أسئلة السوريين.. بين وهم التطبيع وحقيقة الثورة

2023.03.15 | 06:25 دمشق

أسئلة السوريين.. بين وهم التطبيع وحقيقة الثورة
+A
حجم الخط
-A

مع حلول الذكرى الثانية عشرة لثورة السوريين على منظومة إجرامية، وبعد سنين من مواجع لا يحتملها إلا الجبابرة، وبعد حَدَث طبيعي كارثي فاقم تلك المواجع؛ تتعافر جهود لإعادة تكرير الإجرام، والتطبيع معه. هناك أسئلة للمطبِعين المطبَعين تدور في أذهان السوريين: {مع مَن تطبعون؟}، {لماذا تطبعون؟}، {ما مآلات ما تفعلون؟}، {ماذا نحن فاعلون؟}

مع مَن تطبعون؟

إنكم تطبعون مع من قتل الحياة السياسية في سوريا؛ مَن لم يحتمل رأياً آخر؛ مَن اعتقل مئات الآلاف وقتل الآلاف تحت التعذيب؛ مَن استخدم الطائرات والصواريخ والبراميل المتفجرة لتدمير الحواضر السورية وإفناء ساكنيها؛ مَن استخدم حتى السلاح الكيماوي ضد السوريين؛ مَن شرّد أكثر من نصف سكان سوريا؛ مَن استدعى الميليشيات والاحتلال؛ مَن رهن سوريا وخيراتها ومقدراتها لعقود للمحتل؛ مَن يرضخ لكل إملاء خارجي، ولا يسمح بكلمة للسوريين؛ مَن أفقر وأذل وأهان، حتى الذين وقفوا معه في جريمته؛ مع مَن كانت فرحته لا تُوصف بالزلزال الذي ضرب سوريا، كي يغطّي به بعضاً من التدمير الذي خلّفته آلته الحربية، وكي ينهب ما أتى من مساعدات، والأهم، كي يركب كارثة الزلزال ويطوي صفحات ما حدث. وكل ما ذُكِر أعلاه موثق وحتى مشهود.

لماذا تطبعون؟

لا تغيب عن أحد ذرائعكم وحججكم الظاهرة: - جمود القضية السورية، - عدم تطبيق القرارات الدولية، - الإهمال الأميركي، - ارتهان مجلس الأمن لموسكو، - الوضع المتردي للسوريين حياتياً، - منع إيران من ابتلاع سوريا. وهناك بالتأكيد الأسباب الخفيّة، وعلى رأسها محاولات الظهور، ونكاية بعضكم ببعض، والمطامع المادية عند البعض، حيث مليارات آل الأسد بحوزتهم. ويبقى الأهم من كل ذلك خدمة إسرائيل؛ فبعض الدول العربيّة التي طبّعت مع إسرائيل بحاجة إلى غطاء “ممانع”، ووجدت في ضعف بشّار الأسد ضالتها. من جانب آخر بعضكم يريد وضع خاتمة للمسرحية التي قدمتموها لـ"شعوبكم" كدرس في مصير مَن يعصى أو يثور على حاكمه. وتريدون الخاتمة أن تكون: في النهاية، وبعد كل ما يحدث، يعود الحاكم معززاً مكرماً إلى الساحة العربية والدولية ناصع الصفحة، وكأن شيئًا لم يكن.

مآلات خطواتكم؟

إذا كان استهداف الوجود أو الهيمنة الإيرانية على سوريا ذريعة استراتيجية لخطوات التطبيع؛ فالمآل سيكون عكس ما يتطلّع إليه المتحمسون؛ فإيران تعلن الترحيب بالتقارب والتطبيع. فعندما أعدتم العراق إلى الجامعة العربية لم تُخرجوا إيران منها؛ وما أثّر اقترابكم من لبنان على سيطرة ميليشياتها على لبنان. وفي الحالة السورية، ستجدون خطوتكم تخفّف على إيران المصاريف، فما تدفعون لجيب منظومة الاستبداد بحجة الزلزال يذهب آلياً لجيوب الملالي. والأخطر مؤخراً، هل سيعيد الاتفاق السعودي- الإيراني تلك العواصم العربية إلى العروبة، أم سيحشرها أكثر في القبر الإيراني؟!

وفي الاتفاق الأخير أيضاً، والذي يتبادر لأي عربي أن يباركه، عندما ينص على {عدم جواز التدخل في شؤون الدول الأُخرى} هل ستتوقف إيران عن التغيير الديمغرافي في سوريا، أو دعم نظام الاستبداد بميليشيات القتل والتدمير؟ وهل تُخرج أو أخرجت قواعدها العسكرية من سوريا وغيرها؟  وهل تتوقف عن الأخذ من سوريا قاعدة لتصنيع وتوريد المخدرات باتجاهكم؟! وفي هذا السياق، إذا كانت منظومة الاستبداد الأسدية ونظام الملالي في طهران كالتوأم السيامي؛ أليس التطبيع مع إيران تطبيعاً مع هذه المنظومة الأسدية؟!

واضح أن أهم مآلات ما أنتم فاعلون يتمثّل بقلب الصفحة. ومسح جرائم نظام الاستبداد، وقفل باب الخلاص أمام المواطنين السوريين، وقبول التدخل الروسي والتدخل الإيراني، وشرعنتهما، وتسويق ما حصل عليه البَلَدان من امتيازات في الأرض السورية، واستمرار المأساة وتعميمها إقليمياً. إنها الخطيئة الكبرى التي قد تدفع فيها المنطقة أثماناً باهظة لم يجر حسابها من أي طرف! هل ستنجحون؟ ربما؛ لكن، هل سألتم عن المصير؟!

ماذا نحن فاعلون؟

بناء على حال السوريين هذا، قد يصعب عليكم تصوّر ما يمكن أن يفعلوه. صحيح أن فيهم من النبل والأخلاق الرفيعة ما يجعلهم يترفعون عن أي أمر يشبه أفعال منظومة الاستبداد التي تعاضدون؛ إلا أنهم في النهاية ككل البشر. فما المُتَوَقَّع ممن فقد وطناً، أو مِن ذاك الذي يوجد في الجغرافيا السورية، ولكن لم يعد يشعر بأنها وطن. ومعروف أنه عندما يفقد المرء وطنه الخاص، يفقد وطن الآخر معناه أيضا؟

الويلات التي شهدها السوري بكل أصنافه ستجد ترجماتها مسلكيا بطريقة ما. لقد أخذته أنظمتكم نموذجاً لتأديب شعوبها؛ والكل يساوم ويصافح ويحقق مصالحه على حسابه؛ حتى الأمم المتحدة خذلته. الكل، باستثناءات بسيطة، أجرم بحقه؛ ولم يبق لديه ما يخسره. إن لم يكن هناك إنصاف وعدالة؛ فلن يكون هناك حلٌ، ولن تكون هناك راحة لأحد.

الذكرى الثانية عشرة لثورة السوريين تحل هذه الأيام؛ وليعلم الجميع أن الثورة السورية شعلة لا تنطفئ. ومَن يظن أن القصة "معارضة" مغلوب على أمرها، إقصائية، ركيكة، مسلوبة الإرادة؛ فهو واهم. إنها الثورة التي ما كان أحدٌ ليتوقعها. إنها الطلقة التي لا تعود. إنها دعوة المظلوم، التي لا بد تصيب. إنها صوت وفكر وفعل الخروج إلى الحرية. إنها فعل التغيير، الذي وإن طال، قادمٌ حتماً.

سوريا المغصوبة الذليلة الموجوعة المريضة المستعبَدَة ذهبت إلى غير رجعة؛ وذاك الذي يأخذها رهينة، من جحر المهاجرين للخيانة والعمالة، إلى زوال؛ ومن يحميه إلى خزي وعار وجلاء. حركة مقاومة مدنية قادمة بفكر وتخطيط وعمل؛ فلا يتوهمنَّ أحدٌ بأن حق السوريين يضيع.