icon
التغطية الحية

الضربات الإسرائيلية في سوريا على محك الاختبار الأوكراني

2022.02.12 | 05:28 دمشق

5555.jpg
بوتين وبينيت وبوادر تصدع التنسيق الروسي الإسرائيلية على خلفية الأزمة الأوكرانية (تعديل تلفزيون سوريا)
 تلفزيون سوريا ـ خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

يواجه التنسيق الإسرائيلي الروسي في الملف السوري تصدعات في الأسابيع الأخيرة، على وقع ارتدادات الأزمة الأوكرانية، التي تجد إسرائيل نفسها في موقف حرج بين تأييد الغزو الروسي المحتمل لحدود أوروبا الشرقية وبين الوقوف مع حلفائها في الغرب ضد بوتين الذي منحها صلاحيات واسعة لمواجهة الوجود الإيراني في سوريا.

تلقي الأزمة الأوكرانية المشتعلة بين روسيا والغرب بظلالها على الضربات الإسرائيلية في سوريا، وتضع تل أبيب أمام اختبار الحفاظ على التنسيق العالي مع الروس لضمان حرية النشاط العسكري في سوريا، وبين مطالبات الغرب لإسرائيل، المحسوبة على المعسكر الغربي، باتخاذ موقف واضح من غزو روسي محتمل لأوكرانيا.

إسرائيل.. والاختبار الأوكراني

من جهة، تضغط موسكو على تل أبيب، وقد ظهرت في الأسابيع الأخيرة مؤشرات على بوادر خلاف روسي إسرائيلي، تمثل في نبرة موسكو الحادة واعتراضها "غير المسبوق" على الضربات الإسرائيلية في سوريا، بعدما كانت تمنحها الغطاء الكامل وحرية الحركة، إضافة إلى إجراء الطيارين الروس مناورات جوية مشتركة مع طياري نظام الأسد في سماء الجولان بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

في محاولة من موسكو لإرسال رسائل إلى الغرب بأن هناك "ساحة أخرى نشطة"، شرق المتوسط، يمكن أن تغير فيها الترتيبات لصالح الورقة الأوكرانية.

ومن جهة أخرى، إسرائيل في مأزق سياسي وموضع اتهام لأن صمتها وعدم توضيح موقفها من الأزمة الأوكرانية يعتبر تغريدا خارج سرب الغرب، تمثل بالهجوم الحاد الذي شنه السفير الأوكراني لدى تل أبيب، يفغين كورنيتشوك، على الموقف الإسرائيلي الرسمي "المتخاذل" إزاء ما تشهده بلاده.

ظهور بوادر تصدع في التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا على خلفية الأزمة الأوكرانية

 

هجوم كورنيتشوك على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، واعتراضه على وصف الأخير لما يحدث بين موسكو وكييف صراعاً وليس غزواً وعنجهية روسية، اضطر الخارجية الإسرائيلية لاستدعائه وتوبيخه.

كما طالبت ليتوانيا، وهي إحدى جمهوريات البلطيق، إسرائيل باتخاذ موقف قوي ضد "العدوان" الروسي على حليفتها أوكرانيا وإظهار تضامن مع الديمقراطيات.

جاء ذلك على لسان رئيسة البرلمان الليتواني، فيكتوريا أوميليتو نيلسن، التي زارت إسرائيل هذا الأسبوع، ووصفت تهديدات بوتين بأنها تجاوز لـ "الخط الأحمر" و "تنمر روسي" يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي.

ويأتي التشكيك الليتواني بموقف تل أبيب في ظل تقارير تحدثت عن منع إسرائيل دول البلطيق من إرسال أسلحة إسرائيلية الصنع إلى أوكرانيا، وكان من مهام زيارة نيلسن استيضاح هذا الموضوع مع الجانب الإسرائيلي، الذي نفى صحة التقارير ووصفها بـ "الكاذبة".

يشار إلى أن ليتوانيا وأوكرانيا، وكذلك روسيا، تشكل بالنسبة لإسرائيل ثقلاً يهودياً لما فيها من جاليات يهودية تعتبر خزانا لليهود "الأشكنازيم" (اليهود الغربيين).

كما أن ليتوانيا تخشى أيضاً من التمدد الروسي إلى حدودها التي تفصلها عن أوكرانيا جمهورية بيلاروسيا، أو روسيا البيضاء،  حلفية موسكو وحديقتها الخلفية.

 

روسيا تطلب وقف الضربات الإسرائيلية

للمرة الأولى تطلب موسكو من إسرائيل وقف هجماتها في سوريا، وأعربت الخارجية الروسية على لسان المتحدثة باسمها، ماريا زاخاروفا، عن "قلقها البالغ" من استمرار الضربات في سوريا، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي المزدوج على محيط دمشق قبل ثلاثة أيام.

وقالت زاخاروفا إن روسيا "تعارض بحزم وشدة تحول سوريا إلى ساحة مواجهة مسلحة بين دول ثالثة"، مطالبة الجانب الإسرائيلي بـ "الامتناع عن مثل هذه الأعمال العنيفة"، بحسب وكالة "تاس" الروسية.

 

الاعتراض الروسي على الضربات الإسرائيلية هو لدفع إسرائيل إلى الضغط على الولايات المتحدة في ملف أوكرانيا، لإبداء مواقف أكثر مرونة.

ضربة مزدوجة من نوع مختلف

كان من اللافت في الضربة الإسرائيلية الأخيرة على مدينة قدسيا، شمال غربي دمشق، الأربعاء الماضي، بأنها جاءت رداً على إطلاق صاروخ مضاد للطيران أطلق من سوريا وانفجر في الأجواء الفلسطينية المحتلة، فوق أم الفحم، بحسب بيان للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.

ولكن من غير المؤكد هل سبق الغارة إطلاق الصاروخ، وهل يعتبر مبادرة "غير مسبوقة" من قوات النظام أم أنه استفزازٌ روسي لإسرائيل؟ وذلك خلافاً لكل الضربات السابقة التي تبادر بها المقاتلات الحربية الإسرائيلية بضرب أهدافها داخل سوريا وفي بعض المرات يعقبها انفجار صاروخ مضاد للطيران باتجاه إسرائيل، يكون ضل طريقة على الأرجح.

 

وكانت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري "سانا"، أعلنت فجر الأربعاء مقتل جندي وإصابة خمسة آخرين خلال هجوم إسرائيلي مزدوج على مدينة قدسيا شمال غربي دمشق.

وقالت "سانا" إنه في الساعة 00:56 من بعد منتصف ليل الثلاثاء-الأربعاء نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدواناً جوياً من أجواء جنوب شرقي بيروت وبعد دقائق نفذت المدفعية الإسرائيلية هجوماً صاروخياً بإطلاق صواريخ أرض-أرض استهدفت المنطقة ذاتها.

وكالعادة، دأبت قاعدة حميميم، منذ تموز/يوليو الماضي، على التعليق على معظم الضربات الإسرائيلية معلنة وقوعها ومبرزة بتفاخر قدرة المضادات الجوية، روسية الصنع، التي يملكها نظام الأسد بالتصدي للصواريخ المُغيرة، لكن هذه الضربة الأخيرة لم تستدع إعلاناً من موسكو فقط بل تنديداً حاداً "غير مسبوق".

 

روسيا تندد وإسرائيل تشتكي

سبق تنديد زاخاروفا تنديد روسي آخر على لسان سفير بلادها في دمشق، ألكسندر يفيموف، الذي قال إن "الضربات الإسرائيلية على سوريا غير قانونية من وجهة نظر القانون الدولي، مشيراً إلى أنها "تعقد الوضع في المنطقة ككل".

وفي حوار مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، أكد السفير الروسي أن بلاده "تدين بشدة الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، وتدعو إلى وقفها".

في المقابل، اشتكت إسرائيل من تشويش قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، خلال الضربة الأخيرة، على نظام تحديد المواقع العالمي "GPS"، لأنه تسبب بتعطيل حركة هبوط الطائرات في مطار بن غوريون.

وقالت إسرائيل إن رادارات روسيا في حميميم تهدد الطائرات التي تستعد للهبوط في مطار بن غوريون، وتتسبب باضطراب الملاحة الجوية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية "كان 11"، الأربعاء الماضي، أن تشغيل قاعدة حميميم أنظمة دفاعية متطورة وقوية أدى إلى عرقلة الموجات الكهرومغناطيسية في المنطقة.

وبحسب التلفزيون الإسرائيلي، فإن إسرائيل بعثت رسالة إلى الروس مفادها أن استخدام هذه الأنظمة يضر بها، لكن الروس يقولون إن هذه الأنظمة تهدف إلى حماية جنودهم.

وأشار تقرير التلفزيون الإسرائيلي إلى أن روسيا كانت تحاول إظهار من هو "صاحب الأرض" في سوريا، على خلفية الهجمات المنسوبة لإسرائيل في المنطقة، التي تراها موسكو بأنها "انتهاك للسيادة السورية".

الأوكران والليتوانيون يطالبون تل أبيب باتخاذ موقف واضح وقوي ضد "العدوان" الروسي على أوكرانيا ينسجم مع موقف حلفائها في الغرب

 

سوريا ساحة ثانوية لأوكرانيا

لم يكن الهجوم الإسرائيلي المزدوج الأخير في سوريا الوحيد، الذي أبرزت من خلاله موسكو اعتراضها وتغيير نبرتها حيال التنسيق القائم مع تل أبيب في الساحة السورية.

ويعدّ الثاني على دمشق في أقل من 10 أيام، والثالث لإسرائيل في سوريا منذ بداية العام.

في 31 كانون الثاني/يناير الفائت، استهدفت غارة إسرائيلية منطقة القلمون، بالقرب من موقع استهداف الهجوم الأخير، وقيل إنها استهدفت مخزناً للأسلحة لـ "حزب الله" اللبناني.

جاءت الغارة على القلمون بعد أسبوع من مناورات جوية روسية مشتركة مع قوات النظام في عدة مناطق سورية، ولأول مرة بالقرب من الجولان السوري المحتل، الأمر الذي وصل كاستفزاز إلى صندوق بريد تل أبيب، التي حاولت أن تجد تفسيراً لهذا التحرك الروسي قرب حدودها بالتزامن مع الأجواء المتوترة على حدود أوروبا الشرقية.

وبحسب محللين إسرائيليين فإن هدف الروس من المناورات في سماء الجولان هو دفع إسرائيل للضغط على الولايات المتحدة في ملف أوكرانيا، لإبداء مواقف أكثر مرونة.

وقال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشوع، إن الأمر مرتبط بأحداث أوكرانيا ورغبة الروس في إعلام الأميركيين أن هناك ساحة نشطة أخرى في الشرق الأوسط".

يذكر أن العلاقات الروسية الإسرائيلية ازدادت زخماً بعد الاجتماع الأول بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 22 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بمدينة سوتشي الروسية، المطلة على البحر الأسود.

وعزز البلدان في قمة سوتشي التنسيق الثنائي في الساحة السورية، أثمر عن زيادة في كثافة الضربات الإسرائيلية إلى ما قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، والتي تنذر باندلاع  حرب بين موسكو ودول الناتو، الأمر الذي يتطلب من الحلفاء والخصوم أن يعلن كل منهم في أي صف يقفون.