icon
التغطية الحية

ورقة اللاجئين السوريين و"العودة الطوعية".. سلاح السياسيين في تركيا

2022.05.09 | 07:03 دمشق

thumbs_b_c_5707c67aa289f57fa97664c6a7ab253d-520x290.jpg
الأمن التركي يعتقل لاجئين في إسطنبول (ناشطون)
إسطنبول - عبد الله سكّر
+A
حجم الخط
-A

"نحن بصدد إعداد مشروع جديد موسّع سيضمن العودة الطوعية لمليون شقيق سوري من الذين تستضيفهم تركيا، سننفذ هذا المشروع في المجالس المحلية في 13 منطقة مختلفة، وخاصة في اعزاز وجرابلس وتل أبيض." هذا ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فيما يتعلق بالسياسة التركية القادمة تجاه ملف اللاجئين السوريين الذي بات الملف الأكثر جدلاً على الساحة التركية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وبدء الأحزاب السياسية بحملاتها الانتخابية، وهذا ما فسره محللون وصحفيون أتراك بمحاولة سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة عبر الإعلان عن إجراءات حكومية تهدف للحد من مشكلة اللاجئين.

بينما كان الرئيس التركي يتحدث كانت أم علي تحاول أن تستوعب معنى العودة الطوعية، ولأنها لاجئة تحمل الكيملك "وثيقة الحماية المؤقتة" وتعيش في إسطنبول فإن تفكيرها انحصر بالخوف من العودة إلى الشمال السوري، "أنا أحمل كيملك إسطنبول ولكن زوجي يحمل كيملك أورفا، وهذا يعني أنه قد يجد نفسه في مركز الترحيل وبالتالي سأطلب أنا طوعياً الذهاب معه إلى أي مكان يتم ترحيله إليه وغالباً الشمال السوري"، القلق والخوف كان بادياً على أم علي وهي تتحدث معنا وعندما قالت لا أريد العودة لعدم إحساسي بالأمان غلبتها دموعها.

تحولت قضية الهجرة واللاجئين إلى البرنامج الأساسي لبعض أحزاب المعارضة التركية (حزب الشعب الجمهوري) والوحيد لبعضها الآخر (حزب النصر) وذلك تبعاً لمتابعة خطابات أقطاب المعارضة، وأصبح سلاح المحرضين ضد اللاجئين الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا إلى جانب ارتفاع نسب التضخم الذي تجاوز 60% وفقاً للأرقام الرسمية، أضف إلى ذلك انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، والانخفاض التدريجي في مؤشر ثقة المستهلك.

استغلال المعارضة للظروف الاقتصادية الحالية وضغطها المستمر على الحكومة عبر ورقة اللاجئين وتبنيها لخطاب متشدد تجاه اللاجئين أدى إلى ظهور خطاب عنصري شجع البعض على خلق الفوضى ومعالجة قضية اللاجئين من خلال تبني حلول غير منضبطة وغير مسؤولة في سياق حسابات الانتخابات الحالية.

ويحذر "برهان الدين دوران"، المنسق العام لمركز الأبحاث السياسية والاقتصادية والدراسات الاجتماعية (SETA)، من تبعات الخطاب المتشدد تجاه اللاجئين" إن الفطرة السليمة وكرم الضيافة والإنسانية في هذا البلد هي أعظم أصولنا. ومع ذلك، وللأسف، لا يمكننا أن نقول إن الكراهية ضد اللاجئين المستعرة منذ عدة سنوات لن تؤدي إلى العنصرية أو كراهية الأجانب في هذه الأراضي."

طوعية أم قسرية

ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة عودة السوريين على أجندة السياسة التركية من خلال هذه النقاشات والتصعيدات الأخيرة، بل على العكس لم تكن خارج أجندتها إطلاقاً. فمنع موجات هجرة جديدة كان أحد أهم أولويات أنقرة في تعاملها مع الملف السوري، وكانت العمليات العسكرية درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، التي بدأت في أغسطس 2016 نقطة التحول الأساسية في هذا الصدد، فأنشأت هذه العمليات بحكم الأمر الواقع مناطق آمنة محمية من هجمات النظام وحلفائه، حيث يمكن للسوريين اللجوء إليها. ووفقاً لتصريحات الحكومة فإن أكثر من 500 ألف لاجئ سوري قد عادوا بالفعل إلى المناطق الخاضعة للنفوذ التركي. بالإضافة إلى أن تصريح أردوغان الأخير حول العودة الطوعية للاجئين السوريين لم يكن تصريحه الأول في هذا السياق، فقد سبق لأردوغان أن أعلن في خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 عن خطة مصحوبة بخرائط وبيانات لعودة مليوني سوري. ولكن انتشار وباء كورونا والتطورات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي شهدها العالم والمنطقة حالت دون تنفيذ هذه الخطة.

وفي هذا السياق يصف المحامي غزوان قرنفل هذه العودة بأنها قسرية شارحاً وجهة نظره عبر منشور على صفحته على فيس بوك: "كل عودة قبل إنجاز حل سياسي شامل وبناء سلطة انتقالية تضمن للناس أمنهم وسلامتهم وكرامتهم وعودتهم لمدنهم وبلداتهم وتلجم العصابات والميليشيات وتنزع سلاحها، هي بالضرورة عودة غير آمنة وغير طوعية بل هي إعادة قسرية لبشر حاولوا التماس ملاذ آمن لكنهم لم يحصلوا إلا على السراب."

 

صورة1.png

 

مشكلات مشروع العودة الطوعية

ضيق المساحة الجغرافية التي يمكن للسوريين العودة إليها هي المشكلة الأكبر التي تواجه مشروع العودة الطوعية الذي تنتهجه الحكومة التركية، فرغم إعلان نظام الأسد عما يقارب 20 عفواً عاماً، منذ عام 2011، فإن السوريين لا يجرؤون على العودة لمناطق سيطرة النظام، كما لا يرغبون في العودة إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وذلك لعدم ثقتهم بها.

عدة أبحاث ودراسات أجريت على السوريين المقيمين في تركيا لتقييم آرائهم فيما يتعلق بمستقبلهم والعودة الطوعية إلى سوريا، آخرها ما قام به مركز (SETA)، حيث كانت خلاصة البحث أن السوريين يفضلون العودة إلى المناطق الآمنة تحت النفوذ التركي على العودة إلى مناطق سيطرة النظام أو "قسد". وأن 26.60% من السوريين يفضلون البقاء في تركيا بشكل دائم، بينما 78% من السوريين يرغبون بالذهاب إلى بلد ثالث. وكانت عوامل انعدام الأمن وضيق سبل العيش والبطالة والخوف على الممتلكات من أبرز الأسباب التي تقلق السوريين في حال عودتهم إلى سوريا وفقاً لنتائج الدراسة.

وعندما استطلعنا آراء بعض السوريين حول أسباب خوفهم من العودة إلى الشمال السوري في ظل المشروع التركي الجديد والذي يضمن بالحد الأدنى متطلبات المعيشة الضرورية، اشترك معظمهم في تفضيل العودة بعد أن يصبح الأمر آمناً لهم ولمستقبل أولادهم، وحول هذا تحدث أحمد اللاجئ السوري المقيم في تركيا وهو أب لطفلين أنه على الرغم من صعوبة إيجاد عمل في إسطنبول وصعوبة مواجهة العنصرية التي بات يخشى على أولاده منها فهو يفضل البقاء في تركيا على العودة إلى وضع غامض في الشمال السوري. بينما يقول سامي مدرس الرياضيات والمقيم في ولاية غازي عنتاب أنه في حال توافر شروط العمل والمعيشة المناسبة فإنه يرغب في العودة لإيمانه بأنه قد يسهم في نهضة قد تتحقق في الشمال السوري.

وسبق لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أجرت ثلاث دراسات منفصلة على السوريين المقيمين في تركيا في أعوام 2017 و2019 و2020 لتسليط الضوء على رغبتهم في العودة إلى سوريا، حيث أظهرت نتائج الدراسة تناقص عدد السوريين الراغبين في العودة إلى سوريا حتى لو انتهت الحرب. يوضح الشكل أدناه إجابات السوريين حول موضوع العودة الطوعية:
 

صورة2.png

 

وكان انعدام الأمن هو السبب الرئيسي لرفض السوريين للعودة، تلاه الرغبة في الحصول على الجنسية التركية واستمرار الحرب والظروف الاقتصادية السيئة في سوريا على التوالي. في حين أن 18% من السوريين قالوا "لا يوجد شيء لنا في سوريا"، بينما تمثل رفض بعضهم للعودة برغبتهم في مستقبل أفضل لأولادهم، ولأنهم بدؤوا حياة جديدة في تركيا.
يمكن القول إن موضوع العودة مطروح على أجندة كل من تركيا والسوريين، ولكن انتقاد المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري (CHP) والحزب الجيد (İyi) المستمر لسياسة اللاجئين التي تتبعها الحكومة، وتمهيدهم الطريق لانتشار مصطلح "الغزو"، قد يؤدي إلى انتشار العنصرية وكراهية الأجانب، اللذين عمل حزب العدالة والتنمية (AKP) على محاربتهما خلال السنوات الماضية. ورغم التزام الأحزاب الأخرى الصمت كحزب دواء (Deva) بقيادة علي بابا جان وحزب المستقبل (GP) بزعامة أحمد داود أوغلو، واعتراضات بعض الأحزاب الليبرالية اليسارية، لكنها لا تستطيع تأسيس لغة فعالة تسيطر على المعركة الأيديولوجية وتحد من انتشار الخطاب العنصري المعادي للأجانب.

يختلف الإعلام التركي في تناوله لقضية اللاجئين ما بين مرحب بعودتهم إلى بلادهم ومحرض عليهم، وإعلام يحاول تفسير الظاهرة من وجهتي النظر التركية والسورية بطريقة أكثر موضوعية، وحول ذلك كتب الصحفي "فرحات برينجي" في صحيفة "صباح" التركية رأياً نراه كافياً لتفسير ما يحدث: "غياب حل شامل للمأساة السورية يجعل تنفيذ الخطط التركية لإعادة اللاجئين مرهون بالظروف المحلية والإقليمية والدولية. ولهذا فإنه من الواقعي أن تلجأ تركيا إلى حلول مؤقتة تدريجية بدلاً من حل شامل لعودة السوريين في تركيا. ورغم كون تركيا الجهة الفاعلة الرئيسية في ملف اللاجئين السوريين فإنها لن تستطيع تنفيذ أيّ من خططها من دون دعم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن دون ضمانات روسية بعدم التعرض للمناطق المزعم إعادة اللاجئين إليها."