يختلف لون المقتول والقاتل واحد

2022.03.02 | 05:32 دمشق

20220301_2_52393145_74170947.jpg
+A
حجم الخط
-A

حرب جديدة دقت طبولها في عالم لا تهدأ جهاته من أصوات الأسلحة الثقيلة، ولا ينفك يفاجئنا بأحداث مروعة مرة تلو الأخرى.

أوكرانيا حدث العناوين العريضة والعاجلة الآن بعد مدة من التصعيد الإعلامي، إذ هاجم بوتين العاصمة كييف في النهاية غير آبه بكل ما قد يخسره الطرفان في تلك الحرب.

عاود الإعلام الغربي إبان اندلاع الحرب ممارسة حالة الضخ والتجييش ورفع الروح المعنوية للجانب الروسي على اعتبار أنهم الطرف الأقوى، غير مبالين بأثر هذا التجييش على الروح المعنوية لدى الشعب الأوكراني الذي وجد نفسه أخيراً مشرداً وفي أتون حرب ليس لها سبب سوى أطماع الرئيس الروسي الاستعمارية.

يبدو أننا على أبواب عصر جديد يحاولون فيه تعويدنا على قبول حق التمدد في الجهات الأربع، لكل دولة تشكل قطباً مهماً من أقطاب العالم غير القادر على مواجهتها

ثم عاود إعلام العالم المتحضر بعد ذلك التندّر بمزايا اللاجئين الأوكرانيين ومقارنتهم باللاجئين السوريين والأفغان ذوي البشرة السمراء والعيون غير الملونة وأصحاب الماضي الإرهابي بشكل أو بآخر، ولا يبدو ذلك غريباً إذ إن أوكرانيا هي حلقة جديدة في مسلسل الاحتلالات الجديد، التي يلعب فيها الإعلام لعبة خبيثة مثلما يحدث عند اندلاع كل حرب.

يبدو أننا على أبواب عصر جديد يحاولون فيه تعويدنا على قبول حق التمدد في الجهات الأربع، لكل دولة تشكل قطباً مهماً من أقطاب العالم غير القادر على مواجهتها.

ينقسم العالم بين المحورين الروسي والأميركي ويعتقد مشجعو الفريق الروسي أنهم بذلك يؤيدون الطرف الذي يقف في وجه امتداد المحور الأميركي الشيطان الأكبر وينتصر عليه، في تجسيد لفكرة سياسية عفا عليها الزمن مفادها أن المحورين متحاربان ومتضادان.

لا ينحصر الإيمان بتلك الفكرة على الإنسان العادي، بل إن اليسار العربي في مجمله يعتقد أن بوتين يحارب باسم الاشتراكية للانتصار على العالم الرأسمالي المتوحش ولإيقاف تمدد حلف الناتو.

يعتقد كثير من المؤمنين بضرورة زوال القطب الواحد اليوم أن روسيا تعمل على إنهاء هذه المركزية، وأن تمددها يأتي على حساب انحسار السيطرة والتمدد الأميركي، وأن العالم الحديث يشهد عودة أسطورية للندّ الأول لأميركا.

إلا أننا حتى وإن افترضنا أن ذلك حقيقي ـ مع أن تلك الفرضية منافية إلى حد ما للواقع السياسي الحاضرـ، فمن غير المجدي أن نفرح ونهلل لذلك الغزو أيا كانت الأسباب إذ إننا وفي الأحوال كلها ما زلنا خارج حسابات القوى الدولية، لأن السياسات المرسومة لكل من روسيا أو أميركا غير معنية على الإطلاق بوجودنا أو عدمه، ولا يمكن أن يكون لنا ثمرة نجنيها من منتصر أو مهزوم إذا صحّ التعبير.

لا أعتقد أنه من الصحة اعتبار أن بوتين يقف في وجه أميركا، أو يعدّ ندّاً وعدواً لها إذ إن ما حصل في سوريا وما قد يحصل اليوم وغداً في أوكرانيا أو غيرها لا يمكن أن يمر من دون ضوء أميركي أخضر، خاصة في ظل صمت دولي وشحن إعلامي مستمر، في حين يتركون أوكرانيا ورقة في مهب العاصفة الروسية.

وليس من المستبعد أن تكون روسيا وما تشنه من حروب وما تسعى إليه من امتداد ليس سوى لأداء المهمة كونها الذراع العسكرية للشيطان الأميركي، كل ما في الأمر أن أميركا تراجعت لتجعل الروس يقدمون العرض وعن دراية وكأنهم يتصدرون المشهد بوصفهم أبطال العمل الرئيسيين، مقابل مصالح مشتركة تقاسمها الطرفان في السر.

ومع وجود الفروقات المختلفة التي يعتقد العالم أنها موجودة بين غزو أوكرانيا أو احتلال سوريا إلا أن سلوك العالم المتحضر لم يختلف، إذ لم يحرّك أحد ساكناً لمنع اندلاع الحرب أو إيقافها مثلما حصل مع سوريا حين ادّعت الدول صداقتها وتأييد مطالب الشعب السوري المحقة، لكن ذلك لم يتجاوز التصريحات الإخبارية الطنانة.

لا يمكن القياس بين التجربتين سوى برعونة الحرب وبطشها في حين تبقى الشعوب مجرد آثار جانبية للعمليات العسكرية، وغير قابلة للحساب على أنها خسارات حقيقية في الأرواح مثلما يدّعون.

فالعامل البشري هو الخسارة الكبرى في الحروب الدائرة وهو الشيء الوحيد غير المرئيّ بالنسبة لمن يتصارعون على السلطة.

لعبة الحرب تتكرر مراراً وتكراراً لم يكن فيها البقاء سوى للأقوى، في حين نستمر، نحن المسحوقين، بالتخبط من دون أن نجد لنا فكاكاً من المصفوفة التي وقعنا فيها

من وجهة نظر رأس النظام السوري أن هذه الحرب لازمة وواجبة لأنها "تصحيح للتاريخ"، وهذه نكتة سمجة يستطيع أن يضحك عليها العالم فيما نعاود تذكّر مآثر حربه ضدنا، ففيها أيضاً كان مقتنعاً أن ما فعله في سوريا من تدمير وقتل وتشريد ليس إلا لتصحيح تاريخ سوريا وإعادة تشكيل البلاد وفق ما يريد.

لعبة الحرب تتكرر مراراً وتكراراً لم يكن فيها البقاء سوى للأقوى، في حين نستمر، نحن المسحوقين، بالتخبط من دون أن نجد لنا فكاكاً من المصفوفة التي وقعنا فيها.

وبالعودة إلى الإعلام الغربي الذي يحاول أن يعمل على تجميل حالة اللجوء اليوم طالما أنها غير قادمة من بلدان الشرق البائس وتوضيح الصورة الجميلة للاجئين ذوي البشرة البيضاء الذين يركبون سيارات حديثة ويتابعون "نيتفلكس"، فقبل أن تتطور عملية الترحيب أو التعبير عن الأسف لما حلّ بهم، السؤال الحقيقي الذي على العالم مواجهته اليوم من حكومات حضارية أو محللين سياسيين مخضرمين أو وسائل إعلام لا تخجل من ادّعاء الحيادية في ظل هذه التصريحات المتواترة، هو أنه ومع كل هذا التضامن، لماذا لم تعملوا على إيقاف هذه الحرب التعيسة؟ 

ليست الكلفة البشرية للحرب في وارد القوى المتحاربة والداعمة والمؤيدة وحتى المهللة للحرب، وهذا أمر اختبرناه جيداً بعد عشر سنوات من التخلي عن قضيتنا وعنا، إنهم يكتفون بحساب الخسائر العسكرية واللوجستية وتغيّر القوى السياسية، إلا أن ذلك لن يغير شيئاً في مشكلاتنا أو قضايانا العالقة.