icon
التغطية الحية

بعد أن دمره الروس.. أطباء مشفى الكهف يستذكرون كلبه "المُنقذ"

2021.03.05 | 13:27 دمشق

155833466_1491095681094315_1758856456047366663_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

دمرت القوات الروسية قبل أيام، مشفى "الكهف" الميداني الواقع شمالي حماة، عبر تلغيمه وتفجيره، في "مشهد سينمائي" بدا وكأنه "انتقام" من فشلٍ رافقهم لأعوام، فشلٌ تمثّل في بقائه "صامداً وفعّالاً" رغم استهدافهم إياه بأكثر من 150 غارة جوية، ومئات القذائف والصواريخ.

"الكهف"، أطلق عليه هذا الإسم كونه جُهز ضمن إحدى المغارات بالقرب من مدينة كفرزيتا، متوسطاً عدداً من المدن والبلدات، في موقع استراتيجي يُمكّن أي جريح، بفعل غارات الروس ومدفعية النظام الثقيلة، من الوصول إليه بمدة زمنية قصيرة.

وفي ظل سياسة روسيا الحثيثة باستهداف وتدمير المشافي والنقاط الميدانية الطبية شمالي سوريا، كان للمشفى "نظام إنذار مبكر"، تمثّل بـ كلب يُنبئ الكادر الطبي باقتراب الخطر، "فيهرب، ويلحقون به".

"بطولات كلب لاتُنسى"

عقب يومين من تدمير مشفى "الكهف"، كتب رئيس مجلس إدارة منظمة "سامز" الطبية السابق، أمجد راس، منشوراً عبر صفحته في فيسبوك، استذكر فيه "الكلب الكسول" الذي شغل لأعوام مكاناً أمام بوابة المشفى، وأثره في إنقاذ حياة العشرات، من الكادر الطبي العامل، والمراجعين.

وقال "راس" في منشوره: "كان دوماً على باب المغارة يجلس كلب كسول جداً، لكن سمعه ممتاز. كان يسمع الصاروخ قبل أن يسمعه الكادر الطبي، عندها يهرب بسرعة إلى داخل المغارة، ليدرك الكادر أن الصاروخ قادم ويلحقوا به".

وفي حديث مع موقع تلفزيون سوريا، ذكر "راس": "لم يأت أحد بهذا الكلب للمشفى، وُجد في أحد الأيام عند باب المغارة هارباً من قصف النظام والروس، ومن يومها، بات مكانه الدائم، يسمع صوت القذيفة قبل أيّ من أعضاء الكادر، فيهرب إلى الداخل ويلحقون به".

ويضيف: "عادة ما كان كادر المشفى يخرج للجلوس أمام بوابة الكهف، أو على سطحه، في فترات الاستراحة، وخلال هذا الوقت، تكون العيون متوجّهة نحو الكلب في انتظار أي رد فعل قد يُنبئ باقتراب الخطر".

منشور الطبيب أعاد شريط ذكريات "طويل" لأذهان بعض ممن عملوا في المشفى لأعوام، إذ علّق أحدهم: "أي والله كان يدخل قبلنا لجوا، خايف على حياته من مغول العصر".

111.png

"كي لا يُستخدم مجدداً"

فَرَدت قناة وزارة الدفاع الروسية "زفيزدا"، مساحة عبر شاشتها لتغطية "التفجير"، عرضت خلالها تقريراً صوَّرَ ممرات المشفى، وبعض أجزائه المتضررة، إضافة إلى بعض الغرف التي فَرُغت من أي معدات أو آلات طبية.

وقال التقرير إن "الكهف" يمتد على عشرات الأمتار،  ضمن مغارة "محمية بشكل موثوق من القصف المدفعي والضربات الجوية".

وأضاف: "لم يكن من الممكن الاستيلاء على المنشأة الطبية المحصنة إلّا بعد هجوم كبير للجيش السوري بدعم من القوات الجوية الروسية"، مشيراً إلى أن من وصفهم بـ "الإرهابيين"، أخذوا معهم معظم المعدات الطبية والأدوية أثناء انسحابهم.

وبالرغم من سيطرتهم على مدينة كفرزيتا والبلدات المحيطة، إلّا أن الروس اعتزموا تدمير المشفى "حتى لا يتم استخدامه مرة أخرى"، حسب ما جاء في التقرير.

"أحد أكثر الأماكن التي عثرت عليه قواتنا تجهيزاً"، هكذا وصف قائد القوات الهندسية، رومان بسمرتني، المشفى، وأضاف: "المشفى كان مجهزاً بالكامل لاستقبال المرضى الخارجيين والقيام بالعمليات المعقدة، ويستوعب ما يصل إلى 100 فرد".

وذكر التقرير أن الكهف يقع في منحدر تل مرتفع، له عدة مداخل تواجه وادياً جبلياً، وهو "غير مرئي تقريباً من الجو"، مشيراً إلى أن ذلك سمح لـ "المسلحين" بالحفاظ على سرية موقع المستشفى، وهو ادعاءٌ وصفه مدير مكتب منظمة "سامز" الطبية في تركيا وشمالي سوريا، مازن كوارة، بـ "المضلل".

"مشفى محيّد"

وقال "كوارة"، الذي حلّ ضيفاً عبر برنامج "سوريا اليوم" على شاشة تلفزيون سوريا، إن إدعاءات الروس بأن المشفى كان ضمن "موقع سري"، هي ادعاءات "باطلة"، مشيراً إلى أن المشفى وُضع على لائحة "المواقع المحيّدة" منذ تأسيسه.

وأكد الطبيب أن كثيراً من الجهات كانت على علم بموقع المشفى، بما فيها روسيا، التي استهدفته بعشرات القنابل "المخصصة لتدمير المواقع الحصينة".

91d16d28-0dd8-4d8d-91f6-905a7eb8b6c8.jpg
قسم الطوارئ في مشفى "الكهف" 2016 - تلفزيون سوريا

وأسفر القصف على مر السنوات إلى انهيار جناح الطوارئ، الواقع عند مدخل المشفى - أحد أقل النقاط تحصيناً - كما تسبب بتدمير مولدات كهربائية وصهاريج مياه، لكن عادة ما كان يتم إعادة تأهيل المشفى، بما لا يسمح بتوقفه عن الخدمة.

43a6eee0-9344-45d1-bfc4-c34a21be46a0.jpg
غرفة العناية المشددة 2016 - تلفزيون سوريا

وحول ادعاءات الروس بأن المشفى جُهّز لخدمة "المقاتلين والإرهابيين"، قال "كوارة" إنها "باطلة"، فالمشفى كان "إنسانياً، يخدّم الجرحى أياً كانوا، عولج فيه آلاف النساء والأطفال والرجال"، إذ كان يُقدم خدماته لما يقرب من 50 ألف شخص، ويُجرى به نحو 150 عملية "كبرى"، شهرياً.

e48dfb30-6097-473c-9035-8579cced34ef.jpg
غرفة العمليات 2016 - تلفزيون سوريا

وفاة "المؤسس"

"انبثقت فكرة تأسيس مشفى في كهف، يصعب استهدافه، للهرب من الاستهداف المباشر للمشافي من قبل النظام والروس، الذين كانوا ولا يزالون يمارسون تدميراً ممنهجاً في شمالي سوريا"، قال الطبيب "كوارة"، وأضاف: "الفضل الأكبر في فكرة التأسيس تعود للطبيب حسن الأعرج، الذي أشرف على المشروع مذ كان فكرة، وحتى اكتمل عام 2015".

مدخلان، أحدهما رئيسي وآخر للطوارئ، 3 غرف عمليات، غرفة عناية مشددة وأخرى للحالات العاجلة، معدات وآلات طبية حديثة، تغطيها طبقة من الصخر بسماكة 18 متراً.

وحسب الطبيب "راس"، قتل 3 أشخاص طوال فترة عمل المشفى، في محيطه وليس بداخله، إثر قصف جوي روسي، كان من بينهم الطبيب "المؤسس" حسن الأعرج.

وتسببت غارة جوية روسية في 13 من نيسان 2016، في مقتل الطبيب "الأعرج"، وذلك بعد أن استُهدفت سيارته بشكل مباشر وهو بداخلها، على بعد أمتار من بوابة الكهف الرئيسية، كما تسببت غارة أخرى، عام 2018، بمقتل حارس المشفى بعد أن استُهدف وهو على ظهر دراجته النارية بعد خروجه من المشفى.

d8cabb83-6031-4cd6-a93c-2715201c6125.jpg
سيارة الطبيب حسن الأعرج عقب استهدافها بغارة من الطيران الروسي

وأُطلق على المشفى في وقت لاحق اسم مشفى "الشهيد الطبيب حسن محمد الأعرج"، وذلك "تكريماً لجهوده في تأسيس المشفى، ولما قدمه من مساعدة لآلاف المدنيين في الشمال السوري خلال سنوات الثورة".

WhatsApp Image 2021-03-05 at 06.04.53.jpeg
تلفزيون سوريا

"مسح آثار الجريمة"

أصدرت العديد من الجهات الحقوقية بيانات متلاحقة، عقب إعلان الروس تدمير المشفى، دانت الفعل، واعتبرت أنه يهدف إلى "إزالة العمل البطولي الذي قامت به الكوادر الطبية" في تلك المنطقة لأعوام.

واعتبرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في بيان لها، أن تدمير المشفى ماهو إلا محو لآثار "العدوان والجريمة التي قامت بها القوات الروسية في قصفها البربري لمشفى بعيد تماماً عن المدينة وعن المراكز العسكرية".

وأضافت أن القصف الروسي لمشفى موجود في مغارة، يؤكد أنه فعل "مقصود ومخطط له ومتعمد"، فهو بني داخل الجبال من أجل تجنب القصف، ومع ذلك، القصف لاحق الجرحى والأطباء إلى حيث حاولوا الاختباء.

وقالت الشبكة ذاتها، في إحصائية سابقة، إن القوات الروسية مسؤولة عن أكثر من 207 حوادث اعتداء على المنشآت الطبية في مختلف المحافظات السورية، ما لا يقل عن 43 منها جرى في الفترة ما بين أيلول 2018، ونيسان 2020.