icon
التغطية الحية

وصف بأنه الأسوأ.. الفوضى والإهمال أبرز سمات العام الدراسي في اللاذقية

2022.11.01 | 08:29 دمشق

صف مدرسي في اللاذقية (أرشيف)
صف مدرسي في اللاذقية (أرشيف)
تلفزيون سوريا - حسام جبلاوي
+A
حجم الخط
-A

يشكو أهالي في محافظة اللاذقية من تراجع كبير في العملية التعليمية التي يتلقاها أبناؤهم منذ بداية العام الدراسي الحالي ومن حالة الاكتظاظ الكبيرة في الصفوف التعليمية، مع عزوف حكومة النظام عن بناء مدارس جديدة وحتى تأهيل القديمة.

واللافت هذا العام انتشار ظاهرة ما تسمى "تفييش المدرسين" أي عدم حضورهم إلى دوامهم بالاتفاق مع المديرين مقابل مبالغ مالية، في حين يترك الطلاب لحصص الفراغ وفي الباحات من دون أي مردود علمي.

وكشف مصدر خاص من قرية "عين الشرقية" بريف جبلة لموقع "تلفزيون سوريا" عن حالة غضب كبيرة في صفوف سكان القرية أخيرا، بسبب مديرة ثانوية القرية "المدعومة" التي جمعت بالقوة من الطلاب مبالغ مالية، وصلت إلى 400 ألف ليرة بحجة دعم صندوق المدرسة، لكن أي شيء لم يتغير، كما تقوم المديرة بحسب المصدر بالتغطية على غياب عدد من مدرسي الصفوف وترك الطلاب في الباحة معظم الوقت.

وأكد المصدر ذاته أن شكاوى الأهالي لم تتوقف منذ بداية العام ووصلت إلى الفرقة الحزبية في المنطقة التي بررت عدم استبدالها بعدم وجود البديل، في حين لم تستجب مديرية التربية وتكلف نفسها بإرسال لجان تفتيش.

يصف أبو وائل وهو والد لطفلين أحدهما في الصف الخامس والآخر بالصف الثاني وضع المدارس هذا العام بأنه "كارثي" موضحا أن الأعوام السابقة شهدت تراجعا كبيرا بالتعليم لكن لم تكن الفوضى موجودة كما هي عليه هذا العام.

يقول "أبو وائل": "الكتب لم توزع إلا بعد شهر وجاءت ناقصة ومهترئة، والمعلمون يتغيبون كثيرا، هذا عدا حالة الازدحام الكبيرة التي باتت في الصفوف والتي تصل إلى 55 إلى 60 طالبا خاصة في المدارس الابتدائية".

ويتابع: "يوميا يقضي أبنائي أكثر من نصف وقتهم في باحات المدرسة باللعب بسبب تغيب المعلمين، بينما دفاترهم وكتبهم على حالها. قليل جدا من المعلمين من بات يهتم بالتدريس والغالبية تأتي لتمضية الوقت فقط".

معلمون فاقدون للحافز

من جانبها تؤكد بشرى وهي مدرسة لغة عربية في مدينة جبلة لموقع "تلفزيون سوريا" أن معظم المعلمين بالفعل يتغيبون عن الحصص الدراسية بسبب حالة اليأس التي وصلوا إليها، وأزمة النقل التي تصعّب عليهم الوصول إلى مدارسهم.

وتوضح بشرى أنها موظفة في قرية بريف جبلة وتحتاج لوسيلتي نقل للوصول إلى مدرستها حيث تضطر للخروج من منزلها الساعة 6 صباحا ومعظم الأحيان لا تصل قبل التاسعة رغم أن دوامها في الساعة 7 والنصف، هذا عدا أن تكاليف النقل يذهب بمعظم راتبها.

هذا الوضع بحسب بشرى دفع الكثير من المدرسين العام الحالي لتقديم استقالاتهم أو التغيب عن وظائفهم، بينما وجد آخرون فرص عمل أفضل بالاتفاق مع مديري المدارس وفق تقديم منافع متبادلة للطرفين.

وترى المعلمة الشابة أن قطاع التعليم وصل إلى أسوأ مراحله في الساحل هذا العام مع بنية تحتية متهالكة وعدم تنفيذ حكومة النظام السوري مشاريع ترميم وتأهيل للمنشآت في عموم مناطق ومدن اللاذقية، علماً أنه لم تشيّد أي مدرسة جديدة بعد عام 2011 بحسب تأكيد بشرى.

وسط مدينة جبلة لا تزال ثانوية "محمد سعيد يونس" التي تعتبر أكبر مدارس المدينة وتجمع طلاب الريف والمدينة من دون أي عمليات ترميم أو إصلاح منذ قرابة 15 عاما.

وتعاني المدرسة بحسب ما يروي الطالب محمد في الصف الثالث الثانوي لموقع "تلفزيون سوريا" من دورات مياه تالفة وغير نظيفة وانقطاع المياه معظم الأوقات بالإضافة إلى أن معظم المقاعد الخشبية متهالكة وغير صالحة في حين تغيب أي وسائل تعليمية في المدرسة التي يجب أن تكون على درجة عالية من الاهتمام بسبب اتساعها وحجم الطلاب التي تستقبله.

يعتمد محمد كما يؤكد على المعاهد الخاصة في دراسته ويخضع لدورات في معظم المواد في ظل عدم "جدية التعليم" الحكومي وغياب المدرسين المتكرر عن حصصهم. مضيفا: "حتى المدرسون باتوا يعتبرون المدرسة مكانا للإعلان عن دوراتهم الخاصة، حتى اليوم لم نأخذ من المواد سوى بضعة صفحات غير كافية للحاق بالمنهاج".

فوارق كبيرة في جودة التعليم

فرض تراجع جودة التعليم بشكل واضح الأعوام الأخيرة في المدارس الحكومية فوارق كبيرة بين طلاب استطاع ذووهم إلحاقهم بمعاهد ودروس خاصة وآخرون لم تستطع إمكانات أهاليهم مساندتهم.

ويرى طاهر وهو مدرس الرياضيات في مدينة اللاذقية أن الفوارق باتت كبيرة بشكل غير معهود مسبقا لأن معظم المدارس الحكومية باتت مكانا للتسلية وإضاعة الوقت فقط في حين بات على الطالب الذي يرغب بالحصول على درجات متفوقة الاعتماد على جهده الخاص والخضوع لدورات خاصة قد تصل كلفها إلى أكثر من 50 ألف ليرة شهريا.

كما لفت المدرس إلى أن المدارس العامة باتت تفتقر للمدرسين الأكفاء مع توجه معظمهم إلى المدارس والمعاهد الخاصة بسبب الفرق الكبير في الرواتب لا سيما في اختصاصات مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغات بينما يتعامل معظم المدرسين مع المدارس العامة على أنها عمل ثانوي ولا طائل من بذل جهد كبير مقابل راتب لا يتجاوز 30 دولاراً.

توجه نحو المدارس الخاصة

تروي ميساء (38 عاما) وهي والدة لثلاثة أبناء من مدينة جبلة تجربتها مع مدرسة ابنتها هذا العام والتي بدأت بتأخر الدوام لأكثر من أسبوع بسبب عدم وجود مياه في المدرسة، مضيفة أن ابنتها وهي في الصف التاسع لم تتلق الكتب إلا بعد مرور شهر في حين كانت تعود معظم أيامها إلى المنزل قبل نهاية الدوام بسبب وجود حصص "فراغ".

وأمام هذا الواقع فضلت ميساء نقل ابنتها إلى مدرسة خاصة رغم أن أوضاعها الاقتصادية متوسطة كما تصفها لكن يأسها من التعليم الحكومي أوصلها إلى هذه النتيجة.

وبحسب الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي زاد الإقبال بشكل كبير على المدارس الخاصة في المدينة كما زاد عدد هذه المدارس وارتفع إلى 4 العام الحالي بعد أن كان مقتصرا على مدرستين فقط قبل عامين.

ويرى جبلاوي أن الإقبال على هذه المدارس ليس بسبب الترف المادي بل لأن التعليم في المدارس العامة بات بشكل فعلي سيئ جدا ولا نتائج منه، وهو ما دفع حتى الفئة المتوسطة المادية لإرسال أبنائهم رغم أن أقساط بعض المدارس السنوية تصل إلى مليون ونصف ليرة.

مخاطر كبيرة

وحول أسباب تردي قطاع التعليم الحكومي بهذا الشكل والمخاطر المحتملة على المجتمع قالت الاختصاصية في علم الاجتماع زينب كلاوي والمقيمة في تركيا إن بناء أي مجتمع يبدأ من التعليم ووضع المدارس في سوريا من افتقار للبنية الأساسية والوسائل التعليمية وعدم مواكبة التطور وتكديس الطلاب كما يحصل وتوجيه الموازنة منذ سنوات طويلة للجيش بدل التعليم والصحة هي مدخلات تؤدي إلى نتائج نراها ونعيشها اليوم من تفشي للأمية وتأخر مستويات تصنيف الجامعات السورية وعدم اعتراف كثير من الدول بها.

وتضيف "كلاوي" في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن المخاطر لهذا الواقع كارثية وستؤدي إلى مزيد من التدهور الاجتماعي وانتشار جيل أمي وغير فاعل. كما حذرت في الوقت ذاته من خطورة التفاوت الطبقي على التعليم لأن استمرار الإهمال في المدارس العامة سيؤثر على الفئة الأكبر من أطفال الفقراء.

وكانت منظمة رعاية الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف) كشفت في آخر تقرير لها حول تعليم الأطفال أن 2.1 مليون طفل سوري يعيشون خارج مقاعد الدراسة في سوريا.