icon
التغطية الحية

التنين الذي هزم الصياد.. من هو زكريا الزبيدي؟

2021.09.11 | 18:26 دمشق

ap21249420664949_autoorient_i.jpg
زكريا الزبيدي محمولاً على الأكتاف في مخيم جنين، 2007، إحدى صوره الأيقونية (AP)
تلفزيون سوريا – خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

كانت أطروحته في رسالة الماجستير "الصياد والتنين"، جسّدها الأسبوع الماضي على أرض الواقع فكان التنين الذي يخرج من النفق ويلهب الأجواء الإسرائيلية فتركها في حالة من الصدمة والذهول طوال خمسة أيام، قبل القبض عليه فجر اليوم.

زكريا الزبيدي (46 سنة)، المطلوب رقم واحد من قبل تل أبيب وعسسها، يحتفل الإعلام الإسرائيلي اليوم بإعادة اعتقاله، بعد الهروب الدراماتيكي من سجن "جلبوع" أشهر سجون الاحتلال وأكثرها تحصيناً.

استفاق الشارع الإسرائيلي صبيحة أول أيام السنة العبرية الجديدة، الإثنين الماضي، على خبر هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن "جلبوع" عبر نفق، حفره الزبيدي وخمسة من رفاقه بملعقة طعام تحت دورات المياه في زنزانتهم، إلى خارج الأسوار الحصينة، في قصة لا تحدث إلا في الأفلام السينمائية.

قصة الهروب "الأسطورية" كما يصفها المراقبون، أفسدت على الإسرائيليين عطلتهم الدينية في استقبال السنة الجديدة، وبحسب القناة الإسرائيلية N12، أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان ما حدث يوم عيد الغفران عام 1973، بينما كانت مناسبة للاحتفال من قبل الفلسطينيين وتوزيع الحلوى.

"حياته أشبه بفيلم" كما يصفها الزبيدي نفسه، مليئة بالأحداث أمضاها مطاردات من قبل جنود الاحتلال ومخابراته، لم تخلُ من المفارقات، ووصلت أحداث الفيلم هذا الأسبوع إلى ذروة غير مسبوقة، لا تخطر على بال سوى كتاب السيناريو في هوليود.

2004-12-30T120000Z_793921317_RP5DRIAEGGAA_RTRMADP_3_MIDEAST_autoOrient_i.jpg
زكريا الزبيدي، جنين، 2007 (AP)

 

"شخص بتسعة أرواح" كما يصفه الإعلام العبري ويعرفه الإسرائيليون قبل الفلسطينيين، أمضى حياته بإشغال الساحة الإسرائيلية، مناضلاً منذ نعومة أظافره، كان أحد أطفال الحجارة بعد الانتفاضة الأولى، شغوفاً بـ "المسرح"، وأحد رموز الانتفاضة الثانية، قارع الآلة العسكرية في زمن آرييل شارون "البلدوزر الإسرائيلي".

قبل ثلاث سنوات قدم أطروحته الماجستير بعنوان "الصياد والتنين.. المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968-2018". تصور المطاردة الإسرائيلية للفلسطينيين خلال خمسة عقود، تقمّص فيها شخصية "التنين" الذي يتغلب على "الصياد" بعد مطاردة شاقة وطويلة، استوحاها من الأساطير القديمة، إلا أنها تصف علاقته مع إسرائيل.

حياته و نضاله

ولد الزبيدي عام 1975 في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة، أبٌ لثلاثة أطفال، له 7 إخوة، تربى يتيم الأب، وفي 2002 قتل الاحتلال الإسرائيلي والدته (سميرة) وشقيقه (طه).

أسس ظلم الاحتلال في وعيه منذ الصغر داخل المخيم، وله تاريخ طويل في مقاومة إسرائيل، حيث قضى سنوات من عمره داخل سجونها.

5.jpg
زكريا الزبيدي وأسرته أمام منزلهم الذي هدمه الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام ١٩٨٩ (الإنترنت)

 

في سن الـ 13 أصيب برصاص جيش الاحتلال خلال مشاركته في إلقاء الحجارة على دورية عسكرية، واعتقل للمرة الأولى بعمر الـ 15 وسجن ستة أشهر، واعتقل مرة أخرى بتهمة إلقاء عبوات حارقة على القوات الإسرائيلية وحكم بالسجن أربع سنوات ونصف سنة.

في شبابه، قارع الاحتلال بشراسة، وكان أحد أبرز وجوه الكفاح المسلح الفلسطيني، ورمزاً من رموز انتفاضة الأقصى، وفي عام 2001 أصبح قائداً عسكريا لكتائب "شهداء الأقصى" في جنين، التابعة لحركة "فتح" آنذاك.

تصفه إسرائيل "الحاكم الفعلي لجنين"، لاسيما بعد العدوان الإسرائيلي الدموي على المخيم في عام 2002، المعروف بـ "مجزرة جنين" على يد شارون، التي أسفرت عن مقتل  52 فلسطينياً، و23 جندياً.

اتهمته إسرائيل في عام المجزرة، بالمسؤولية عن هجوم على فرع حزب "الليكود" (أشهر الأحزاب الإسرائيلية) في بيت شيعان، والذي قُتل فيه ستة إسرائيليين.

F190227NIFF02_re_autoOrient_i_0.jpg
زكريا الزبيدي بين رفاقه في كتائب "شهداء الأقصى (تصوير: فلاسش 90)

 

محاولات الاغتيال والمطاردات

تعرض لسبع محاولات اغتيال وعشرات الملاحقات من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، نجا منها جميعاً، أبرزها كان كميناً في 2004، أسفر عن مقتل خمسة فلسطينيين بينهم طفل، أثناء استهداف جنود الاحتلال لعربة يشتبه بأن الزبيدي كان بداخلها.

وفي العام ذاته، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين لتصفية الزبيدي، إلا أنها اشتبكت مع مقاومين فلسطينيين وقتلت تسعة منهم.

كما تعرض الزبيدي لمحاولتي اغتيال في عامي 2005 و 2006، خلال كمائن ومحاولات اقتحام.

وهدمت إسرائيل منزله 3 مرات، بحسب تقارير فلسطينية.

من السلاح إلى أروقة السياسة

في 2007، كانت هناك نقطة تحول في حياة الزبيدي، الذي ترك السلاح وقرر أن يعطي فرصة للعمل السياسي، لاسيما بعد وفاة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، وتوجه السلطة الفلسطينية نحو المسار السياسي مع إسرائيل، وقتها حلّ الرئيس الجديد آنذاك، محمود عباس، كتائب "شهداء الأقصى".

وأصدرت تل أبيب عفواً عن الزبيدي ورفاقه في كتائب "شهداء الأقصى"، ولكنها بعد أربع سنوات تراجعت عن العفو.

رغم انخراطه بالعمل السياسي، وانتقاله إلى الأوساط الأكاديمية وتعبيره غير مرة عن رغبته في أن يكون ممثلاً في المسرح، إلا أن الاحتلال لم يصدقه لأن صورته كمقاتل يحمل البندقية في الانتفاضة الثانية حفرت عميقاً في ذاكرة الإسرائيليين.

ويقول اللواء الإسرائيلي، إيتان دانغوت، المنسق السابق للعمليات في المناطق الفلسطينية، إن وسائل الإعلام الإسرائيلية غالباً ما "تلطخ سمعة" الزبيدي وأعطته بذلك هدية بتصويره بمظهر رجل أكثر إجرامية وخلقت حوله أسطورة.

ععع_0.png
زكريا الزبيدي (المصدر: وسائل التواصل الاجتماعي)

 

مربك إسرائيل

الأربعيني صاحب البشرة السمراء، يتقن اللغة العبرية بطلاقة، ويفهم عقلية إسرائيل، يعرف جهازها الأمني ورجال المخابرات والشرطة السرية ويعرفونه، معرفة اكتسبها بالاحتكاك المباشر ومن خلال خبرته الواسعة كسجين.

كان ضيفاً دائماً في غرف التحقيق لدى جهاز الشاباك، وإحدى النجوم الفلسطينية المرعبة على الشاشات الإسرائيلية، من أشهر تصريحاته "أعطونا الحرية وخذوا السلام".

ويذكر تقرير للقناة "N12" الإسرائيلية الخاصة، بأن صوته وصل إلى كل بيت إسرائيلي، ويصفه المسؤول السابق في جهاز الشاباك، عَدي كرمي، بأنه "مدمن الظهور، دوما تدفعه الأحداث إلى الواجهة". 

وفي 2012 اعتقل الزبيدي وأفرج عنه في ظروف غامضة، وبعد إطلاق سراحه اُنتُخب ممثلاً عن المجلس الثوري لحركة فتح بدورته السابعة.

بقي الزبيدي في السلطة الفلسطينية مترأساً مكتب الأسير، حتى اعتقاله في27 من يناير/ كانون الثاني 2019، للاشتباه بتورطه مع المحامي طارق برغوث في "أنشطة تحريضية جديدة" في بيت إيل.

zabibibibib_autoOrient_i.jpg
الزبيدي في أثناء اعتقاله 2012 (الإعلام العبري)

 

أمضى الأعوام الثلاثة الأخيرة معتقلاً سياسياً في "جلبوع" من دون محاكمة.

وقبل يوم من تنفيذ عملية الهروب المثيرة، انتقل من زنزانته إلى الزنزانة رقم 2، التي حفر فيها النفق، وهرب برفقة خمسة أسرى، ينتمون إلى حركة "الجهاد الإسلامي"، ينحدر جميعهم من منطقة جنين وما حولها، قبضت قوات الاحتلال على الزبيدي وثلاثة آخرين بعد عمليات مطاردة لم تشهدها إسرائيل من قبل.

إعادة اعتقاله ليست النهاية، ويحذر اللواء الإسرائيلي إيتان دانغوت، من أن الزبيدي الذي ألهب بطريقة هروبه الجماهير الفلسطينية مرة أخرى، قد يضع إسرائيل أمام موقف حرج، في ظل التوترات التي تعيشها في الوقت الراهن.

يشار إلى أن الزبيدي لم ينهِ رسالته "الماجستير"، ربما لأنه لا يؤمن بالنهايات الحتمية بل يسعى دوماً لصناعتها.

فكان التنين الذي أشعل الساحة الفلسطينية وتحول إلى أيقونة للمقاوم الفلسطيني، باعتراف الصياد الإسرائيلي نفسه.