاجئون سوريون عائدون من تركيا إلى سوريا لقضاء اجازة العيد (الأناضول)
موسكو - طه عبد الواحد
+A
حجم الخط
-A

تصر روسيا ومعها نظام الأسد على عقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين في دمشق يومي 11-12 نوفمبر / تشرين الثاني القادم. وتنطوي الدعوة لهذا المؤتمر، كما هي الحال بالنسبة للدعوات المتكررة خلال السنوات الماضية حول إعادة اللاجئين، على تشويه خطير لحقيقة ما يجري في سوريا؛ حين تصر روسيا على أن "المعارك انتهت والوضع استقر في البلاد وباتت الظروف ملائمة لعودة اللاجئين"، وتحيل بذلك أسباب فرار ملايين المدنيين وبحثهم عن ملاذ آمن في دول العالم، إلى معارك عنيفة وقتال خلال ما تطلق عليه "حرب ضد الإرهاب" خاضها جيش النظام بدعم من القوات الروسية.  وتتجاهل في دعواتها تلك حقيقة أن العدد الأكبر من اللاجئين السوريين اضطروا للهرب بما في ذلك، وبصورة خاصة، من بطش النظام وممارسات أجهزته الأمنية، والاعتقال التعسفي، والتعذيب حتى الموت في السجون، فضلا عن فقدان الأمن والأمان بشكل عام، ويضاف إلى هذا كله الوضع المعيشي المتردي للغاية.

 

thumbs_b_c_34ab2edc234315d63c110990343aa4ce.jpg

 

دعوة لإعادة الإعمار

وفي دعوتها لمؤتمر دولي حول اللاجئين الشهر القادم، كررت وزارة الدفاع الروسية ذات المزاعم بأن "الأزمة السورية استقرت نسبياً"، وقدمت نفسها على أنها"الحريص الأمين" على الوضع في الدول التي تستقبل اللاجئين السوريين، وطرحت "زيادة الأعباء على الدول المضيفة للاجئين" سبباً ثانيا يفرض بحث هذا الملف على طاولة دولية. لكن الجزء التالي من نص الدعوة يعري الهدف الحقيقي الذي تريد موسكو ومعها دمشق تحقيقه عبر هذا المؤتمر. وبعد "العزف" على الوتر الإنساني من خلال دعوة المجتمع الدولي إلى أن "يضاعف جهوده لتقديم دعم شامل للسوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم، وتوفير ظروف مناسبة لمعيشتهم"، يوضح نص الدعوة أن المطلوب من المجتمع الدولي تمويل إعادة الإعمار "لا سيما فيما يخص البنية التحتية والمرافق المعيشية، والدعم الإنساني".

وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها روسيا جلب تمويل لإعادة الإعمار عبر "بوابة إنسانية" هي اللاجئين وضرورة عودتهم إلى بلادهم.  إذ سبق أن وجهت دعوة لعقد مؤتمر كهذا خريف عام 2018، بعد حملة واسعة أطلقتها لحث المجتمع الدولي على التعاون وليس في ملف إعادة اللاجئين فحسب، بل وفتح أبواب الحوار مع النظام من بوابة "المساعدات الإنسانية" بداية، ما يعني إعادة تأهيله دولياً. حينها استغلت روسيا جملة ظروف في مقدمتها استمرار "أزمة اللاجئين" في الاتحاد الأوروبي، وصعود اليمين المناهض للاجئين إلى السلطة في عدد من دوله، وتراجع حماسة الرأي العام الأوروبي تجاه سياسة "الأبواب المفتوحة".

 

هذه التوجهات في السياسة الروسية إزاء ملف اللاجئين تبلورت بوضوح منذ عام 2018، حين كانت روسيا تريد الانتقال إلى إعادة الإعمار، وهو ما تطلب وفق الرؤية الدولية إنجاز التسوية السياسية أولا. ويبدو أنها أدركت استحالة تحقيق هذا الهدف بسرعة، لذلك تبنت موضوع اللاجئين، ذريعة لتطالب المجتمع الدولي بإعادة الإعمار، بعد أن اعتقدت أن "الظروف الأوروبية" نضجت لتحرك بهذا الاتجاه. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حاول اللعب على وتر أزمة اللاجئين في أوروبا، وخلال مؤتمر صحفي في أعقاب محادثات أجراها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سوتشي يوم 18 مايو / أيار 2018، شدد على ضرورة أن تقوم ألمانيا بإرسال المساعدات إلى سوريا "بالتنسيق مع النظام السوري". ومن ثم تعمد تقديم أفكاره حول اللاجئين على أنها خدمة لأوروبا، وقال أنه "إذا كانت أوروبا تريد أن يعودوا إلى بيوتهم، لا بد من مساعدة سوريا لإعادة تأهيل اقتصادها، وتقديم مساعدة فعلية لها، وعدم تسييس ملف اللاجئين". وردت ميركل بالتعبير عن قلقها من المرسوم رقم 10، وشددت حينها على ضرورة "الحل السياسي" أولا لعودة اللاجئين.

رغم إصرار المجتمع الدولي على جملة شروط لا بد من توفيرها قبل الحديث عن إعادة اللاجئين، واصلت روسيا خطواتها لدفع هذا الملف إلى الواجهة، وبحث بوتين "الجانب المادي" لموضوع إعادة اللاجئين مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال قمتهما في هلسنكي يوم 16 تموز. بعد ذلك اللقاء بيومين جاءت الخطوة "الميدانية" الأهم، حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تأسيس "مركز استقبال وتوزيع اللاجئين السوريين"، وافتتاح مقر له في دمشق، يقوم خبراء من وزارة الدفاع بالتعاون مع خبراء من وزارة الخارجية الروسية بإدارته من موسكو. ومنذ الأيام الأولى لعمله يصدر ذلك المركز تقارير يومية حول أعداد "العائدين". وفي الأيام الأخيرة من تموز ذلك العام كثفت الدبلوماسية الروسية نشاطها حول ملف اللاجئين. إذ بحث وزير الخارجية سيرغي لافروف هذا الملف مع المسؤولين في باريس وبرلين، ومن ثم أوفدت روسيا "فرق عمل" إلى لبنان وتركيا والأردن لبحث ترتيبات إعادة اللاجئين.

20200306_2_41216709_52819348.jpg

 

حديث قديم عن مؤتمر اللاجئين

بعد هذه التحضيرات المكثفة، أعلن الجنرال ميخائيل ميزينتسيف، في أيلول عام 2018 مدير مركز إدارة الدفاع في وزارة الدفاع الروسية، عن الدعوة الروسية لعقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين، ووصفه بأنه "حدث تاريخي سيجري في سوريا"، وعبر عن أمله بأن تشارك فيه هيئات الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين، وكذلك جميع الدول المضيفة للاجئين، والمستعدة للمشاركة في تمويل مشروعات إعادة الإعمار. وفي نهاية الشهر تم بحث الدعوة الروسية في اجتماع حول سوريا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبرت خلاله الدول الغربية عن رفضها الحديث عن إعادة اللاجئين، وبرز توافق بينها بأن الوضع في سوريا لم يعد إلى طبيعته والظروف لم تتبلور بعد لعودة آمنة وطوعية للاجئين، وأكد ممثلو تلك الدول رفضهم تمويل إعادة الإعمار دون التوصل إلى تسوية سياسية.

اللافت أن المجتمع الدولي بأسره رفض حينها التجاوب مع الدعوة الروسية، بما في ذلك المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، الذي تبنى سياسات مناهضة لاستقبال اللاجئين في أوروبا منذ أن كان وزيرا للخارجية. وكان بوتين حاول إقناع كورتس بأن الحرب انتهت في سوريا، وأن إعادة اللاجئين تلبي مصلحة أوروبا، وقال في ختام محادثات بينهما خريف عام 2018، إن "أوروبا مهتمة إلى درجة كبيرة في عودة اللاجئين"، داعيا إلى تعاون في إعادة إعمار البنى التحتية والمرافق وغيره. إلا أن كلام بوتين لم يؤثر على كورتس، الذي رد معبراً عن قناعته بأن "الحرب لم تنته"، ورفض الحديث عن تمويل إعادة الإعمار قبل التوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254. الطرف الوحيد الذي رأى أن الظروف في سوريا مناسبة لعودة اللاجئين، هو "فريق حزب الله" في السلطة اللبنانية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية السابق جبران باسيل، والرئيس اللبناني ميشال عون.

كم لاجئا سوريا عاد إلى بلاده؟

فشلت حينها روسيا في تنظيم ذلك المؤتمر. وفي الأثناء تكشف البيانات التي ينشرها يوميا "المركز الروسي لتنسيق عودة اللاجئين والنازحين"، حقيقة أن الوضع في سوريا ليس ملائما بعد لعودة اللاجئين، وأن المساعي الروسية لإعادتهم فشلت. وعلى الرغم من ترويج إعلامي ضخم لحثهم على العودة، قال المركز الروسي في تقريره بتاريخ 25 تشرين الأول، أن إجمالي عدد اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا منذ 18 تموز 2018 (أي منذ تأسيس المركز) 618205 لاجئين فقط، بينهم 222957 لاجئا عادوا من لبنان، و395248 عادوا من الأردن. ومنذ 30 أيلول 2015 (أي بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا) يقول التقرير إن 847485 لاجئا فقط عادوا إلى سوريا، ولم يحدد "المركز" معاييره للتفريق بين اللاجئين والسوريين المغتربين الذين يترددون إلى البلاد.

لم يتغير شيء في سوريا نحو الأفضل منذ عام 2018 وحتى اليوم، بل على العكس، أصبحت الأمور أسوأ مما كانت عليه، على الأقل من الناحية الاقتصادية، هذا بينما لا تزال التسوية السياسية معطلة عملياً، ولم تتوقف الاعتقالات التعسفية والملاحقات الأمنية، والتي طالت بما في ذلك عددا من اللاجئين الذين صدقوا "الحقيقة الروسية" وأرغمتهم على العودة الظروف القاسية في بعض دول اللجوء، وبصورة رئيسية في لبنان، حيث تضيق السلطات الخناق عليهم، ويتعرضون لحملات عنصرية تمارسها بعض التيارات السياسية. وفي الوقت ذاته يبدو أن شيئا لم يتغير بالنسبة لروسيا، وتعمل على فرض ملف عودة اللاجئين، للقفز فوق خطوات الحل السياسي، وجلب تمويل لإعادة الإعمار، سيضطر المجتمع الدولي إن وافق على توفيره، إلى بحث آليات تقديمه مع نظام الأسد، وبالتالي إعادة تأهيله دوليا.