وعز الشرق أوله دمشق.. عن بؤس المشرقيين في نتائج المؤشر العربي 2022

2023.01.05 | 13:42 دمشق

دمشق الأموي
+A
حجم الخط
-A

لطالما اتسمت دول المشرق العربي وشعوبها (الأردن، العراق، سوريا، فلسطين، لبنان)، بمميزات وصفات خاصة رغم المشتركات الثقافية والحضارية مع شعوب المناطق العربية الأخرى في الخليج، وادي النيل، والمغرب الكبير. يعزى ذلك إلى مسببات عامة مثل الموقع الجغرافي الهام الذي جعلها مركزا أو حدا جغرافيا في صراعات متعاقبة، ومسببات أخرى خاصة تتعلق بالتنوع الديني، الإثني، والطائفي الذي حاولت قوى خارجية وداخلية استغلاله كذخيرة أيديولوجية واستخدامه في تعزيز الانقسام الهوياتي على قضايا سياسية. انقسام ما يزال يعصف بهذه المنطقة عاكسا أزمة الدولة الوطنية فيها رغم أسبقية نشأتها عربيا ومركزية حركات التحرر السياسي والثقافي في الوعي الجمعي العربي ككل.

حظيت الدولة الوطنية المشرقية باهتمام كبير بحثيا خاصة بعد اندلاع الربيع العربي الذي مثل تحديا غير مسبوق في ديناميات الحياة السياسية تجلى بدخول الشعوب، ولأول مرة ربما، في المجال العام ومحاولتها فرض إرادتها السياسية وتصوراتها المستقبلية خارج النخب السياسية التقليدية والأنظمة الديكتاتورية. لكن التمنيات والمطالب لم تدرك حتى الآن رغم فداحة ما قدم من تضحيات في سبيل الحرية والوصول إلى حياة أفضل للجميع. في ضوء ذلك، اعتاد الباحثون توصيف خصوصية وبؤس المشرق العربي من خلال استخدام أدوات تحليل كيفية لا كمية تعتمد بعض المؤشرات العامة في الدخل، كالناتج القومي، والثقافة السياسية، والعامل الخارجي وما شابه ذلك. على أهميتها، لم تستطع هذه الأدوات إجلاء الصورة على مستوى التحليل الفردي (micro) الذي يعكس تصورات الفرد، وأسرته، وعمله وتفاعل ذلك مع مستويات التحليل الأوسع.

من هنا، جاء إعلان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة عن نتائج المؤشر العربي لعام 2022 ليسد ثغرة مهمة في هذا المجال موفرا بيانات كمية، هي الأكبر عربيا على مستوى مجتمعات العينة، والأكثر انضباطا على مستوى المنهجية وطريقة اختيار العينة، وضبطها، والاستمارة. ولا يمكن للمرء أن يخفي إعجابه وفخره بمثل هذه المشاريع الكبيرة وبالقائمين عليها، فقد نفذ الاستطلاع في 14 بلداً عربياً وشمل 33300 مستجيب ومستجيبة أُجريت معهم مقابلات شخصية مباشرة ضمن عيّناتٍ ممثّلة للبلدان التي ينتمون إليها، بهامش خطأ يراوح بين ± 2 و3%.. وقد شارك في تنفيذه 945 باحثًا وباحثة، واستغرق ذلك أكثر من 72 ألف ساعة، وقطع الباحثون الميدانيون أكثر من 890 ألف كيلومتر من أجل الوصول إلى المناطق التي ظهرت في العيّنة في أرجاء الوطن العربي. وبهذا المعنى، يعد المؤشر كنزا لا يقدر بثمن من البيانات والمعلومات التي تتعدى أهميتها الاستخدام البحثي إلى قطاعات أخرى مثل الإعلام، والسياسة، والحياة اليومية أيضا لكونه يعكس تصورات الأفراد عن أوضاعهم العامة، وحيواتهم في جوانبها المختلفة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والدينية، والقيمية أيضا.

ما يمكن استخلاصه بعجالة وعمومية هو أن شعوب المشرق العربي هي الأكثر بؤسا مقارنة بغيرها، حيث يعتقد 74٪ من المشرقيين أن أوضاع بلادهم سيئة أو سيئة جدا.

بالعودة إلى المشرق العربي، فقد كانت نتائجه لافتة مقارنة بنتائج سكان الخليج، ووادي النيل، والمغرب. وما يمكن استخلاصه بعجالة وعمومية هو أن شعوب  المشرق العربي هي الأكثر بؤسا مقارنة بغيرها، حيث يعتقد 74٪ من المشرقيين أن أوضاع بلادهم سيئة أو سيئة جدا مقابل 21٪ فقط يعتقدون بأن أوضاع بلادهم جيدة. تحتل الأوضاع الاقتصادية قائمة الأولويات، حيث قال 47٪ من المستجيبين إن دخلهم لا يغطي احتياجاتهم وأنهم يواجهون صعوبة كبيرة في تغطية النفقات. هذه النسبة الكبيرة ليس لها مثيل في باقي المناطق حيث عبر 24٪ من سكان المغرب العربي، على سبيل المثال، بأن دخلهم لا يغطي نفقاتهم.

يحتل أداء الحكومات وفاعلية النظام السياسي أهمية كبرى في النتائج السابقة، حيث كان مستجيبو المشرق العربي هم الأقل موافقة على قيام المجالس التشريعية بدورها في الرقابة على أداء الحكومات. وبتفصيل أكثر يعتقد 49٪ من المستجيبين في هذه المنطقة أن المجالس التشريعية تمارس رقابة على الحكومة، وهي نسبة أقل من تلك الموجودة في دول الخليج العربي (61٪). أكثر من ذلك، يعتقد عموم السكان وبنسبة طاغية بلغت 91٪ من المستجيبين أن الفساد مستشرٍ في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهي أيضا أعلى نسبة مقارنة بسكان 76٪ من سكان وادي النيل الذين أجابوا عن استشراء الفساد في بلدانهم. في السياق ذاته، كان سكان المشرق هم الأقل نسبة مقارنة بباقي المناطق الأخرى ممن يعتقدون أن الدول تطبق القانون بالتساوي على الناس.

وعليه لن يكون مستغربا أن يكون سكان هذه المنطقة هم الأعلى نسبة فيمن يقول "إنّ النظام الديمقراطي وإن كانت له مشكلاته، فهو أفضل من غيره من الأنظمة"، حيث وصلت النسبة إلى 78٪ من إجمالي المستجيبين وذلك رغم تقييمهم السلبي لنتائج الثورات والاحتجاجات التي اندلعت بعد عام 2011، حيث أفاد 40 ٪ منهم بأنها كانت إيجابية.

أضف إلى ذلك، ينشغل سكان المشرق كثيرا بمسألة الاستخدام الوظيفي للدين في السياسة، وهم على هذا  الانشغال منذ أعوام كما تبرز نتائج السنوات السابقة. لكن ما يلفت الانتباه ويستدعي مزيدا من التمعن والمراقبة أن أعلى النسب المسجلة في تأييد مقولة "فصل الدين عن السياسة" كانت في لبنان والعراق مقارنة بأقل نسبة سجلت في موريتانيا وقطر. لا يعني ذلك انحيازا للعلمنة والعلمانية فما تزال الأغلبية توصف نفسها بكونها متدينة وأن الدين يلعب دورا مهما في حياتها، بل هو صرخة اعتراضية على الحركات الدينية التي تتحمل برأيهم مسؤولية ما  وصلت إليه بلادهم وأحوالهم.

لم تكن سوريا حاضرة في نتائج المؤشر العربي 2022 بسبب صعوبات منهجية، وتقنية بسبب الظرف السياسي الدقيق الذي تمر بها دفعت نحو نصف السكان لمغادرتها إلى أصقاع المعمورة، لكن القرب الجغرافي، والمشتركات الثقافية، والتقاطعات المجتمعية كلها تجعل نتائج المؤشر التي جرت في أربع دول مشرقية هي لبنان، وفلسطين، والأردن، والعراق قابلة للتعميم والإسقاط على سوريا التي لطالما مثلت " عزّ الشرق" وهي توصف اليوم أعتى درجات "بؤسه".