محددات سياسة تركيا في سوريا في 2021

2021.01.30 | 00:05 دمشق

d1554b30-993d-443a-97e7-f7e3e9f34aca.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن سياسة تركيا تجاه سوريا بارزة في العام 2020 باستثناء جولة القتال في إدلب في شباط وبداية آذار 2020، والتي انتهت بالتفاهم على وقف إطلاق نار مع روسيا، حيث هيمنت قضايا شرق المتوسط وكارباخ وليبيا وأزمة كورونا على السياسة الخارجية التركية.

وبالإضافة إلى كونه الحدث الأبرز لتركيا في سوريا فإن تركيا تعتبر وقف إطلاق النار الأخير في 5 آذار 2020 بعد جولة من القتال في إدلب نقطة فاصلة، (وقد أكد على هذا عدد من الباحثين الأتراك في تقرير المشهد الأمني لتركيا لعام 2020 والذي صدر في كانون الثاني 2021 عن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيتا) حيث تميزت الفترة السابقة لوقف إطلاق النار بعناوين القتال في إدلب والأزمات الإنسانية والهجرة الجماعية وعملية درع الربيع، أما الفترة التي تلت وقف إطلاق النار فقد تميزت بالهدوء النسبي في سوريا والمباحثات الدبلوماسية حول مساعدات الأمم المتحدة وغيرها.

فقبل وقف إطلاق النار وصلت الأمور إلى مستوى تصعيد كبير بعد مقتل 34 جنديا تركيا في غارة جوية لنظام الأسد استدعت ردا تركيا دمرت فيه تركيا 3 طائرات حربية و3 طائرات بدون طيار و8 طائرات هيلوكبتر و151 دبابة و8 أنظمة دفاع جوي و99 مدفع هاوتزر ومنشأة للأسلحة الكيماوية غيرها إضافة لمقتل المئات من أتباع النظام.

وبعد هذه الفترة راقبت تركيا تشتت النظام من التوتر في درعا والذي ما زال مستمرا حتى الآن، والمواجهات المستمرة أيضا بين النظام وتنظيم "الدولة" في البادية السورية وتدهور اقتصاد النظام وانهيار الليرة السورية خاصة بعد الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى جانب العقوبات الأميركية على النظام.

أمام كل هذا المشهد كانت عين تركيا بدرجة أساسية مركزة على خطر قيام كيان/ دولة كردية على حدودها الجنوبية فقد بقي هذا الخطر قائما من وجهة نظر تركيا حيث استمرت وحدات حماية الشعب في تقوية نفسها وفي تلقي الدعم الخارجي من جهة وفي تطوير خطاب وتكتيكات جديدة لإضفاء الشرعية على نفسها، وعملت على استغلال زيارات الوفود الأجنبية لتقديم أجندتها السياسية. ولهذا ما زالت تركيا تلوح حتى الآن بإمكانية تنفيذ عملية عسكرية وقد قام وزير الدفاع خلوصي أكار برفقة كبار قادة الجيش بزيارة تفقدية للقوات المرابطة على الحدود مع سوريا في 30 كانون الأول 2020.

أما بعد خطر قيام كيان جديد شمال سوريا فقد حل اهتمام تركيا باستقرار إدلب في الدرجة الثانية تقريبا فهي آخر المعاقل الكبيرة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وقد تمكنت تركيا من منع هجرة جماعية كبيرة من إدلب من جهة وعملت على تحقيق تموضع عسكري مقبول من جهة أخرى، وفيما تعمل تركيا على المساهمة في إعادة تصميم الجماعات المعارضة في إدلب بشكل يخدم الاستقرار من وجهة نظرها فما زالت الأمور غير واضحة بالرغم من عدد من الخطوات مثل تفكيك بعض الجماعات القريبة من القاعدة لتحقيق الاستقرار، ومن وجهة نظر التقرير المذكور أعلاه فإن قدرات تركيا على التأثير في إدلب لاحقا ستعتمد على إعادة هيكلة الجماعات المسلحة في إدلب.

سوريا في حد ذاتها لن تكون من ضمن أولويات إدارة بايدن من وجهة نظر تركيا إلا أن أي تغيير في سياسة الإدارة سيكون مهما جدا بالنسبة لاستراتيجية تركيا في سوريا

لعل الخيط الذي ينظم كل القضايا المذكورة أعلاه والتي تهتم بها تركيا بشكل خاص هو موقف الإدارة الأميركية الجديدة فبالرغم من أن سوريا في حد ذاتها لن تكون من ضمن أولويات إدارة بايدن من وجهة نظر تركيا فإن أي تغيير في سياسة الإدارة سيكون مهما جدا بالنسبة لاستراتيجية تركيا في سوريا. كما أن إدارة بايدن ستكون معنية بشكل خاص بتحجيم الدور الروسي في المنطقة عموما. لذلك يعتبر موقف إدارة بايدن حاسما فهل ستلجأ إلى سلبية إدارة أوباما ودعم وحدات بي واي دي أم ستعمل على احتواء إيران، كما أن علاقاتها مع تركيا ستكون مهمة فهل ستتعامل مع تركيا كحليف في الناتو أم ستتجاهل ذلك وتحاول ضخ مزيد من الدعم لوحدات الحماية، فكل واحد من هذه الخيارات سيكون له تأثيره على استراتيجية عمل تركيا.

تعتقد تركيا أن تنظيم بي واي دي سيحاول خلال عام 2021 الحفاظ على الدعم الأميركي بينما سيعمل على تأمين حماية روسية من جانب آخر. كما ستستمر وحدات الحماية في كسب المزيد من الشرعية عبر إعادة تعريف نفسها والتأكيد على الانفصال عن حزب العمال لكنها ستستمر في استخدام التكتيكات نفسها. وأيضا من المحتمل أن يقوم التنظيم بمحاولة التوسع مما قد يفتح معركة مع النظام، ونشير هنا أن التقرير التركي لا يستبعد حدوث عملية متزامنة من النظام ومن تركيا ضد وحدات الحماية في تل رفعت ومنبج وعين عيسى.

لدى تركيا نقطة تهديد جوهرية تتمثل في إنشاء كيان شمال سوريا بدعم أميركي، كما أن لديها نقطة خلاف أخرى مع روسيا حول الترتيبات في إدلب

أما بالنسبة لروسيا فإن الوضع غير مرض لها في إدلب وهي في حالة ضغط مستمر على تركيا، ويرى التقرير أن الجناح البراغماتي في هيئة تحرير الشام أصبح أقوى من الجناح المتشدد بعد تفكيك بعض التشكيلات المتشددة مما أعطى تركيا إمكانية عمل أفضل لإيجاد حل وزاد من فرص تمكين المعارضة الأكثر اعتدالا في إدلب. ولكن وفق هذه التقرير يمكن أن تضيع الفرصة في حال عاد التصعيد من جديد.

لدى تركيا نقطة تهديد جوهرية تتمثل في إنشاء كيان شمال سوريا بدعم أميركي، كما أن لديها نقطة خلاف أخرى مع روسيا حول الترتيبات في إدلب، بمعنى أن التعقيدات التي واجهت تركيا في وقوف قوتين عظميين قبالة أهدافها ستبقى مستمرة وستعمل تركيا على عدم المواجهة مع الطرفين في آن واحد وعلى التنسيق مع أحدهما لتحقيق الحد الأدنى من أهدافها. ومع أن تركيا ما زالت تفضل العمل مع واشنطن بدرجة أساسية فإن مواقف أعضاء فريق بايدن لا تبشر بتوافق تركي أميركي.

ستعمل تركيا على إعادة حساباتها في سياق سياساتها الداخلية وفي سياق حسابات مصالحها في الملفات المتعددة الممتدة من القوقاز ومرورا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى شرق أفريقيا، وستكون سياساتها العامة متأثرة بذلك لكن سياستها بتركيا ستكون محكومة بالبعد الأمني بالدرجة الأولى.