وهل فيروس الاستبداد أقل فتكاً؟!

2020.03.15 | 23:02 دمشق

dmar_swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

وهل يحتاج عالمنا، الذي ينوء بأحماله، مزيداً من الهزّات أو الجائحات الخانقة كي يصحو؟! هددته النازية يوماً وعملت على اجتياحه؛ ولاقت بداية مهادنةً وملاطفةً من قوى جبارة (بريطانيا) اضطرت للوقوف في وجهها لاحقاً. لم ينتبه كثيرون للمحارق أو يكترثوا بوجع الآلاف في "أوشفتز". زاد في الطنبور نغماً أنه في أوئل الأربعينيات من القرن الماضي، حتى أمريكا أعادت سفناً محملة باليهود الهاربين من مذابح هتلر، ولم تسمح لهم بالالتجاء إليها. صَحي العالم في النهاية، ووقف على حقيقة ما فعله هتلر، وأقْسَمَ ألاً يحدث ذلك ثانية.

بكل أسف تكرّر ذلك ثانية؛ لقد تكرر "الهولوكوست" على أهل سوريا، وإن كان هتلر أجرم بحق مَن اعتبرهم ليسوا بمواطنيه، فالـ"هولوكوست" السوري كان بأيدي منظومة حكم تحمل الهوية السورية. الأمرُّ والأدهى أن الكثير من القوى الدولية الفاعلة والقادرة على وقف الهولوكوست تفرجت وخادعت، وحتى تآمرت مع منظومة الاستبداد، لقد سمعوا ورأوا تلك المنظومة تنفّذ شعارها: "أحكمها أو أدمرها". وأمام أعينهم استمرت المأساة لـ سنين، وما تزال ماثلة أمام أعينهم تذكّرهم بما فعل هتلر، وهم صامتون.

الآن يحبس هؤلاء أنفاسهم في حالة اختناق أمام "فيروس" لا يُرى بالعين، وقد بقيت أنفاسهم كما هي، وحياتهم طبيعية، وهم يشهدون براميل بارود تسقط على منازل مدنيين؛ لا يخرج منها حي. لقد صمت عالمنا على جائحة دكتاتورية دموية تحاصر أطفالاً دون طعام أو دواء أو مأوى؛ صمت على وجود مئات آلاف السوريين المعتقلين تحت التعذيب، صمت على نبش قبورهم من قبل مرتزقة وميليشيات أسدية إيرانية، صمت على اغتصاب سوريات أمام ذويهم من قبل وحوش تجاوزت الهتلرية بمرات..

الآن تكاد تقف عجلة حياة كوكبنا، يستنفر قادة عالمنا بطريقة غير مسبوقة رعباً وخوفاً من "فيروس" الكورونا، إنه العالم ذاته الذي لم يكترث لتوقف الحياة السورية لسنوات على يد فيروس يراه العالم بالعين المجردة، ويشهد فتكه في الحياة البشرية السورية لسنوات.

مَن بقي على قيد الحياة من السوريين لا يكترث كثيراً لكورونا، لأنه رأى الموت بكل أصنافه وبكثرة

مَن بقي على قيد الحياة من السوريين لا يكترث كثيراً لكورونا، لأنه رأى الموت بكل أصنافه وبكثرة. لقد احتاج السوري لقمة الخبز، وكان عالمنا في تخمة؛ وكان ثمن الحصول عليها السجود للأسد. احتاج السوري من يردع ظالمه وقاتله، فأشاح عالمنا الطرف عن مأساته؛ احتاج مَن يوقف "فيتو" بوتين الذي حمى الجائحة الأسدية، ومنْعُ الغذاء والدواء؛ ولم يجد مَن يردّ الصوت؛ احتاج السوري أن يلجأ إلى سقف في بلد يحميه، فتمّت المتاجرة بروحه ومصيره؛ وها هو فيروس كورونا يعبر دون جواز سفر أو فيزا؛ و دون أن يحمل منة أحد؛ "يخبص" "بفشة" العالم ويدخل عنوة.

ها هو "كورونا" يهزم الظالم والصامت والمتخاذل والرمادي. ها هي كل تلك القوة العالمية الجبارة تقف عاجزة أمام فيروس لا تراه العين. فيروس يغلق الجامعات والمدارس والأسواق والطرقات والمشافي والحفلات؛ ويد العصابة الإجرامية كانت تغلق أرواح السوريين، تدمر المشافي والأسواق والمدارس؛ وكان بإمكان تلك القوى وقفها؛ ولم يوقفوها.

كيف يريد العالم للسوري أن ينسى جروحه التي كانت تُخاط دون تخدير أمام ناظري هذا العالم -لأن هناك من قطع الدواء عمداً- والآن يريد أن يوجد دواءً يقيه من فيروس لا يُرى بالعين. لقد غفلت ملايين عالمنا وكثير من قياداتها عن الجائحة التي حلّت بالسوريين، وأشاحوا الطرف عن أوجاع لا تحتملها الجبال؛ وهاهم أنفسهم يئنون تحت وطئة كورونا.

لا يستطيع اليهود أن يحتكروا "الهولوكوست" لأنفسهم. قالوا: "Never Again" / (لا يمكن لذلك أن يحدث ثانية)؛ ولا يمكن لهذا القول أن ينطبق عليهم حصراً؛ ولكننا نشهد تكرره. لقد تكرر من قبل جهة تجاوزت هتلر ونازيته. وكما تفرج العالم بداية على البلاء، ثم استدركه، وحمل مسؤولية عدم تكراره؛ ها هو الأمر يتكرر؛ ولكن دون صحوة أو استدراك أو ردع. متى يتم ذلك؟ تلك هي المسألة. هل يكون فيروس "كورونا" الصاعق للصحوة؟ أيضاً، ذلك هو السؤال.

ليس ما تقدم إلا مسعى لفتح العيون بأننا جميعاً في مركب واحد، وإن لم تشعر ببلاء أخيك الإنسان، لست إنساناً. لو كان السوريون قطيعاً من الماشية، لكانت الاندفاعة لنجدتهم من ذئاب متوحشة أقوى وأكثر احترامًا. تسع سنوات عجاف من جائحة الرعب والحصار والاعتقال والتشرد؛ وما لمَس السوري لفتة حقيقية لإنقاذه وخلاصه من دكتاتورية دموية. أيام على رعب وحصار هذا العالم  بجائحة لكورونا ؛ وسكان كوكبنا يرتعدون كالأرانب. ليتعلم أهل كوكبنا أن وجع فرد فيه، وجع وألم على الجميع؛ ومقاومة الظالم، نجاة ذاتية.

كلمات مفتاحية