يعاد الحال إلى ما كان عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى... الله!

2023.04.21 | 06:09 دمشق

آخر تحديث: 21.04.2023 | 06:09 دمشق

يعاد الحال إلى ما كان عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى ... الله!
+A
حجم الخط
-A

هذا العنوان الطويل للمقال – على غير المألوف – يمثل اختزالا وإيجازا لمضمون البيان الصادر عن الخارجية السعودية عقب انتهاء زيارة وزير الخارجية السوري للرياض بدعوة منها.

يقول لنا البيان إن الجانبين اتفقا على توفير بيئة مناسبة لوصول المساعدات الإنسانية لجميع المناطق وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين بأمان إلى مناطقهم (!) وكأن القضية السورية هي مجرد شعب شرّد نفسه بنفسه ولا بأس من العفو عنه وعما جنت يداه والسماح له بالعودة إلى بيت الطاعة ولا بأس خلال ذلك من تسهيل وصول المساعدات الإنسانية له بما يقتضيه ذلك من دعم (لمؤسسات الدولة السورية لتستعيد سيطرتها على كامل الأراضي السورية) ومحاربة الإرهاب وإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة - ويقصد بها طبعا الميليشيات المناهضة للسلطة فليس من المعقول إجمال الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية والأفغانية والإيرانية بينها لأن ذلك يعكر صفو المصالحة التاريخية السعودية – الإيرانية.. عندها سيتحقق الاستقرار المنشود الذي يتيح إمكانية البحث بالخطوات اللازمة لتحقيق تسوية شاملة تحقق المصالحة الوطنية وتساهم في عودة سوريا لمحيطها العربي (جامعة الدول العربية) وعلى أن يكافح النظام الاتجار بالمخدرات التي يقوم هو بتصنيعها وتصديرها!.

يا لبؤس تلك المعارضة التي لم تدع أصلا حتى للتشاور بما يمكن وما لا يمكن لها قبوله.. وهي نتيجة طبيعية لانقساماتها، وعطالتها وعجزها وفشلها

يا لرخصنا.. ويا لبؤس الحلول والصفقات تلك التي تجعل كل دمائنا ومعتقلينا ومدننا المدمرة ومهجّرينا ونازحينا مقابل أن يكف النظام بلاءه عن السعودية ولا يرسل إليها المخدرات!!

ويا لبؤس تلك المعارضة التي لم تدع أصلا حتى للتشاور بما يمكن وما لا يمكن لها قبوله.. وهي نتيجة طبيعية لانقساماتها، وعطالتها وعجزها وفشلها.

المذهل والصادم أكثر ذلك التهوين لفكرة التطبيع مع النظام وعودته للجامعة العربية، الذي يعبر عنه بعض مراهقي المعارضة بزعم أن الجامعة نفسها ليست شيئا بذي قيمة في الحياة السياسية العربية، وأن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام بحق السوريين أكبر من أن تطوى صفحتها(!) ونسي هؤلاء أن القضايا القيمية والأخلاقية لا قيمة لها في موازين السياسة والمصالح، وأن تلك العودة لا تكرس فقط انتصار الأسد ومنظومته الأمنية والعسكرية علينا جميعا، وتعيد له شرعية متنازعا عليها، وتمنح استدامة لحكم العصابة الطائفية لعقود قادمة، بل هي انتصار ناجز لكل منظومة الثورة المضادة الرسمية العربية التي رأت في حلم التغيير والتعددية والديمقراطية تدنيسا لمقدسها يجب التطهر منه سبع مرات إحداهن بتمريغنا بالتراب، ما سيستتبع معه من تفكك للمواقف الإقليمية والدولية (الأوروبية والأميركية) التي ما تزال – حتى الآن على الأقل - رافضة للتطبيع وإعادة الإعمار قبل الوصول إلى حل سياسي، الأمر الذي سيشجعها على التخلي عما أعلنته من مواقف طالما أن أصحاب الشأن والبيت فعلوها.

النظام حقا لم يعد مأزوما كما كان عليه الأمر قبل سنوات.. ومن يراهن على ضيق ذات يده وعمق أزمته الاقتصادية فليدرك أن رهانه خاسر تماما، فهذا النظام يمكنه التعايش مع هذه الحال عقدا آخر دون أي شعور بالخوف من ارتدادات الأمر داخليا، لأنه يدرك أن ليس ثمة ارتدادات حقا سوى بعض التشكي والنواح ويدرك ثانيا أنه قادر على إخراس الناس مجددا دون أية عواقب عند أول همسة قد يفكر بها هؤلاء اليوم.

الحقيقة أننا نحن المأزومون، فمن يعجز عن كف يد تلك المعارضة الفاشلة والمرتهنة أو حتى قائد ميليشيا من المحسوبين علينا، هو أعجز بالضرورة عن خوض صراع عسكري لتغيير بعض ملامح المشهد البائس الذي وصلنا إليه، وعلينا أن ندرك أن المقاربات المطروحة من دول الإقليم سقفها منخفض جدا ولا يتجاوز عتبة التسليم والعودة إلى بيت الطاعة مقابل العفو.. وأن تعديل ذلك يقتضي تعديل موازين القوة والسيطرة أو على الأقل وجود قوة يمكن لها أن تقلب الطاولة عند الحاجة إن لم تلب الأوراق المطروحة عليها الحدود الدنيا والأساسية لمطالب السوريين بالانعتاق من الاستبداد والتحول نحو دولة القانون، وهذه القوة ليست فقط منظومة عسكرية موحدة وفق بنية تراتبية مهنية وإنما أيضا قوة سياسية ناضجة بعيدة عن المحاصصات الغبية بقدر بعدها عن سياسات المحاور والتجاذبات تعرف كيف تخاطب العالم بالمصالح لا بالنواح  وتتمترس خلف خطة العمل الدولية للحل في سوريا التي لا يستطيع أحد التنصل منها.

هذه الدول وفق المطروح والمتداول – حتى الآن – تقول لنا: سيبقى الحال على ما كان عليه وعلى المتضررين اللجوء إلى الله بالشكوى

دول الإقليم مأزومة بالكثير من القضايا وهي تسعى لحل مشاكلها والخروج من أزماتها على حساب قضيتنا ونحن بدورنا علينا أن نقدم رؤى ومقاربات ومواقف تحمي مصالحنا دون أن نستعدي بالضرورة الآخرين علينا، ولكن إذا ما تصادمت المصالح فلنكن جاهزين لنتحمل عبء قضيتنا وحدنا بما نملك من أدوات فعل أقلها الموقف الشعبي العام الرافض لأي حلول تسمح بإعادة الناس إلى الزريبة الأسدية، وأعلاها تنظيم أمورنا السياسية والعسكرية بما يسمح بإفشال أي حل يسعى الآخرون لفرضه علينا دون إرادتنا.

هذه الدول وفق المطروح والمتداول – حتى الآن – تقول لنا: سيبقى الحال على ما كان عليه وعلى المتضررين اللجوء إلى الله بالشكوى، وعليهم بالمقابل أن يسمعوا منا ردا واضحا وجريئا مفاده أن السوريين لن يعودوا مرة أخرى إلى الحظيرة.. لقد شقوا طريقهم نحو الحرية والكرامة وتذوقوا طعمها وما عاد من الممكن الرجوع خطوة واحدة إلى الوراء ولو دمر المشرق والإقليم برمته، فحقوقنا وحريتنا أثمن من مصالحكم وصفقاتكم ومقايضاتكم.. عندها سيرضخ الجميع ويمتثلون.