icon
التغطية الحية

الصحة تاج على رؤوس الأغنياء في سوريا ومشافي الدولة تعود إلى الواجهة

2022.04.18 | 06:10 دمشق

mshfy_dmshq.jpg
مشفى في العاصمة السورية دمشق ـ رويترز
اللاذقية ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

"لم تعد العبارة القائلة (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى) ملائمة لـ تقال في سوريا التي يرزح أكثر من 80 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، لكنها باتت تلائم ميسوري الحال والأغنياء، أما الفقير عليه السلام"، يقول أحد الأطباء في العاصمة دمشق لموقع تلفزيون سوريا.

وفي ظل شح للموارد المالية وارتفاع أسعار الأدوية ومعاينات الأطباء، أصبح زيارات الأطباء كارثة حقيقية، وبات الناس يتجنبون زيارة الطبيب إلا للضرورة القصوى؛ فالزيارات الروتينية للاطمئنان على الصحة باتت رفاهية بالنسبة للسوريين، الذين حاولوا إلغاءها أو الاستعاضة عنها بزيارة عيادات مشافي القطاع العام التي تتقاضى أجوراً بسيطة.

الفقر سبب للأمراض

"نلجأ لعادات جدودنا لعلاج الأمراض ونزور الطبيب في الحالات القصوى"، هذا ما تقوله أم علي، سيدة أربعينية ووالدة لثلاثة أطفال في عمر المدرسة، تخشى أم علي كلما بدأ فصل الشتاء من إصابة أولادها بالرشح أو التهابات البلعوم واللِوز لأنها غير قادرة مادياً على علاج أبنائها عند طبيب خاص، وإن استطاعات معاينتهم عند طبيب فلن تقدر تحمل تكلفة الأدوية التي سيصفها الطبيب لهم.

فمثلاً منذ بداية الشتاء تسقي أولادها يومياً الزهورات الساخنة والزعتر لتقيهم من السعال والتهاب الحلق، وتحاول تدفئتهم بكثير من الملابس، تعرف أم علي أن هذه الطرق استخدمها أجدادنا سابقاً وليست ذي نفع اليوم كما السابق ولكنها لن تغامر بخسارة أحد أبنائها نتيجة فقر الحال.

اليوم سوريا ترزح بمعظمها حقيقة تحت خط الفقر، ويعيش أكثر من ثلثي السكان من دون أدنى مقومات الحياة، وهو ما ينعكس سلباً على الوضع الصحي. ففي فصل الشتاء مثلاً تنتشر الأوبئة التنفسية، وبسبب شح الكهرباء وعدم توافر المشتقات النفطية اللازمة للتدفئة فإن هذا يخلق جواً ملائماً لانتشار الأمراض.

فبحسب الطبيب "رامز"، فإن إسعاف مشافي الدولة يكتظ بالمرضى منذ بداية فصل الخريف وأغلب المرضى يراجعون بسبب مشاكل تنفسية. "أغلب شكايات الأطفال تكون تنفسية ويحتاجون لجلسات إرذاذ ضمن المشافي لتحسين تنفسهم، وأحياناً يكون سبب الضائقة التنفسية ليس بسبب مرض بحد ذاته بقدر ماهو نتيجةً لاستنشاق الأطفال للدخان الناجم عن حرق الأخشاب".

ويضيف الاختصاصي في أمراض الأطفال بعد استحالة تأمين المازوت أو الغاز للتدفئة يلجأ كثير من السكان لإشعال الفحم أو الخشب واعتماده للتدفئة وهو ما يخلف نتائج كارثية على الطرق التنفسية.

معاناة د.رامز وغيره من أطباء الأطفال تكمن في تعنيد الأمراض أو صعوبة علاجها، فبعض الأهالي غير قادرين على شراء أدوية لعلاج أنفسهم أو أبنائهم، وفي حال استطاعوا شراء الأدوية فلا يلتزمون بمدة العلاج لصعوبة شراء الدواء مرة ثانية. "نعطي المريض صاداً حيوياً لمدة أسبوع فيشتري المريض عبوة ولا يشتري الأخرى، فأرخص صاد يحوي لا يقل سعره اليوم عن 5000  ليرة سورية".

مشافٍ من دون أدوية

لا يقتصر الوضع الصحي السيء على السوريين في منازلهم، بل إن المشافي تلحق بالركب أيضاً،  فمعاناة المرضى الدائمة عند دخولهم لمشافي الدولة هو في عدم توفر أدوية للعلاج، واضطرارهم لشرائها من خارج المشفى بشكل شبه دائم، هذا عدا عن عدم توافر التحاليل المطلوبة والاستقصاءات الشعاعية اللازمة لدراسة الحالات المرضية، مايجعل علاج المريض ناقصاً وغير كامل. 

"ممدوح" رجل خمسيني احتاج منذ فترة لدخول المستشفى بشكل إسعافي نتيجة رض على رأسه، واحتاج لإجراء تصوير طبقي محوري، ولم يتوفر ضمن هذا المشفى تصوير بسبب تعطل الجهاز فكان أمام الأهل خياران إما تصويره في مركز خاص ودفع مبلغ كبير أو محاولة إجراء التصوير في أي مشفى آخر. "علمنا لاحقاً من التمريض ضمن المشفى أن جهاز تصوير الطبقي المحوري عاطل منذ زمن ولا يتم إصلاحه بحجة عدم وجود ميزانية للإصلاح ولكن الحقيقة الجهاز معطل من قبل أطباء الأشعة لضمان واستمرارية عمل مراكزهم الخاصة" يضيف ممدوح.

الأمر لم يقف عند التصوير، بل إن أغلب الأدوية غير متوفرة، واضطر أهل ممدوح لشرائها على نفقتهم الخاصة من صيدليات خارج المشفى، إضافة للتحاليل الغير متوفرة ضمن المشفى والحجة عدم توفر كواشف لأجهزة التحاليل وصعوبة تأمينها في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا.

يقول الدكتور (لؤي) مقيم لاختصاص الداخلية العامة والعامل في أحد مشافي القطاع العام، أن المشكلة تكمن في صعوبة العمل في مثل هذه الظروف المحيطة، أحياناً كثير من الأمراض لا يستطيع الأطباء علاجها لقلة التحاليل المتوفرة في مشافي الدولة وحتى غلاء ثمنها في حال توفرت في المخابر الخاصة، والمشكلة الأخرى هي حقيقة مشكلة توافر الأدوية.

مشافي الدولة تعود للصدارة! 

مرت فترة في سوريا لا يقصد فيها السوريون مشافي الدولة إلا في حالات نادرة، وأغلبهم يقصدون المشافي الخاصة، أما اليوم فيضطر معظم السوريين لدخول مشافي الدولة وذلك لضيق الحال، وإن لم يكن السبب ضيق الحال فلتوفير بعض النقود التي قد يتكلفون بها خارج مشافي القطاع العام.

(كريمة)، سيدة في أواخر الأربعينات، أصيبت بفيروس كورونا واضطرت للمكوث في أحد مشافي القطاع العام في قسم العزل حتى شفائها التام من المرض، رغم درايتها أنها ستضطر لشراء معظم الأدوية إلا أنها ألحت على زوجها أن يحاول بشتى الوسائل أن يحجز لها سريراً في مشفى الدولة. "في مشفى الدولة اليوم ورغم الكثير من مساوئه إلا أنك قادر على الحصول على رعاية جيدة ببعض الرشاوي للتمريض ولعمال النظافة، ولو اشتريت أدويتك كلها من خارج المشفى إلا أنك توفر أجرة إقامتك فينا لو دخلت إلى مشفى خاص" تقول كريمة. 

فتكلفة اليوم الواحد في المشفى الخاص وصلت لما يزيد عن مئتا ألف ليرة سورية وأحيانا لفوق 500 ألف وذلك حسب حاجة المريض للأدوية واستشارات الأطباء. فباتت بذلك مشافي الدولة الملاذ الآمن للطبقات المتوسطة والفقيرة في سوريا.

والأمر وصل لغرف العمليات الجراحية، فأصبح المرضى يفضلون إجراء العميات داخل مشافي الدولة، ففي مشافي الدولة يدفعون أجرة بسيطة ويدفعون للجراح أجرته بنسبة أقل من أجرته في مشفى خاص وبذلك يوفرون على أنفسهم مبالغ كبيرة. وفي بعض الأحيان يضطر المرضى لشراء أدوية التخدير لانقطاعها من المشافي وهذا ما تعاني منه مشافي القطاع العام في سوريا كلها ومع ذلك تبقى تكلفة العملية مهما كانت في مشفى القطاع العام أوفر بكثير من المشفى الخاص.

يقول الدكتور "مازن" مقيم في اختصاص الجراحة، أن الجراح يعرض على المريض خيارين إما مشفى الدولة وعليهم أن يدفعوا أجرته في عيادته الخاصة بعد الاتفاق عليها ويخبرهم أنهم قد يضطرون لشراء أدوية التخدير أو في مستشفى الخاص والتكلفة قد تكون مضاعفة أربع وخمس مرات.

وفي الوقت ذاته يؤكد الدكتور مازن أن كثيراً من العمليات الدقيقة والضخمة يفضل الجراحون إجراءها في مشافي الدولة، وذلك لتوافر طاقم طبي أغلبهم مقيمون للاختصاص أو ممرضون متدربون وهؤلاء يكدون بالعمل بكل جد وصدق، والسبب الآخر أن أدوات الجراحة في مشافي الدولة رغم قدمها تبقى أفضل من أدوات مشافي الخاصة، والسبب الأهم هو أن المريض في مشفى الدولة تتم متابعته من قبل أطباء أما في المشافي الخاصة فيتابعه ممرضون رغم خبرتهم العملية لكنهم غير قادرسين على تدبير أي اختلاط يتعرض له المريض.