icon
التغطية الحية

وليم شكسبير.. هل سرق أدبه من العرب؟

2022.01.29 | 17:01 دمشق

shksbyr-_tlfzywn_swrya.jpg
+A
حجم الخط
-A

أنجز الكاتب والشاعر الإنجليزي الأشهر وليم شكسبير (1564-1616) معظم أعماله بين عامي 1589 و1613، وكانت نصوصه المسرحية -في العموم- تحمل طابعاً تاريخياً اجتماعياً يتخلل بعضها جزء من الكوميديا. والمعروف أنه تميّز بعبقريته وغزارة إنتاجه الأدبي.

 وُلد شكسبير لأبوين من الطبقة الوسطى في بلدة تجارية صغيرة في إنجلترا تسمى ستراتفورد أبون آفون، وكان الثالث من بين ثمانية أطفال في عائلة كانت تتمتع بمكانة مرموقة في المدينة، حيث اختير والده عضوًا في المجلس التشريعي للبلدة، وانتُخب بعد ثلاث سنوات رئيسًا للمجلس البلدي، وكان هذا من أرفع المناصب التي يمكن أن يصل إليها شخص في البلدة.

وتكثر التكهنات والروايات حول حقيقة شخصية وليم التي يكتنفها الغموض والإبهام، وحول حياته التي لا يعرف عنها إلا القدر اليسير. وكان رجل عصره بلا منازع على الرغم من تأثره إلى حدٍّ بعيد بمعاصريه من كتاب المسرح، وخاطب مثلهم الذوق الشعبي في عصره؛ الذوق الذي كان يهوى المآسي التاريخية بما فيها من عنف ومشاهد دامية. وقد تركت أعماله انطباعاً طويل الأمد على الأدب والمسرح، وتخطّى تأثيره حدود بلده الأصلي ولغته الإنجليزية، فكان تأثيره في ألمانيا مثلاً هو الأبرز والأكثر أهمية.

وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة قرون على رحيله، لا يزال شكسبير حاضراً بقوة في مختلف تجليات المسرح العالمي، لدرجة أن بعض الأدباء والنقاد يعتبرون نصوصه قد كتبت خصيصاً لقرننا الحالي أو الذي سبقه مباشرة. ولا تكاد تخلو أعمال مخرج مسرحي -العرب منهم على وجه الخصوص- من عمل أدبي لشكسبير أو جزء منه، أو إعادة قراءة لمسرحية من مسرحياته، أو تمثيلها كما هي بالكامل!

 فما السر الذي يجعل شكسبير حاضراً بقوة إلى هذا الحد؟ وما سر هذا الشغف الكبير في استعادة شكسبير مسرحياً؟

ويذهب بعض المطّلعين إلى أبعد من ذلك فيتساءلون حول ما إذا كان للعرب وآدابهم دور ما في تكوين شخصية شكسبير وإرثه المسرحي!

الحضور الإنساني في شخصيات شكسبير

إن أفق تلك الأسئلة مفتوح على تحليلات وإجابات كثيرة ومختلفة، يرجع بعضها تلك الاستعادة وذلك الحضور الشكسبيري البارز إلى أن شكسبير حين كتب ما كتب من أعماله المعروفة، كان يفعل ذلك وهو يستحضر كونية القيم الإنسانية التي يجسدها أبطاله، وبالتالي صارت نصوصه مفتوحة باستمرار على إمكانية إعادة التجسيد مهما اختلفت الجغرافيا الثقافية المحتضنة لها، عن البيئة الثقافية البريطانية التي أنتجت أعمال شكسبير وكانت إطاراً لها.

حضور السلطة وتمجيدها!

غير أن البعض يرجع انتشار شكسبير إلى أمور أخرى مرتبطة بانحيازه الدائم للسلطة وتمجيده لقيمها المتفوقة المتحكمة، وهو ما أدى إلى إطالة عمره الثقافي؛ لأنه بدا في كل عمل يمثل له في أي مكان في العالم خادماً للديكتاتوريات، التي تحتكر الثقافة والإعلام، وتسخرهما لمصالحها بالتعاون مع فئة من المثقفين تجيد ذلك.

العرب وشكسبير

كثر اللغط حول صلة شكسبير بالعرب، وتأثراته بهم. فمن قائل إن الرجل عربي، واسمه الحقيقي "شيخ زبير"، أو أنه مغربي اسمه "شيخ بير"، وذلك استناداً لما يقوله بعض الكتاب العرب المعاصرين (من بينهم أحمد فارس الشدياق، وانستاس ماري الكرملي، وصفاء خلوصي)، مستدلّين على ذلك بتهجئات لاسمه ورد فيها حرف الخاء بدلاً من حرف الكاف.

وعلى أي حال، لا عجب في تنافس الأمم على نسبته إليها (من أنكلوسكسون، وألمان، واسكندنافيين، وعرب وغيرهم) فالرجل ذو موهبة أدبية فريدة قلما يجود الزمان بمثلها.

الرجل في نهاية الأمر إنجليزي شئنا ذلك أم أبينا، ولكن ما يهمنا هنا هو معرفة إن كان لإبداعه الأدبي صلة بالعرب وتراثهم، والنظرة المكوّنة من قبله عن العرب، بالإضافة إلى معرفة مدى تأثّره بالثقافة العربية- إن وجد.

بين (أرانين) شكسبير وموشحات الأندلس

إذا بدأنا بالسوناتات أو (الأرانين) الشكسبيرية، فإننا سنلمس مدى التأثير العربي والذي لا يستهان به فيها فقد رأى بعض الباحثين الاختصاصيين بأنّ هذه السوناتات ليست إلا النسخة الشكسبيرية من الموشحات الأندلسية وقد نظم شكسبير ما يقارب المئة وخمسين سوناتة والتي شاع فيها الغزل على نحوٍ مماثل لأنماط الغزل العربية بمختلف ألوانها. وحفلت سوناتاته هذه بالشعراء المنافسين، والحبيبات المخطوفات، والجمال (الأسمر)، بل حتى بأوصاف البوادي والقفار وما إليها.

شكسبير وألف ليلة وليلة

وإذا تفحصنا مسرحيات شكسبير الشهيرة، مثل "أوتيللو" و"تاجر البندقية" َو"العاصفة"، فإننا سنجد العناصر العربية فيها على قدر لا يستهان به، فإن مسرحية "أوتيللو" التي ترجمها الشاعر الراحل خليل مطران بـ (عطيل)، أو كما ترجمها الدكتور صفاء خلوصي بـ (عطاء الله/ عطالله)! تدور حول مغربي نبيل يخنق زوجته (ديزدمونة) لظنه الخاطئ بأنها تخونه، وحين يتحقق له خطأ شكوكه يقتل نفسه تكفيراً عن خطيئته.

ويرى دارسو التراث الشكسبيري أن هذه المسرحية تشبه بشكل ما حكاية "قمر الزمان ومعشوقته" بل حتى بعضهم يرى أن اسم "أوتيللو" قد يكون تصحيفاً لاسم "عبيد الله الجوهري" وهو بطل حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. وفي حكاية هذا الجوهري تتماثل الخاتمة مع خاتمة المسرحية الشكسبيرية، فكلا البطلين "عطيل" الشكسبيري والجوهري في حكاية "قمر الزمان" يخنق زوجته بسبب الظن بالخيانة، بل إن الجوهري يخنق زوجته وجاريتها أيضاً. غير أن الفارق هو أن ديزدمونة لم تكن خائنة، أما زوجة الجوهري فكانت تخونه حقاً بمساعدة جاريتها.

 

 

 البروفسور "آربري" المستشرق البريطاني البارز، يرى أن شكسبير متأثر لحد كبير بحكايات ألف ليلة وليلة، حين نسج مسرحيته "عُطيل".

أما المسرحية الشكسبيرية "العاصفة" فهي تشبه حكاية "جزيرة الكنوز" من حكايات ألف ليلة وليلة، لأن كلتيهما مليئة بالشياطين والمردة والجن وألوان السحر والشعوذة، وثمة سلطان في الجزيرة تأتمر بأمره هذه الشياطين والجن والمردة.

كما ليست مسرحية "تاجر البندقية" ببعيدة عن أصول إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، ففي رأي بعض النقاد والدارسين فإن هذه المسرحية تشبه إلى نحو كبير حكاية "مسرور التاجر وزين المواصف" غير أن خاتمة اليهودي في ألف ليلة وليلة أشد هولاً من مصير اليهودي في المسرحية الشكسبيرية.

ويزيد المستعربون وبالأخص البروفسور آربري بأن تأثر شكسبير بالأدب العربي في مسرحيته هذه كان واضحاً.

وإذا تتبعنا القصص والمسرحيات الشكسبيرية الأخرى فإننا سنجد كثيراً من العناصر العربية، فما من شك أنّ مقدمة "ترويض النمرة" تعود إلى أصول عربية تستمد مادتها من حكايات ألف ليلة وليلة.

 

 

وسنجد مبالغة من بعض دارسي التراث الشكسبيري مثل صفاء خلوصي الذي رأى بأن مسرحية (هنري السادس) تكاد تكون عربية الأصول لأنها مليئة بالمجازات والاستعارات العربية وبمضامين شعرية عربية.

وإذا عدنا إلى آربري لوجدناه يؤيد تأثر شكسبير بالثقافة العربية، حيث قال: "أما الذي شخص العرب تشخيصاً حياً على المسرح الإنكليزي، فكان شكسبير".

ولمزيد من الاستقصاء سنستعين بالتاريخ، فحين بدأ وليم شكسبير بكتابة أشعاره ومسرحياته كانت الثقافة العربية قد انتشرت في كثير من أنحاء أوروبا حيث انتقلت عبر بلاد الأندلس. ولذلك يمكننا بعد كل تلك الآراء ونقائضها الوصول إلى نتيجة محددة ومختزلة وهي أن وليم شكسبير سيظل كما هو في الأصل لا ينتمي إلى ذهنيتنا العربية مهما بدت بعض القيم التي يطرحها من خلال أعماله كونية إنسانية تجمعنا بباقي البشر.

ولهذا ربما علينا قبل أن نفكر في طرح أسئلة حول شغف استعادة شكسبير، وما يمثله مسرح أو أدب شكسبير من مطابقة لهمومنا وواقعنا الحالي؛ أن نسأل سؤالاً أعمق: هل حقاً يمكن عولمة التجربة الثقافية وفصلها عن سياقاتها التاريخية المحلية لتصبح نموذجاً إنسانياً يتم تداوله عبر العالم ولو بقراءات مختلفة في الجزئيات؟ ذلك هو سؤال جدوى استعادة شكسبير في مسرحنا.