icon
التغطية الحية

كيف يعيش موظف القطاع العام في سوريا بـ 100 ألف ليرة؟

2022.08.30 | 06:58 دمشق

ءء
دمشق - خاص
+A
حجم الخط
-A

براتب قد لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية، لا يزال موظفو القطاع العام يتوجهون إلى مقار عملهم يومياً، رغم أن الراتب لا يغطي ثمن فنجان القهوة الصباحي مع المواصلات لو دفعت من جيبهم الخاص.

وأكد جميع من التقاهم موقع تلفزيون سوريا أنهم ينفقون أكثر من الراتب على الوظيفة، "كثمن دخان وفطور يومي ومتة"، ولذلك من المستحيل أن يعتمد الموظف الحكومي على راتبه.

مدخول الرشاوى 10 أضعاف الراتب

لا يخفي فراس (اسم مستعار) وهو موظف في دائرة الهجرة والجوازات بدمشق، السبب الحقيقي وراء ذهابه إلى العمل يومياً، فالغاية ليست الراتب الشهري، بل يذهب من أجل "البراني"، ويقصد به المبلغ الذي يحصل عليه لقاء تمرير دور شخص قبل آخر، أو تسريع معاملته، أو تسهيل بعض الإجراءات له، وهو يرى أن هذه الأعمال غير مطلوبة منه في منصبه الوظيفي.

فراس يرفض وصف "البراني" بـ "الرشوة"، ويؤكد أنه يعتمد عليه في معيشته ولولاه لمات من الجوع مع طفليه الاثنين على حد وصفه، وقال: "يتراوح مدخولي اليومي البراني بين 50 – 70 ألف ليرة، أي ما بين مليون ومئة ألف ومليون وسبعمئة ألف شهرياً"، وهذا ما عدا الهدايا التي يحصل عليها أحياناً لقاء الخدمات "المحرزة" على حد تعبيره.

كثير من الموظفين الحكوميين يعتمدون على الرشاوى تحت مسميات مختلفة (إكرامية، حق فنجان قهوة، حلوان.. إلخ)، ولكل موظف يتطلب عمله توقيعاً أو ختماً أو تمرير معاملة لا يمكن أن تنجز من دونه، تسعيرة، وهذا ما أكده أحد المراجعين في فرع مرور دمشق، مشيراً إلى أن الموظفين يطلبون مبلغاً من المال لقاء أي خدمة يقدمونها، وقال "لا تقل الإكرامية عن 1000 ليرة، وتزيد تبعاً للخدمة التي سيقدمها الموظف، حتى إن كانت إجراء طبيعياً، أو تجاوزاً للقانون كتخفيض مخالفة وتجنب حذف نقاط".

ويشير أحد الموظفين في فرع المرور، إلى أنه لا يعتمد على المال المباشر من أي مراجع، بل يتعاقد مع معقبي المعاملات لتسيير المعاملات من دون وجود صاحب العلاقة، ويأخذ مبالغ عنها تبعاً للخدمة، من دون أن يحتك بشكل مباشر مع المواطنين، ويرى بذلك أسلوباً غير مشبوه كون صاحب المعاملة دفع للمعقب برضاه، والمعقب أخبر المواطن بأن إنجاز معاملته من دون حضوره وبسرعة يتطلب دفع المال.

ليس في فرع المرور فقط، بل في فروع شركات الاتصالات أيضاً، حيث يتطلب تأمين خط هاتف أو بوابة إنترنت دفع رشاوى تتجاوز الـ 50 ألف ليرة تبعاً لشح البوابات في المنطقة، يتقاسمها القائمون على المعاملة، وقد يتبع هذه الرشوة نثريات أخرى لموظفين يمررون المعاملة بحجة "الحلوان".

عمل جانبي

أغلب الموظفين الحكوميين الذين تسمح لهم مناصبهم بتقاضي المال مقابل الخدمة أو تأمين وساطة، يقومون بذلك نتيجة تدني مستوى المعيشة وانخفاض الأجور، لكن لا يعتمد جميع الموظفين الحكوميين على الرشاوى فأغلبهم يعملون عملاً إضافياً بعد الدوام مساءً ولا يزال هناك من يصف "البراني" بأنها "مال حرام".

العمل الإضافي ليس بالضرورة أن يكون بعد انتهاء الدوام الرسمي للوظيفة الحكومية، ففي مرائب الدوائر الحكومية، وأمام بعض المؤسسات، يقوم الحراس بتأمين المصفات لأصحاب السيارات خلال الدوام الرسمي باتفاق مع شرطي المرور الموجود في المنطقة الذي لا يمانع من ركن السيارة كـــ رتل ثاني، وأجرة ركن السيارة تعتمد مبدأ "شو بيطلع من خاطرك" لكن أقل أجرة تبدأ من 500 ليرة سورية، وفي آخر اليوم يتقاسم الشرطي والحارس "الغلة"، ويعتبرها المراجعون خدمة جيدة ومفيدة.

عملان في مكتب واحد

 كان من الصعب جداً إجراء لقاءات حتى لو بأسماء مستعارة عن الأسلوب الذي يتعبه الموظفون ليبقوا قادرين على تأمين متطلبات المعيشة، لكن من الأساليب التي رصدها الموقع، هي بيع بعض السلع ضمن الدوام الرسمي للمراجعين أو باقي الموظفين، ومنهم من جعل مكتبه مكتباً لأي نوع من أنواع السمسرة (عقارات - سيارات.. إلخ).

ورصد الموقع أيضاً، ذهاب بعض الموظفين إلى الدائرة التي يعملون بها لتسجيل الدخول فقط، ثم الخروج للعمل في وظيفة أخرى أو عمل حر، كوضع بسطة دخان أمام المؤسسة أو العمل ضمن مطعم قريب وما شابه للرجوع إلى الدوام بسرعة في حال استجد أي طارئ، وأغلب هؤلاء لا يستطعيون تأمين "براني" عبر بقائهم في الدوام، ووجودهم غير ضروري، لذلك قاموا بتأمين عمل إضافي.

يتهم الموظفون غالباً لجان المشتريات وأمناء المستودعات وسائقي السيارات الحكومية وموظفي المحافظة والبلديات بأنهم "لصوص"، لكونهم قادرين على السرقة من المال العام أو تجاوز القانون ببناء المخالفات من دون اللجوء إلى أي تماس مباشر مع المواطنين، لكنَّ المذكورين مجبرون على تقاسم الأرباح مع من هم أرفع منهم في المناصب.

ويتهمون أيضاً أصحاب المناصب الرفيعة بجميع مؤسسات ووزارات الحكومة بأنهم يتقاضون ملايين الليرات يومياً لقاء تجاوزات قانونية، بينما يبررون حصولهم على ما يكفي قوت يومهم برضى المراجعين.

أحد المراجعين في مؤسسة النقل، أكد لموقع تلفزيون سوريا، أن الموظفين "يسرقون المراجعين، لكن المراجعين أيضاً يسرقون الموظفين في أي خدمة يقدمونها لهم فإن كان المراجع تاجراً أو طبيباً، فسيرفع تسعيرته نتيجة كثرة النفقات التي يدفعها يومياً وليحاول البقاء بأمان في مواجهة التضخم، وبالتالي الجميع يسرق من الجميع".

ويجب التذكير بأن قسماً كبيراً من السوريين من بينهم الموظفين الحكوميين، يعيشون على الحوالات المالية القادمة من ذويهم المغتربين في دول اللجوء والاغتراب، في حين تبقى الوظيفة بالنسبة لهؤلاء مجرد نمط حياة، وأملاً بالتقاعد وراتبه.

وأصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مؤخراً، مرسوماً بصرف منحة مالية لمرة واحدة بمبلغ مقطوع قدره 100 ألف ليرة سورية لجميع العاملين والمتقاعدين في الدولة، على أن تكون معفاة من ضريبة دخل الرواتب والأجور وأية اقتطاعات أخرى.