54 عاماً على "الحركة التصحيحية".. ما بين الحرس القديم والحرس الجديد

2024.11.23 | 06:48 دمشق

آخر تحديث: 23.11.2024 | 06:48 دمشق

47
+A
حجم الخط
-A

أربعة وخمسون عاماً مضت على قيام الحركة التصحيحية وما تزال عائلة الأسد تحكم سوريا التي لم تخلُ يوماً من الاضطرابات منذ انقلاب البعث العسكري الذي قام به وزير الدفاع وعضو القيادة القطرية لحزب البعث حافظ الأسد في 16 من تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، دافعاً أمامه شخصاً لرئاسة البلاد من الوسط التعليمي اسمه أحمد الخطيب، نقيب المعلمين آنذاك، كواجهة كلاسيكية لا علاقة لها بالسياسة ولا القدرة على إدارة البلاد تمهيداً لاستيلائه لاحقاً على السلطة التي كان يُخطط لها منذ عام 1963.

وبالفعل، حقق ما كان يصبو إليه بتاريخ 22 من (شباط) 1971 إثر استقالة الخطيب بعد استفتاء شعبيّ تحت هيمنة المخابرات، منح الأسد نتيجة 100% ليكون هو رئيس الجمهوريّة. والأغرب من ذلك كله أنه في اليوم نفسه سُمّي أحمد الخطيب المستقيل رئيساً لمجلس الشعب السوري.

لقد استغل حافظ الأسد منصبه كوزير للدفاع وقائداً للقوى الجوية والطيران وبدأ بتشكيل منظومة عسكرية وأمنية حوله، وتم تعيينهم في مناصب قيادية من الضباط الموالين الشبيحة وتسريح الضباط الوطنيين الأحرار.

وشهدت سوريا وقتئذ حركة نشيطة من التغييرات الجذرية للمناصب الحساسة ابتداءً من رئاسة الأركان وقادة التشكيلات التي تشكل أعمدة الدولة وأساس قيامها، وأبقى على المنظومة التي شكلها من الضباط المحسوبين عليه، الذين تم تسميتهم بعد استلام بشار الأسد السلطة في عام 2000 بالحرس القديم المبني على أيديولوجية بعثية قائمة على المغالاة ورفض الآخر. وكان من أهم أثافيها رفعت الأسد الذي شكل سرايا الدفاع بقيادة منظومة "كليبتوقراطية" شكلت الحامي الأكبر لعرش حافظ الأسد. وانحصرت أعداد الحرس المشكل وقتها بعدد قليل من الأشخاص منتقين على أساس الولاء المطلق لحافظ الأسد ومعزولين بشكل غير مألوف عن محيطهم، مشكلين الأثافي التي أرست دعائم حكم حافظ الأسد من أجل الصعود إلى السلطة واستلام رئاسة البلاد لتكون بمثابة الركائز العسكرية والأمنية الحامية لعرشه الدموي بالتنسيق مع جميع قادته الشبيحة الذين انسجموا مع مسيرته طوال حياته، من تسلمه وزارة الدفاع حتى اعتلائه سدة الرئاسة.

وخلال حكمه المفرط بالقسوة والعنف مع من يعارضه، أعدم كثيراً من قادة التشكيلات الذين عارضوه، وقتل في عام 1982 عشرات الآلاف من المدنيين في أحداث مدينة حماة، ومجزرة سجن تدمر، ومجزرة المشارقة بحلب، ومجزرة جسر الشغور.

لقد أطلق حافظ الأسد لقادته الشبيحة العنان لارتكاب الأعمال الإجرامية من سلب ونهب لممتلكات السوريين وأراضيهم وعقاراتهم، وخاصة الدمشقيين، بالاستيلاء على أراضيهم ذات المساحات الخضراء وتحويلها إلى كتل إسمنتية. وعمل على التغيير الديموغرافي لسكان دمشق من خلال استملاك أراضيهم وإقامة مساكن للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، دون إعطائهم أي تعويض بدل عنها. كما قام بتعبئة المشافي بالأطباء المظليين على حساب حقوق الطلاب المتفوقين وحرمهم من حقوقهم في دراسة الطب والهندسة ومقاعدهم التي يستحقونها.

لقد كانت ولادة الحرس الجديد المتمثل بالضباط المهندسين القياديين، التي تزعمها باسل الأسد، أول دورة منها من إنتاج فكر منظومة الحرس القديم، والتي تعتبر حكم حافظ الأسد الملهم من الذات الإلهية. ففي أواخر عهد حافظ، عمل الحرس القديم على تهيئة باسل الأسد بإشراف والده حافظ الأسد عندما كان يدرس الهندسة المدنية في جامعة دمشق. وجمع معه عشرة زملاء من أبناء ضباط كبار القادة في وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وقادة الفروع الأمنية، وحصراً ممن ينتمون إلى آباء يدينون بالولاء المطلق لحافظ الأسد، وعملوا على خدمته بكل تفانٍ وإخلاص، ونفذوا كل ما أوكل لهم من مهام دون تردد أو تذمر مهما كلف ذلك من أرواح بشرية بريئة من أجل إرضاء حافظ الأسد. وزُجّ بهم في المؤسسة العسكرية من أجل الحفاظ على ديمومة الحكم وفق ما يسمى نهج مسيرة التصحيح التي قادها حافظ الأسد، تحت مسمى الضباط المهندسين القياديين الذين دخلوا إلى كلية المدرعات حصراً دون غيرها.

في الحرس الجديد، تقاطعت الكثير من الأيديولوجيات مع الحرس القديم وتشابه الأشخاص، حيث كان من بين المنتمين للحرس الجديد في الدورة السابعة المهندس القيادي ماهر الأسد الذي يمثل بالعهد الجديد شخصية شقيق والده رفعت الأسد من الحرس القديم بكل صفاته وجبروته وإجرامه. واستلم التشكيل نفسه الذي كان يقوده عمه رفعت، بعد أن تم تغييره من سرايا الدفاع إلى الفرقة الرابعة، لكنها بقيت تضم العناصر نفسها المشبعين بالإجرام والمؤدلجين بنفسية البغي والتسلط. استمرت عملية التغيير الديموغرافي التي بدأها رفعت الأسد من الحي الدمشقي الراقي بالمزة وركن الدين والقابون، حيث أقام أكبر تجمع عشوائي في أحياء دمشق، أقدم عاصمة عريقة بالتاريخ، ليتم تغيير وجهها الحضاري إلى كانتونات سكنية عشوائية من أجل أن تكون محيطة بالقصر الجمهوري وحامية له. واستمر الفساد في العهد القديم إلى العهد الجديد، وأصبح شبيحة الدفاع الوطني واللجان الشعبية وقادة ميليشيا إرهابية إجرامية نواباً يمثلون الشعب السوري في مجلس الشعب السوري، في نسخة عن ظاهرة الأطباء والمهندسين المظليين الذين نشروا الفساد في كل أصقاع سوريا إبان حكم رفعت وحافظ.

ما بين الحرس القديم والحرس الجديد، مارس حافظ الأسد ووريثه الابن بشار خلال الـ54 عاماً أكبر بروباغندا إعلامية تدّعي الانفراد المميز بالمقاومة والعروبة والممانعة، وهي النهج التمثيلي الأكبر في تاريخ البشرية، مدّعين رفض مخططات الإمبريالية والرجعية والاستعمار والصهيونية للحفاظ على الهوية العربية والقومية.

ومن جانب آخر، كانوا يعملون ضمن دور وظيفي يكفل حماية إسرائيل وحراستها مقابل البقاء على رأس الحكم في سوريا. وكانت أولى اهتماماتهم قتل الحس الوطني السوري المقاوم في نفوس السوريين والاستعاضة عنه بمقاومة جوفاء مليئة بالشعارات وأسطوانة المظلومية المشروخة التي تتجلى بالمؤامرة الكونية الوهمية على سوريا الأسد، التي تُشكّل بحسب مدّعي المقاومة والممانعة منهجاً لمواجهة الخطط العدائية في سوريا وفي المنطقة العربية بأكملها.

لقد بنى الأسد الأب في سوريا إمبراطورية الرعب وزرع في نفوس السوريين خوفاً رهيباً وورثها لابنه بشار. وكلاهما مارس أعمال قتل جماعية بحق السوريين في ظل صمت رهيب من المجتمع الدولي. وتكررت الفاجعة بإجرام ابنه بشار، على الرغم من أنه طبيب، حيث مارس العنف كثقافة، كأسلوب، كتربية. وأيضاً كان بشار، كأبيه، يحتفل بالقتل الجماعي بحق شعبه ويعتبره انتصاراً.

العاشر من حزيران 2000، ذلك اليوم الذي لم ينسَه السوريون، وفاة حافظ الأسد الطاغية الديكتاتور الذي حكم سوريا بالحديد والنار والقتل والقبضة الحديدية. فالطغاة والمجرمون، منهم من يحاكمهم الشعب، ومنهم من يحاكم دولياً، ومنهم من يكمل حياته من دون عقاب، لكن حكم رب العالمين أشد وأقوى من كل محاكمة.