يوم هدّدت أميركا الثوار السوريين

2022.05.23 | 06:26 دمشق

1020197144141413.jpg
+A
حجم الخط
-A

دعمت الولايات المتحدة الأميركية فصائل الجيش الحرّ خلال سنوات الثورة السورية عن طريق برامج دعم مُعلنة وسريّة. أتى الدعم العلني على شكل مساعدات "غير فتاكة" من طرف وزارة الدفاع البنتاغون، في حين تكفلت المخابرات الأميركية بإدارة غرفة "الموك" الدولية التي أمدّت الثوار بذخائر ومستلزمات عسكرية بقيت دون المطلوب بكثير لكنها مع ذلك أحدثت فرقاً كبيراً في ساحة المعركة بسبب شجاعة الثوار.

غير أن الثوار لم يكونوا "وكلاء أميركا" كما يحلو لبعض المراقبين الخارجيين تصويرهم، بل على العكس طالما اتسمت علاقة قادة الثورة مع الولايات المتحدة بالتوتّر وخصوصاً أولئك الذين كانوا يتلقون الدعم. فالثوار الذين تعاملوا مع المسؤولين الأميركان من أجل الحصول على الدعم سرعان ما اعترتهم خيبة أمل كبيرة وأدركوا مبكراً أن الدعم الأميركي لم يكن يستهدف إسقاط النظام بقدر ما استهدف الحرص على استمرار الحرب من أجل إنهاك كل الأطراف، وفرض الشروط الأميركية آخر الأمر، وخصوصاً على النظام الذي قالت أميركا صراحةً إنها لا ترغب في إسقاطه بل في تغيير سلوكه. وهكذا فالهدف من دعم الثوار السوريين كان تغيير سلوك النظام ليس إلا، وقد أدرك الثوار ذلك مبكراً ولذلك فقد تمردوا على الإرادة الأميركية أكثر من مرة. وفي مناسباتٍ عديدة وصلت العلاقة بين الطرفين إلى التوتر الشديد حيث أقدمت أميركا على تهديد الثوار بوقف الدعم تارةً، وبقصفهم جواً تارةً أخرى.

قال قائد ثوري حضر الاجتماع إنه فهم من الإشارة الأميركية تلميحاً بأن الجيش الأميركي سيقصف من يعصي الأوامر ويمضي بالسلاح الأميركي إلى أراضٍ ليست على خريطة الدعم

في شهر كانون الثاني عام 2014 شنّ الثوار السوريون حملةً عسكرية شجاعة ضد تنظيم داعش في شمال سوريا قبل سنةٍ تقريباً من تشكيل التحالف الدولي للقضاء على داعش. حققت الحملة نجاحاً كبيراً واندحرت داعش في غضون أسابيع قليلة من كامل الشمال السوري. وعلى تخوم ريف حلب الشرقي جهّز الثوار حملةً للمضي في إثر داعش إلى شرق سوريا لاقتلاع شوكتها نهائياً، لكن اجتماعاً مع الداعم الأميركي في تركيا حسم المسألة. فقد طلب الأميركان من الثوار عدم العبور إلى شرق سوريا وعندما اعترض بعضهم معبّرين عن حماستهم لاستغلال اللحظة وإكمال مهمة القضاء على داعش تذرّع الأميركان بأن الطريق طويل وأن على الثوار سماع النصيحة وإلا فإن الأميركان لن يضمنوا سلامة الجيش الحر من الجو. قال قائد ثوري حضر الاجتماع إنه فهم من الإشارة الأميركية تلميحاً بأن الجيش الأميركي سيقصف من يعصي الأوامر ويمضي بالسلاح الأميركي إلى أراضٍ ليست على خريطة الدعم.

وفي أواخر العام نفسه هاجمت كل من جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية مقارّ ونقاط سيطرة جبهة ثوار سوريا، وهي فصيل من الجيش الحر يقوده جمال معروف من معقله الحصين في جبل الزاوية. كانت جبهة ثوار سوريا تتلقى دعماً أميركياً كغيرها من فصائل الجيش الحر في الشمال السوري، لكن نداءات الاستغاثة التي أرسلها قادة الفصيل في أثناء الهجوم لم تلق رداً من الداعم الأميركي في مقارّه في أضنة جنوب تركيا. كان واضحاً أن الأميركان مرتاحون لرؤية جماعات متطرفة تبتلع فصيلاً ثورياً بلغ مداه في القوة والشعبية وشكّل مع الوقت تحدياً كبيراً لكل من نظام الأسد وتنظيم الدولة. ولم يكتف الأميركان بموقفهم السلبي ذاك، بل دعوا قادة باقي فصائل الجيش الحر المدعومين أميركياً إلى اجتماعٍ في أضنة طلبوا منهم خلاله عدم الدفاع عن جبهة ثوار سوريا ضد المتطرفين. وعندما اعترض بعضهم موضحين أن من واجبهم كفصائل وطنية الدفاع عن بعضهم بعضا ضد الفصائل المتشددة، احتدّ الموظفون الأميركان وهددوا الفصائل التي تشارك في القتال بالطرد من غرفة الموك.

أما في جوار العاصمة دمشق فقد تلقى الثوار السوريون تهديداً حاسماً عام ٢٠١٥ غيّر معطيات المعركة على الأرض، وأنقذ نظام الأسد حرفيّاً من السقوط. في شهر شباط من ذلك العام أعلن جيش الإسلام الذي كان يتخذ من مدينة دوما مقراً له أن مدينة دمشق أصبحت "منطقة عسكرية ومسرحاً للعمليات". وأتبع جيش الإسلام تحذيره بقصف مقار النظام في دمشق بوابلٍ من الصواريخ التي دبت الرعب في صفوف النظام وأربكت حساباته على أعلى المستويات. يومئذ أيدت القيادة السياسية للمعارضة ممثلة بالائتلاف الوطني السوري العملية وبدا وكأن تطوراتٍ سياسية كبيرة كانت على وشك الحدوث. ونقلت قناة الجزيرة أن الموظفين امتنعوا عن الذهاب لأعمالهم في دمشق وأن كثيراً من الطلاب تغيّبوا عن مدارسهم بينما بدت شوارع العاصمة شبه فارغة.

لكنّ الأميركان تدخلوا من جديد!

لم تكن أميركا سيفاً على ظهر الثوار كما تخيّل بعضهم، بل كانت خنجراً في خاصرتهم حيث أسمهت بمواقفها الملتبسة في إنقاذ نظام الأسد من السقوط وفي إطالة عمر داعش خمس سنين كاملة

لم يكن جيش الإسلام على قائمة الدعم الأميركية إلا أن قادة في جيش الإسلام تسلّموا رسائل حازمة للتوقف عن قصف العاصمة فوراً. لم يفصح القادة عن مضمون الرسائل بدقة لكن المرجّح أن تكون تضمنت تهديداً بالقصف كالذي سمعه الثوار الذين أرادوا تعقب داعش إلى شرق سوريا.

باختصار، لم تكن أميركا سيفاً على ظهر الثوار كما تخيّل بعضهم، بل كانت خنجراً في خاصرتهم حيث أسمهت بمواقفها الملتبسة في إنقاذ نظام الأسد من السقوط وفي إطالة عمر داعش خمس سنين كاملة مع كل ما جلبه ذلك من خرابٍ على سوريا والمنطقة والعالم.