"49 تسعاو أربعين".. من أعناق الإخوان لأعناق الثوار

2021.01.15 | 00:20 دمشق

dnodmk4xsaa8fyn.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم يقم حافظ الأسد بتشريع قانون "49 تسعاو أربعين" القاضي بإعدام الإخوان المسلمين فجأةً، إلا بعد أن نفذه تكتيكياً وعملياتياً والوصول لترسيخه استراتيجياً، فبدأ منذ بداية السبعينيات بشيطنة الجماعة مستخدماً لذلك كل وسيلة من أوراق البوليس الملفقة أو استغلال الاندفاعات والتخبط في صفوف الجماعة أو أي رصدٍ لخطابٍ طائفي ولو كان ضمن ظروف الاستدراج، حتى نفّذ وشقيقه المجرم رفعت وسرايا عدوانه مذابح حلب وحماه وتدمر، دون اقتصار على أفراد الجماعة بل حتى على من حمل لهم ماءً أو أجلسهم على مائدة أو لهج لهم بدعاء، ثم لف على رقابهم حبل (49) بإعدام كل من ينتمي بكافة صيغ الانتماء لهذه الجماعة ولو على مستوى اقتناء جريدة النذير.

تاريخ رفعت وحافظ وسليلهم بشار في الإجرام معروف ولا زيادة مستطاعة في حروف اللغة تسع باطلهم وتوصف جريمتهم.

تكمن الخطورة في استنساخ هذه الجريمة المستدامة ونسج حبال "التسعاوأربعين" من جديد وتوسيع الرقاب المستهدفة والأعناق المشنوقة

تكمن الخطورة في استنساخ هذه الجريمة المستدامة ونسج حبال "التسعاوأربعين" من جديد وتوسيع الرقاب المستهدفة والأعناق المشنوقة. وأرمي بكلامي هذا إلى تلك الحمى السارية والوشاية النافذة التي لا تكاد تفارق الأسماع ولا تحيد من أمام الأبصار، تتلوها قنوات الفضاء ومواقع التواصل وألسنة الإعلاميين وورشات العمل ومراكز الدراسة عن "أخونة الربيع العربي" و"أخونة الثورة السورية" و"أسلمة الحراك" سياسياً فالإغاثة إخوان والبندقية إخوان والائتلاف إخوان، والمقاتل إخوان والسياسي إخوان، حتى حسبت العادات والتقاليد والعبادات على الثائرين فكل شيءٍ يفعلونه فإنما يفعلونه لأنه "إخوان مسلمون"، حتى وصل الأمر أنّه لو كبّر أحد الثائرين عند المعمعة، أو أطال لحيته، أو كانت زوجته -بحكم الثقافة- محجّبة، أو عُثر في بيته على زجاجة بيرة خالية من الكحول، أو اقتنى أسطوانة موسيقية لمطرب شعبي كلاسيكي، أو كتب على دكّانه هذا من فضل ربّي.. سيقال هؤلاء هم الإسلام السياسي الذي يجب أن تُعقَد ضدَّه الأحلاف وتقوم ضدَّهم عملية العزم الصلب أو عاصفة الصحراء، من أجل المظهر والملبس والعادات والتقاليد يُنَمَّط الثائرون على أنّهم "إسلام سياسي" مرتبط بمشروع عالمي، وأنّ الثورة المضادّة محقّةٌ في سحقه.

وبهذا استطاع حافظ الأسد أن يمد حبال المشانق على المستوى الاستراتيجي ليحمي بها جدر الاستبداد والطائفية، ولكن ليس بمحاكم أمن الدولة فقط، بل بأيدي الثائرين والمعارضين أنفسهم، عندما سبحوا مع الروايات المضللة التي أطلقتها أبواق الثورات المضادة التي خشيت على استقرار عروشها فوق صدور الملايين وخشيت من مطالب الحقوق وتكافؤ الفرص واستحقاق المشاركة السياسية.

الإخوان المسلون ليسوا عباقرة وليسوا شياطين، ليسوا خطراً وليسوا مهدياً منتظراً، هم مواطنون عاديون لهم نظرتهم وبرامجهم وتأثيرهم، يحسن منها ولا يحسن ويؤخذ منها ويرد، وهم على عكس ما تصورهم الثورة المضادة التي أطلقها النظام العربي البائس، بأنهم من القوة والذكاء والتأثير بمكان يستلزم إنتاج الحفاتير وعقد الأحلاف ونصب المشانق، هم على غير هذا تماماً فهم من الضعف الذاتي والموضوعي أنهم أقل الأحزاب في المـئة عامٍ الماضية حكمأ وسلطةً ونفوذاً.

الإخوان المسلون ليسوا عباقرة وليسوا شياطين، ليسوا خطراً وليسوا مهدياً منتظراً، هم مواطنون عاديون لهم نظرتهم وبرامجهم وتأثيرهم، يحسن منها ولا يحسن ويؤخذ منها ويرد

لقد عجز النظام العربي البائس عن مواجهة الربيع المتوقد فهرب من أمامه بالطائرة في تونس وقتل في قنوات الصرف في ليبيا واغتيل فرق عملةٍ في صنعاء وتنحى غصباً في القاهرة، ولولا إنقاذه من الصقور الدوليين وعملائهم الخمينيين لتهاوى في سوريا صريعاً في ساحة الأمويين.

وما كان من هذا النظام البائس إلا أن أطلق تعريفته الأمنية أن كل ثائرٍ إخوان مسلمون، لاحل له إلا "بتسعٍ وأربعين" جديد يلف أعناق الثوار كما شنق أعضاء الإخوان.

فهل سيرضى أبناء الربيع بتصديق رواية الكذبة وهل سيأخذون المصاديق عن مصنعي الزور وكهنة الزيف، أم سيعلنون تحررهم من خريـطته إلى خريـطتهم، ويوحدون بوصلتهم نحو العدو الحقيقي والوحش الطائفي ونظام الاستخذاء والعمالة؟

هذا ما ينبغي أن يرفع له لواء الخطر ويدق له جرس الإنذار، من قومٍ اكتووا بنار الاستبداد ونظم الفساد ولدغوا بثعابين الطائفية والعمالة، ولم يك يوماً من وراء حملات الغدر هذه إخوان ولا إسلام، بل جواسيس العدو ومطايا الاستعمار المتشبث بقمع الملايين ... التي خرج الربيع ليمثل مصالحها.