icon
التغطية الحية

9 سنوات على اغتيال "خلية الأزمة"..  تعدّدت الروايات والحقيقة ما زالت غائبة

2021.07.18 | 06:45 دمشق

1500387570.jpg
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

صباح 18 تموز من العام 2012، فوجئ السوريون بخبرٍ عاجل يتحدّث عن مقتل عدد من رجالات الصف الأول في نظام الأسد، حيث استهدف تفجير انتحاري مبنى الأمن القومي في دمشق، الذي كان يجتمع فيه عدد من القيادات الأمنية، أبرزهم وزير الدفاع داوود راجحة، ونائبه صهر بشار الأسد، آصف شوكت، فيما عُرف بين السوريين بـ "خلية الأزمة".

منذ ذلك التاريخ إلى اليوم برزت عدة روايات حول الجهة التي تقف وراء تلك العملية وطريقة تنفيذها، لكن لم تقدّم أي رواية حتى الآن معلوماتٍ موثّقة تدل على حقيقة ما جرى.

 

تسبّبت عملية "خلية الأزمة" أيضاً بمقتل رئيس الخلية العماد حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي، هشام بختيار، الذي توفي بعد يومين متأثراً بإصابته، في حين نجا وزير الداخلية، محمد الشعار من الموت.

بعد أسبوع من العملية، زعم نظام الأسد عبر وسائل إعلامه، أنه ألقى القبض على منفّذ التفجير، الذي كان أحد العاملين في مبنى "الأمن القومي"، وأن "أعداء سوريا" استأجروه لتلك المهمة التي نفذها عبر تفجير مقر الاجتماع بحزامٍ ناسف، إلا أن قناة "بي بي سي" أفادت بأن نوافذ المبنى لم تتعرّض لأي أضرار، كما أنّ الانتشار الأمني حوله لم يُشدّد بعد الحادثة.

 

هل قتلهم حساء مسموم؟

موقع "تلفزيون سوريا" التقى مقاتلاً سابقاً في فصائل المعارضة، كان أحد المشاركين في عملية اغتيال "خلية إدارة الأزمة"، روى لنا تفاصيل الحادثة كما شهدها.

يقول أبو شوقي، وكان مقاتلاً ضمن فصيل "كتائب الصحابة" في داريا، فضّل عدم الكشف عنه اسمه الصريح، "استطاع قائد كتيبة الصحابة (أبو تيسير زيادة) التواصل مع أحد الأشخاص العاملين داخل مبنى الأمن القومي، وهو الطباخ الشخصي للضباط الأمنيين، مستغلاً معرفته الشخصية بالطباخ قبل الثورة، حين كان أبو تيسير يملك مطعماً في داريا، لذا استطاع الأخير إقناع الطباخ بضرورة تصفية الضباط مقابل تأمين خروجه مع عائلته إلى الأردن".

يضيف أبو شوقي "حاول الطباخ الذي ينحدر من حمص تنفيذ عملية الاغتيال ثلاث مرات لكنه تردّد في ذلك، وفي المرة الرابعة حسم قراره، حيث قمت مع عدة أشخاص ضمن سرية المهام الخاصة بإعطائه كيس السم، بعد أن أخبرناه بأن أي خرقٍ منه في الاتفاق يعني عواقب وخيمة، فسارت الأمور وفق المخطط له، ليتجه الطباخ إلى مقر الاجتماع، وما سهّل عملية إدخال السم إلى المقر الأمني، أنه كان من الشخصيات التي لها نفوذ ولا تخضع للتفتيش الدقيق خلال الخروج والدخول".

ويتابع "قام الطباخ بتقديم وجبات الحساء للضباط بعد وضع عدة قطرات من السم في كل صحن قبل إدخالها الى قاعة الاجتماع، ليبدأ الضباط بتناول الحساء قبل تناول وجبات العشاء التي تضمنت مشاوي لحم ودجاج. بعد دقائق غادر الطباخ المبنى بعدما تأكد أن الضباط تناولوا كمياتٍ جيدة من الحساء، ليتم نقله إلى درعا ومن ثم إلى الأردن".

عقب تنفيذ العملية نُقل الضباط إلى مشفى الشامي بدمشق، الذي تم تطويقه بالكامل من قبل قوى الأمن، لكن محاولات إسعاف الضباط فشلت ليتم إعلان مقتلهم صباح اليوم التالي، عدا وزير الداخلية الذي نجا من الموت، كونه لم يتناول سوى القليل من الحساء.

يشار إلى أن فصيل "كتائب الصحابة" أعلن في تلك الفترة عن تبنيه عملية اغتيال "خلية إدارة الأزمة"، عبر فيديو بثه على شبكة الإنترنت وتداولته وسائل الإعلام، من دون ذكر تفاصيل دقيقة عن طريقة تنفيذ العملية.

 

 

وفضلاً عن روايات أخرى عن جهة التنفيذ وطريقتها، تداول السوريون معلومات أشارت إلى أن الشخص الذي نفذ عملية الاغتيال دَسّ سم "أملاح الزئبق" في طبقٍ معين من الطعام، وأن الضباط شعروا بطعمٍ غريب فيه فلم يُكملوا طعامهم، حيث تناول جميعهم كمياتٍ قليلة من ذلك الطبق، لذا لم يؤثر فيهم السم في البداية، لكن لاحقاً ظهرت عليهم أعراض التسمم.

 

ما الرواية الصحيحة؟

المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد أحمد حمادة، لم يتفق مع هذه الرواية، كما استبعد أن تكون عملية "اغتيال خلية الأزمة" قد تمت عن طريق دَسّ السم في وجبات الطعام من قبل فصائل المعارضة، مؤكداً أن مثل تلك الاجتماعات الأمنية تُحاط بسريةٍ عالية، ولا أحد يعرف مكانها وتوقيتها سوى الضباط المدعوين للاجتماع، وليس من السهل على الإطلاق اختراقها ضمن إمكانات فصائل المعارضة في ذلك الوقت.

وأضاف حمادة في حديثه مع "تلفزيون سوريا"، أن "أي شخص سيدخل إلى مقر الاجتماع، يخضع للتفتيش الدقيق عدة مرات، حتى لو كان من الضباط الكبار كحسن تركماني وداوود راجحة وغيرهم، وبالتالي لا يمكن أن يُنفَّذ الاغتيال سوى من شخصياتٍ صاحبة قرار، وهما ماهر أو بشار الأسد، كونهما أصحاب نفوذ ولهما ميزاتٍ مختلفة، ولا يخضعان للتفتيش على خلاف باقي الشخصيات الأمنية".

وأشار إلى أن "المؤشرات تدل على أن مقتل خلية الأزمة كان نتيجة صراع بين أجنحة النظام، متمثلةً بتيارين الأول: يدعو إلى حلٍ سياسي ومرحلة انتقالية واستقالة بشار الأسد، وكان يدعم هذا التيار جامعة الدول العربية، وبعض الشخصيات الأمنية لدى النظام، منها حسن تركماني وآصف شوكت وداوود راجحة".

أما التيار الثاني فيدعو إلى الحل الأمني والعسكري، ويقوده ماهر الأسد الموالي لإيران، إلى جانب جميل الحسن وعلي مملوك، وحين أدرك ماهر أن التيار الأول على وشك التوقيع على قرار يقضي بالإطاحة برأس النظام عبر توافقٍ دولي، قرر حينئذ تصفية تلك الشخصيات التي تدعم الحل السياسي، بحسب ما أفاد حمادة.

 

لمناف طلاس أيضاً رواية

في العام 2014، العميد المنشق، مناف طلاس، في لقاء مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن نظام بشار الأسد متورط مباشرةً وبمشاركة إيران في تفجير خلية الأزمة.

وأوضح طلاس أنه اجتمع حينذاك في لقاءٍ أخير مع بشار الأسد، وقال له "أنا صديقك ونصحتك بعدم اختيار الحل العسكري، بل بالحل السياسي، فهو أكثر شمولاً". فأجابه بشار: "أنت شخص ضعيف جداً"، لافتاً إلى أنه انشقّ قبل أن يغتاله الأسد.

ويستدل طلاس على ذلك بأن النظام أقال وزير الدفاع السابق علي حبيب من منصبه في آب 2011، بسبب عدم رضاه عن مواقفه في التعامل مع الثورة السورية، حيث كان وزير الدفاع ضد فكرة دخول الجيش إلى المدن، ما يدلّ على أن الأسد كان حريصاً على إزاحة أو تصفية أي شخصية أمنية لا تؤمن بالحل العسكري.

 

ولمصر روايتها

ومن الروايات المتداولة أيضاً والتي كشف عنها اللواء المتقاعد من المخابرات الحربية المصرية، محمود زاهر، في لقاءٍ تلفزيوني، أن رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق، اللواء عمر سليمان، كان ضمن اجتماع "خلية إدارة الأزمة" في دمشق، مع مجموعة ضخمة من عناصر مخابرات العديد من الدول، وحدثت خيانة داخل المركز وتم تفجيره وقُتل في تلك الواقعة، لافتاً إلى أن سليمان كان في ذلك الاجتماع لوضع خطط للمنطقة.

 

 

ماذا خسر الأسد؟

رغم تضارب الروايات حول كيفية اغتيال "خلية إدارة الأزمة"، يبقى التساؤل الأبرز حول أثر تلك العملية على نظام الأسد، وكيف انعكس عليه حقيقة، في حال نفذها هو أو المعارضة.

في هذا السياق يقول المحلل السوري، يونس الكريم، إن "النظام استفاد من اغتيال خلية الأزمة، إذ إن مقتل الضباط الذين يميلون إلى الحل السياسي، أوقف أي بوادر للحل السلمي، وفتح الباب على مصراعيّه نحو الحل الأمني، وأطلق يد الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد ومن ورائه ميليشيات إيران".

وأضاف الكريم في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن "اغتيال خلية إدارة الأزمة زاد من وتيرة الغضب والحقد لدى المؤسسات الأمنية وقوات النظام، لتصب جام غضبها باتجاه المدنيين، ما تسبّب بحدوث مجازر كثيرة بحقهم، وبنفس الوقت زادت أعداد القتلى في صفوف النظام بعد معارك عنيفة شنتها فصائل المعارضة رداً على استهداف المدنيين، وبالتالي لم يعد هناك مكان للحل السلمي، واتجهت الأمور نحو العسكرة".

 

ما قبل ليلة 18 تموز ليس كما بعدها

عشية ذلك اليوم صعّد الأسد قصفه المدفعي من قمة جبل قاسيون، مستهدفاً الأحياء الثائرة في دمشق، مثل المزة بساتين وكفرسوسة وداريا والمعضمية، إضافةً إلى قصفٍ طال مدن وبلدات الغوطة الشرقية.

يؤكد ناشطون في دمشق، شهدوا تلك الأحداث، أن "ليلة 18 تموز شكّلت تحولاً جوهرياً في آلية استخدام العنف لدى قوات نظام الأسد"، مشيرين إلى أن "قوات النظام، وبدافع الانتقام، سمحت لنفسها التعامل مع الحراك السلمي بمستوى جديد من الانتهاكات والعنف، وشهدت تلك الفترة اعتقال المئات من الشبان ممن لا خبر عنهم حتى الآن".

كما أنه وبعد ذلك اليوم توالت الانشقاقات في صفوف قوات النظام، وقالت "جماعة الإخوان المسلمين" في سوريا، إن يوم 18 تموز 2012، شهد أعلى نسبة انشقاق على الإطلاق منذ بدء الثورة، وأن اتصالات الضباط الذين يريدون ترتيب انشقاقهم وهروبهم بلغت أعلى مستوياتها، وأن فصائل المعارضة سيطرت على مناطق بكاملها إثر انسحاب قوات النظام منها.

تجدر الإشارة إلى أن النظام سارع عقب تصفية ضباط "خلية إدارة الأزمة" إلى إجراء سلسلة من التعيينات، حيث تم تعيين العماد جاسم الفريج وزيراً للدفاع مكان داوود راجحة، كما عُيّن علي مملوك رئيساً للأمن القومي مكان هشام بختيار، وأصبح رئيس الأمن العسكري السابق عبد الفتاح قدسية نائباً لعلي مملوك، في حين أصبح علي يونس، مساعد آصف شوكت السابق، رئيساً لجهاز الأمن العسكري مكان قدسية.