عاصمة الياسمين تغرق في الكبتاغون

2021.01.27 | 00:16 دمشق

new-project-6-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

حدثني أحد الأصدقاء ممن رفضوا مغادرة دمشق معاتباً متسائلاً بحرقة ابن البلد ماذا فعلتم بنا يا طلاب الحرية؟ ألم تعلموا أكثر من غيركم أن القاتل لا يمكن أن يحمل يوماً غصن زيتون؟ واسترسل بحرقة غَلب عليها دمعة وصل صداها إلى أعماقي نعم يا صديقي لم يكتف القتلة بجرائمهم ومجازرهم وتدميرهم للبشر والحجر بل فعلوا بنا ما لم يفعله غُزاة التاريخ مجتمعين،  لم نكن نتوقع يوماً أن يقوم من هم شُركاؤنا في وطن الياسمين الذي طالما تغنوا به هم قبل غيرهم طويلا باقتلاع أشجار الغوطة وغيرها من المناطق الثائرة وتهجير أهلها واقتلاعهم من جذورهم وقذفهم لأقدارهم التي تحكم بها من هم ليسوا أقل رأفة بشعبنا وأهلنا الذين باعونا وباعوا دماءنا بحفنة من الدولارات، تحملنا قمعهم وصبرنا على تجويعهم وتغاضينا مرغمين على سماحهم للإيراني بالتغلغل بكل الأشكال والطرق والأساليب في بلدنا وعاصمتها وياسمينها وجعلوا من مدننا مرتعاً لكل شذاذ الآفاق الذين عاثوا فساداً وإفساداً في مجتمعنا من خلال سياسة ممنهجة تهدف إلى محاولة إعادة الشعب السوري الثائر إلى حضن الأسد عبر محاولة بائسة لإغراق هذا الشعب الصابر بمشكلات جانبية تبعده عن التفكير في الهدف الذي خرج من أجله.

لاشك فيه أن من يدير هذا العمل المنظم جهات نافذة محمية من ضباط الأسد وعناصره وعلى أعلى المستويات

لم يكن في مخيلة أكثر المتشائمين وأصحاب الخيال الواسع أن يرى شوارع دمشق وأرصفتها وأكشاكها التي كانت قبلة للياسمين تعج بالمخدرات، لا بل وصل الأمر إلى أن يتم ترويج هذا السم القاتل من خلال سائقي الحافلات العمومية وصبية لا يتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، ولعل المنظر المحزن للطفلة التي لا يتجاوز عمرها الخمسة عشر ربيعاً والتي وجدت على أطراف نهر بردى في حالة يرثى لها بعد تناولها أحد أنواع المخدرات الرخيصة يدل وبشكل واضح أن بلدنا ومستقبل أبنائنا يسير بتواتر رتيب وخُطاً مدروسة في طريقه إلى المجهول، خاصة إذا علمنا أن ما يروج له الآن من سموم أهمها أقراص الكبتاغون في شوارع دمشق يحتاج إلى مبالغ باهظة لتصنيعه وترويجه وهذا يحتاج إلى جهات راعية له تمتلك ملايين الدولارات لتتكفل بشراء المواد الأولية وآلات التصنيع والتعبئة، ناهيك عن مكان آمن لاستيعاب هذه المواد قبل التصنيع وبعده، ومما لاشك فيه أن من يدير هذا العمل المنظم جهات نافذة محمية من ضباط الأسد وعناصره وعلى أعلى المستويات، فإغراق المجتمع السوري بالموبقات ليس جديداً بل يمتد تاريخه إلى بداية التسعينات من القرن المنصرم عندما بدأ فرع الأمن الجنائي في مدينة دمشق بإدارة بيوت الرذيلة والاستفادة منها مهنياً، ومن ثم تطور الأمر إلى الفائدة المادية حيث عقدت شراكات بين ضباط الأمن الجنائي ومديري بيوت الرذيلة في دمشق وما حولها والتي كُشف عنها في بدايات عام 2005 نتيجة خلافات شخصية بين بعض الرؤوس الكبار آنذاك دفع ثمنها مجموعة من الضباط المتورطين في هذه العملية، أما فصول إغراق المجتمع بمشكلات يمكن أن تصنع غشاوة على عقوله وعيونه لتغييبه عما يجري حوله فقد برع الأسد وأجهزته الأمنية وميليشياته أثناء الثورة السورية في استخدام كل الطرق والأساليب التي تذل الشعب السوري، إن كان في مناطق نفوذه أو من خلال حصاره المطبق للمناطق المحررة التي انطلق منها في بث سمومه عبر عملائه من خلال منهجية في التجويع ونشر المخدرات على نطاق واسع في تلك المناطق، ناهيك عن رفع أسعار المواد الأساسية من خلال حصر دخولها بعملائه الذين أثروا على حساب هذا الشعب المسكين.

إن نشر الممنوعات وعلى رأسها المخدرات ليست ظاهرة عابرة يمكن إن تزول بزوال مصنعيها أو مروجيها، بل سيستمر مفعولها الكارثي على جيل كامل من أبناء سوريا الجريحة التي لم يبقى في جسمها نقطة إلا وأصابها سهم أدماها، ولعل أقسى هذه السهام وأكثرها ألماً تلك التي أتت من اللذين من المفروض انهم أبنائها وكلنا يعرف أنه من الطبيعي أن يحافظ الابن على أُمه إلا اذا كان ابناً عاقاً لا يعنيه إلا مصالحه الشخصية ولو على حساب أقدس وأغلى شيء في الوجود ألا وهو الوطن، ومع مرور الزمن ستكون هذه الكارثة إحدى أكبر المصائب المعقدة والخطرة التي أصابت المجتمع السوري وسيصعُب التغلُب عليها خلال فترة قصيرة حتى لو استقر الوضع في سوريا وتحققت أحلام الشعب السوري في الحرية والديموقراطية، إن أخطر ما سينتج عن هذه الآفة الخطيرة هو ظهور جيل لن يهتم بمستقبله وكسب رزقه أكثر من اهتمامه وحرصه على تأمين متطلبات جسده من هذه المواد القاتلة، وبالتالي يمكن أن يقوم هذا الشخص المدمن بعمل أي شيء مقابل هذا وهنا الكارثة الحقيقية إذ لن يتوانا هؤلاء عن السرقة ومن ثم يمكن أن يتطور الأمر بهم إلى ارتكاب جرائم قتل أو خطف أو أي عمل مهما كانت خطورته لتأمين احتياجاتهم وتحقيق رغباتهم الجسدية.

الأراضي السورية أصبحت أرضاً خصبة لتصنيع هذه المواد، بل يمكن أن نقول بأن ذلك كله يتم برعاية جهات رسمية وميليشيات منظمة

إن إعلان أغلب دول جوار سوريا بين الحين والآخر عن ضبطها كميات كبيرة من المواد المخدرة وعلى رأسها أقراص الكبتاغون يدل وبشكل واضح أن الأراضي السورية أصبحت أرضاً خصبة لتصنيع هذه المواد، بل يمكن أن نقول بأن ذلك كله يتم برعاية جهات رسمية وميليشيات منظمة هدفها ليس الإثراء والكسب السريع فقط إنما لسبب أهم من ذلك بكثير وهو إغراق المجتمع السوري بهذه المواد طمعاً في إعادة تدجينه لإعادة السيطرة عليه من جديد، فمتى نستيقظ من سباتنا لنتدارك الأمر فواجبنا كإعلاميين أولا ومؤسسات مجتمع مدني يحتم على الجميع تسليط الضوء على هذه الكارثة التي سيدفع ثمنها أبناؤنا وأحفادنا عاجلاً أم آجلاً، وعلينا أن نبدأ بخطط إعلامية واجتماعية للتحذير من هذه الآفة الفتاكة وتوعية أهلنا في الداخل سواء في مناطق سيطرة الأسد أوفي مناطق المعارضة، فجميعنا مسؤول كل من مكانه لإعادة الياسمين إلى عاصمة الياسمين.