icon
التغطية الحية

وصل إلى هولندا وحيداً يردد عبارةَ "هل تعلمون أين أبي؟"

2021.01.06 | 17:39 دمشق

showimage.jpg
تعبيرية (رويترز)
هولندا - ترجمة وتحرير أحمد محمود
+A
حجم الخط
-A

سلط الإعلام الهولندي الأضواء على ظاهرة وصول عشرات آلاف الأطفال اللاجئين بمفردهم إلى أوروبا عموماً وهولندا خصوصاً، وذلك بعد أن وصل طفل سوري قبل فترة إلى هولندا بمفرده. 

ويتحدث موقع "ED" الهولندي في تقرير له عن قصة عثور شرطي هولندي على طفل سوري كان يسير بمفرده في محطة وقود بالقرب من مدينة هيلينفين، لم يكن الطفل يملك شيئاً سوى معطف متسخ وحقيبة مليئة بالملابس، بحسب التقرير، الذي أشار الى أن هذه قصة من قصص عشرات الآلاف من أقرانه الذين يصلون الى أوروبا كل عام. 

إذا كان هناك شيء واحد لن ينساه أبداً ضابط الشرطة (ضابط الحي) فرانس واجيماكرز (32 عاماً)، فهو نظرة عيني يوسف البالغ من العمر 10 سنوات، ومظهره الذي يعكس حياة البؤس التي عاشها، بحسب التقرير. 

إنها الساعة الثامنة والنصف من يوم 26 أكتوبر 2020، ضابط شرطة من مركز مدينة هيلموند يتلقى بلاغا استثنائيا مع زميله أليكس عن ظهور صبي يبلغ من العمر 10 سنوات وحده في محطة الوقود الواقعة على طول الطريق A67، يدعي أنه فر من سوريا. 

صبي صغير، ملفت للنظر يجلس القرفصاء، أعطته الموظفة الناطقة بالعربية في سوبر ماركت "Spar" شطيرة وزجاجة من الماء. 

اقرأ أيضاً: هولندا تستقبل لأول مرة دفعة من اللاجئين السوريين من اليونان

وبحسب التقرير، كان الطفل يجلس هناك نحيفاً، متسخاً، مرهقاً ويرتدي معطفاً ممزقاً، الشرطي الشاب شعر وكأنه أصبح للتو أباً، وأراد أن يوضح للطفل، عبر الموظفة العربية، أنهم موجودون من أجل سلامته وأنهم لا ينوون القيام بأي شيء سيئ، لكن "التواصل" كان صعب بين الموظفة والطفل الذي كان يكرر سؤاله: "هل تعلمون أين أبي؟". 

وتحدث يوسف، بعد استدعاء مترجم، عن هروبه من مخيم في سلقين شمالي سوريا قرب الحدود التركية، حيث لا يزال والديه وإخوته وأخواته الأصغر سناً. 

الطفل روى أنه مشى نحو شاحنة قرب الحدود مع تركيا، وطلب المساعدة، ثم وجد نفسه في هولندا، يقول الشرطي الهولندي: "القصة لا تصدق (..) لأنه يتم إغلاق هذه الحدود ويكون هناك بالعادة مهرب للبشر يساعد اللاجئين". 

لكن فرصة اكتشاف الحقيقة "ضئيلة للغاية" بحسب التقرير، وغالباً ما تتم برمجة الأطفال بهذه الطريقة من قبل المهربين بحيث لا ينطقون بأي كلمة، أو يخفون الحقيقة لأنهم لا يثقون بالسلطات. 

وتثير رحلة الطفل السوري "الغريبة" كثيرا من الأسئلة: كيف ينتهي الأمر بمثل هذا الطفل الصغير وحده في هولندا؟ وهل قصة يوسف "استثنائية"؟.  

الأطفال الذين مثل يوسف "معرضون للخطر"، بحسب التقرير، وبالتالي يحظون برعاية خاصة من السلطات الهولندية المعنية بحماية الأطفال.  

وهذه القصة، هي واحدة من عشرات آلاف القصص لأقران يوسف الذين يعانون ويتجولون حالياً في أوروبا بمفردهم.  

في هولندا، يظهر بحسب التقرير ثلاثة أطفال مثل يوسف كل أسبوع، ومعظمهم من سوريا التي تشهد حربا "معقدة" مستمرة منذ تسع سنوات. 

في عام 2019، وصل 180 من الأطفال القصر غير المصحوبين بذويهم ممن هم دون سن الرابعة عشرة، 95 طفلا، أي أكثر من النصف، كانوا من سوريا، تقريباً ضعف العدد الذي كان في عام 2018، حين كان عددهم لا يتجاوز الـ 50.

"الخيار الوحيد" 

كاثرين وولارد هي الوحيدة التي ترى الزيادة بأعداد الأطفال اللاجئين بأم عينيها لأنها الأمين العام للمجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين التي تدافع عن حقوق اللاجئين (القصر).  

عندما سمعت "وولارد" قصة يوسف، ظهرت ملامح الحزن على وجهها: "يا لها من قصة حزينة.. هناك عشرات الآلاف من الأطفال الصغار مثل يوسف في أوروبا الآن". 

ووفقاً  لخبراء، فإن هذا يرجع إلى قواعد الهجرة الأكثر صرامة في أوروبا، فاللجوء أصعب من أي وقت مضى، فالسياسة الأوروبية تهدف "إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، ويتم وضع الحواجز في كل مكان على الحدود، ويتم إعادة اللاجئين السوريين إلى الحدود التركية بعد انتشالهم من البحر، ونتيجة لذلك، أصبح من المستحيل تقريباً على الأشخاص  الوصول إلى أوروبا بأمان دون وجود مهرب"، حسب "وولارد". 

يبقى السؤال هنا، لماذا يتم إرسال الأطفال الصغار بمفردهم؟

وفقاً لخبراء الهجرة، فإن الدوافع مختلفة تماماً، ففي بعض الأحيان تكون قلة المال هي السبب، لذا يتم اختيار الطفل الأكبر من قبل العائلة لإرساله إلى أوروبا، وأحياناً يفقد بعض الأطفال والديهم على الطريق، لموتهم، أو إلقاء القبض عليهم، أو لأسباب أخرى. 

"أطفال في السجون" 

تقول الخبيرة التربوية إيلسي ديرلين من جامعة "غينت" إن رحلة مثل رحلة يوسف لها تأثير كبير على الأطفال، في السنوات الأخيرة بحثت "ديرلين" في آثار مثل هذه الرحلات الشاقة على الأطفال والشباب. 

تقول: "نرى أطفالًا مثل يوسف على الطريق لفترة طويلة ويقطعون طرقاً معقدة وصعبة للغاية"، وغالباً ما يتم ترحيلهم أو إعادتهم إلى الحدود، وكذلك داخل أوروبا، يتعرضون للعنصرية والعنف من قبل أشخاص يرتدون الزي العسكري"، وتشير "ديرلين" إلى الوضع الذي يُحتجز فيه اللاجئون القصر باعتباره "مصدر قلق". 

تقول كاثرين وولارد من "المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين"، إنه في بعض البلدان يتم احتجاز الأطفال في السجون، وتضيف: "في اتفاقية حقوق الطفل، وافقت الدول الأوروبية على معاملة القصر أولاً كأطفال وليس كمهاجرين"، لافتة الى أنه "يتم إنتهاك حقوق الطفل الأساسية مثل الحق في المأوى أو الأمان". 

 أسرة حاضنة 

بالعودة إلى محطة الوقود، حيث يقرر ضابط الشرطة المحلي "فرانس" الجلوس في حافلة الشرطة مع يوسف المتعب الذي "يبدأ في البكاء ويفرك عينيه بشكل متكرر".

ووفقاً للتقرير، يذهب فرانس مع الطفل مباشرة من محطة الوقود إلى أسرة حاضنة (ناطقة باللغة العربية). وفي هولندا يتم ترتيب الإيداع في حالات الطوارئ مع أسرة حاضنة من قبل مؤسسة "Nidos" لأطفال مثل يوسف، المنظمة ترتب - كطرف مستقل - الوصاية على اللاجئين القصر.  

اقرأ أيضاً: أطفال سوريون يعانون من التنمر في مدارس بلدان اللجوء

في عام 2019 ، أعلن القاضي عن 1435 وصاية على أطفال، حالات 15 بالمئة منهم مشابهة لحالة يوسف، تقل أعمارهم عن 12 عاماً. 

وحسب التقرير من المحتمل جداً أن يوسف لا يزال يقيم عند عائلة حاضنة، وفي الأيام التي أعقبت وصوله، بدأت منظمة "Nidos" ودائرة الهجرة والجنسية "IND" تحقيقاً في هويته وأصوله. 

تقول "إيلزابيث فابير" من مؤسسة "Nidos": "تتمثل الخطوة الأولى في معرفة ما إذا كان بإمكاننا العثور على العائلة (..) هذا ينجح غالباً، نحاول الاتصال بالوالدين والعثور على معلومات تساعد بدعم الطفل".  

ويجب على "Nidos"، وفقاً للتقرير، تقديم طلب للحصول على تصريح إقامة للأطفال ممن هم دون سن الثانية عشرة، ولا يمكن طلب "لم شمل" الأسرة إلا بعد أن يحصل الطفل على إقامة. 

أحيانًا يهرب الأطفال من أسرة حاضنة للانضمام إلى عائلة من "الأقارب" أو من "المعارف" مقيمة بالفعل في هولندا، ووفقاً للتقرير فإن اللاجئين السوريين غالباً ما يكون لديهم شبكة عائلية كبيرة منتشرة في جميع أنحاء أوروبا.  

والأكثر إثارة  للقلق، وفقاً للخبراء، هو العدد المتزايد للقُصر الذين يغادرون منازل العائلات الحاضنة إلى وجهات غير معروفة. 

بعد بضعة أسابيع، بدا الأمر وكأن شيئاً لم يحدث في محطة الوقود عندما تحدث الضابط فرانس عن القضية، الشاحنات تأتي وتذهب وفقدت شجيرات التوت أوراقها!. 

ما يلفت انتباه فرانس أيضاً، هو الكاميرات التي تصور محطة الوقود بكاملها تقريباً من زوايا مختلفة، هل شاهد أي شخص تلك الصور؟ ومن سيشارك حتى في تقصي الحقائق في قصة يوسف؟ يقول فرانس واغيماكرز. 

يقول الخبراء إن الأمر يتطلب كثيرا من الإجراءات الاستقصائية وفرصة النجاح ليست عالية جداً، مشيرين إلى أنه غالباً ما يكون "مهرب البشر" هو الخيار الوحيد للفرار من بلد في حالة "خراب".