icon
التغطية الحية

"وديعة رابين وجيب كلينتون".. إسرائيل تكشف وثائق سرية عما دار بين نتنياهو والأسد

2022.06.01 | 16:51 دمشق

5555.jpg
الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يلتقي رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، حزيران/يونيو 1996 (AP)
هآرتس - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كشفت إسرائيل عن مذكرات رفعت عنها السرية مؤخراً من الأرشيف الرسمي حول الاجتماع الأول الذي جمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي بيل كلينتون، في 9 حزيران/يونيو 1996، توضح سلسلة من التعليقات والتصريحات المهمة التي ذكرها نتنياهو، حول "مفاوضات السلام" بين إسرائيل ونظام حافظ الأسد، والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.

وبحسب صحيفة "هآرتس" توضح الوثائق الجديدة كيف تراجع نتنياهو عن "وديعة رابين"، رغم شروعه بمسار التفاوض بعيداً عن أعين الإعلام، وأن الاجتماع المذكور كان على الأرجح سبباً في انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

"وديعة رابين" هي عرض شفهي سري من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، قبل اغتياله عام 1994، تتضمن استعداداً افتراضياً مشروطاً بالانسحاب من مرتفعات الجولان السوري المحتل مقابل التطبيع مع إسرائيل.

كما تعرض المذكرات تفاصيل حول آلية التفاوض أو المناورة التي اتبعها كلينتون ووزير خارجيته وارن كريستوفر بين الأسد وإسرائيل، بما يعرف بـ "جيب كلينتون"، في إشارة إلى الوديعة التي حملها كلينتون في جيبه من رابين إلى الأسد.

وجاء في الوثائق أن المفاوضات انهارت في اللحظات الأخيرة، مشيرة إلى أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي لم يكونا على يقين من أن الأسد يرغب فعلاً في عقد اتفاق من أجل الجولان أم أنه كان يفضل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.

وكشفت المذكرات إلى أي مدى كان نتنياهو مستعداً للتوصل إلى اتفاق سلام مع حافظ الأسد في تسعينيات القرن الماضي، وعن الجهود التي بذلها ليخفي أي أثر يدل سعيه للتطبيع مع الأسد.

ونشرت "هآرتس" تقريراً مطولاً حول المذكرات التي تم الكشف عنها، والتي تحمل اسم "داني نافيه"، وترجمه موقع تلفزيون سوريا كاملاً، ويسلط الضوء على مسار التفاوض الإسرائيلي مع حافظ الأسد وياسر عرفات.

 

في صيف عام 1996، سافر بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد انتخابه حديثاً وقتئذ، بعد عام من اغتيال سلفه اليساري إسحاق رابين، إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي بيل كلينتون، لأول مرة، ونظراً لأنهما من أبناء جيل واحد، من مواليد أربعينيات القرن الماضي، ويشتركان بالبيئة الثقافية نفسها، حيث درسا في جامعات النخبة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بصرف النظر عن علاقة كلينتون برابين. 

كشفت إسرائيل مؤخراً من أرشيفها الرسمي عن مذكرات لذلك اللقاء الأول الذي جمع بين الرئيسين في 9 حزيران/يونيو 1996، إذ توضح تلك المذكرات سلسلة من التعليقات والتصريحات المهمة التي ذكرها نتنياهو، لا سيما فيما يتصل بمبدأ "الأرض مقابل السلام" مع سوريا، وهذا ما يرجح أنه تسبب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، مع إعلان نيته التوقف عن توسيع مستوطنات جديدة شرقي الخط الأخضر، وقلقه من ملف تطرف المستوطنين اليهود في مدينة الخليل.

1_0.jpg
غلاف لمذكرة تم رفع السرية عنها من أرشيف إسرائيل الرسمي تتضمن معلومات حول الاجتماع الذي عقد بين نتنياهو وكلينتون، مكتوب عليها باللغة العبرية بخط اليد (حوار بين الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء نتنياهو، مؤرخة بـ 9.7. 1996) (الأرشيف الإسرائيلي)

 

وقد واصل نتنياهو تلك السياسة، خلال فترتي حكمه الأولى (1996 إلى 1999) والثانية (2009 إلى 2021) كرئيس للوزراء، وذلك عبر وساطة من شخصيات وقنوات أميركية رسمية، بهدف التفاوض مع شخصيات تابعة لنظام عائلة الأسد، إلا أن الانطلاقة ترجع إلى لقائه الأول بكلينتون، الذي لم يرفض فيه نتنياهو ما عرض عليه، إلا أنه كان يتجنب الاعتراف بذلك.

عرض إسرائيلي للانسحاب من مرتفعات الجولان

تم إدراج هذا الملف الأرشيفي تحت اسم "داني نافيه"، وهو سكرتير حكومة نتنياهو، والذي أصبح فيما بعد عضواً بحزب الليكود (اليميني الذي يترأسه نتنياهو منذ التسعينيات ولغاية الآن) ووزيراً لمدة ثلاث سنوات في حكومة أرئيل شارون. بيد أن اسم نافيه لم يذكر في تلك المذكرات، وذلك لأن المعاون الوحيد الذي ساعد نتنياهو في تلك المحاورة هو دوري غولد، مستشار السياسة لدى رئيس الوزراء، إذ كانت مهمة غولد تتلخص في عرض التعهد الذي قدمه الرئيس جيرالد فورد لرابين في عام 1975، لعناية كلينتون، وذلك فيما يتصل بمبدأ "الأرض مقابل السلام" مع سوريا.

ولكن في تلك الرسالة (التعهد الأميركي)، طُلب من رابين التمييز بين احتمال قيام عملية سلام بين إسرائيل وسوريا، وعملية تتم خطوة بعد خطوة مع مصر، لتتوّج بانسحاب كامل من سيناء، إلا أن فورد، أو لعله هنري كيسنجر، لم يصلا لمرحلة تقديم تعهد أميركي يقضي بعدم وجود ضرورة لانسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان والعودة إلى خط 1967 المتنازع عليه.

كل ما وعد به فورد حينئذ هو أنه في حال قيام "سلام عادل ودائم.. ومقبول بالنسبة لكلا الطرفين" بين سوريا وإسرائيل، فإن الولايات المتحدة ستدعم الموقف الذي "يجب أن يضمن أمن إسرائيل من أي هجوم يأتي من مرتفعات الجولان". وأضاف: "لم تخرج الولايات المتحدة بموقف نهائي بالنسبة للحدود، وفي حال قيامها بذلك، فلا بد وأن يعطي لموقف إسرائيل زخماً كبيراً بحيث أن أي اتفاقية سلام مع سوريا لا بد أن يتوقع منها أن تضمن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان".

وكان الزخم كبيراً بحق، إذ عندما وصلت المفاوضات إلى نقطة "إما القبول بكل شيء أو ترك كل شيء" مع وصول اللعبة إلى نهايتها، أصبح كما هو معروف عن السياسيين، ناهيك عن الرؤساء ورؤساء الوزراء، تسويغهم لفسخ أشد التعهدات وضوحاً.

عندما التقى نتنياهو بكلينتون، كان الأخير سائراً على درب النجاح في العملية السياسية بين العرب وإسرائيل، بعدما لعب دوراً في اتفاقيات أوسلو، وفي معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، إلا أن تحقيق أي نجاح مع سوريا بدا له أمراً صعب المنال، بالرغم من كل الاجتماعات التي عقدت وجمعت بين كبار المسؤولين العسكريين في سوريا وإسرائيل بواشنطن، تلك الاجتماعات التي حاول نتنياهو تقويضها عندما كان معارضاً لرابين.

أما داخلياً، فقد كان موقف كلينتون أقل استقراراً، إذ دخل في منافسة لتتم إعادة انتخابه مع المرشح الجمهوري بوب دول، الذي يحتل حزبه أغلبية مقاعد مجلس النواب، وهذا ما منح المتحدث نيوت جينغريتش مكاناً ليقوم من خلاله بانتقاد كلينتون باستمرار، كما أن نتنياهو لم يخف تقاربه الأيديولوجي والسياسي الضمني مع جينغريتش.

2.jpg
عرفات ونتنياهو في مؤتمر صحفي عقد بالبيت الأبيض عام 1996

 

بعيداً عن السياسة، صار نتنياهو يمشي على حبل رفيع، أو حبلين، أحدهما يصل بين المسارين الفلسطيني والسوري، والآخر بين ما تعهد بمواصلته في عملية أوسلو (ذلك الوعد الذي ذكر به حزبه عندما أعلن بأنه كان حاسماً في فوزه بالانتخابات على شمعون بيريز، عقب اغتيال رابين)، وإصراره على أنه قادر على تحسينه وذلك عبر مطالبة ياسر عرفات بمعاملته بالمثل.

الأمن والقدس

بقي الزخم الأكبر على المسار الفلسطيني، إذ من بين سبع مدن كبرى في الضفة الغربية، ست منها انتقلت لسلطة عرفات بواسطة بيريز، إلى أن أتت الانتخابات وقطعت كل ذلك التسلسل، وتحولت معها مدينة الخليل إلى شيء يقض مضجع نتنياهو ويقلق راحته.

كانت تلك هي المشكلة المباشرة، إلا أنه كان من الصعب تجاهل سوريا، إذ يشير ما ورد في ملف نافيه إلى أن نتنياهو كان على استعداد للخروج بسياسة شبيهة أو حتى مطابقة لسياسة رابين، والتي ورثها بيريز عنه لكن لم يتسن له الوقت لمتابعتها خلال فترة قيامه بتسيير الأعمال التي امتدت لسبعة أشهر فحسب، إلا أن نتنياهو لم يعترف بذلك علناً.

3.jpg
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين وهو يتابع مؤتمراً صحفياً للأسد وكلينتون

 

عندما دخل الشخص الذي يقوم بكتابة الملاحظات إلى القاعة، بعد انتهاء الجزء الخاص الذي لم يسجل من الاجتماع، علق نتنياهو بالقول بأنه ترشح وفاز بسبب مسألتين وهما: الأمن والقدس.

تشير كلمة الأمن هنا إلى سلسلة تفجيرات استهدفت حافلات إسرائيلية وغيرها من العمليات الفلسطينية التي نفذت في مطلع عام 1996، والصواريخ التي استهدفت شمالي إسرائيل خلال عملية عناقيد الغضب. أما كلمة القدس فقد استخدمت وقتئذ كشعار للتأجيج الشعبوي، ولتنبيه الناخبين المترددين من أن بيريز قد يقسم العاصمة، ويعطي جزءاً منها لعرفات. وهكذا طلب من الرئيس كلينتون نقل رسالة إلى عرفات مفادها بأن النشاط السياسي الفلسطيني خارج بيت الشرق في القدس الشرقية يقوض السياسة الإسرائيلية بشكل غير مقبول.

وكذلك الأمر بالنسبة للخليل، حيث يواجه الإسرائيليون على حد زعم نتنياهو الاحتمال الأكبر لتقويض عملية السلام، وذلك لأن ذكريات المجازر في الخليل ما تزال حية إذ قام باروخ غولدشتاين بقتل 29 مسلماً في عام 1994 (مذبحة الحرم الإبراهيمي التي نفذها المتطرف اليهودي غولدشتاين)، فضلاً عن وجود حقائق تاريخية، (هنالك أغلبية عربية تتفوق على عدد اليهود الذين وصل عددهم في عام 1929 إلى 65 يهودياً). ولهذا امتدح نتنياهو في خطاباته على الدوام هؤلاء المستوطنين اليهود الذين أصروا على العيش هناك، بالرغم من احتكاكهم المستمر مع الفلسطينيين. ولكن ضمن الأجواء الآمنة للبيت الأبيض، قدم نتنياهو وجهة نظر مختلفة تماماً.

4_0.jpg
ما ذكره نتنياهو عن المتطرفين العرب واليهود في مدينة الخليل ضمن المذكرة المسربة حديثاً (الأرشيف الإسرائيلي)

 

اشتكى نتنياهو من بيريز يومئذ بقوله: "لقد نقل لي بيريز الجزء الساخن من القضية" في الخليل، بما أنه كان على استعداد لمناصرة خصمه في الفصل في تلك القضية قبل الانتخابات، ثم عرض حالة تسوية مثيرة للدهشة عندما قال: "نعاني من مشكلات مع المجتمع اليهودي ومع عرب الخليل، وذلك لأن أشد مجتمعين تطرفاً لدى الإسرائيليين والعرب موجودان هناك".

عندما ترأس نتنياهو المعارضة ضد حزب العمل الحاكم بقيادة رابين، صار يصف عرفات بـ "المحتال"، تلك الكلمة صار يُحيلها بعد ذلك إلى رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت. غير أنه عندما وصل إلى السلطة تعهد لكلينتون في حوار معه جمعهما في شهر حزيران/يونيو بأنه سيتفق مع نظيره الفلسطيني بكل احترام.

وبالنسبة للنشاط الاستيطاني، فقد تعهد نتنياهو بعدم وقوفه في وجه توسع المستوطنات بعد اليوم، تماماً كما فعل رابين وبيريز، اللذين زاد عدد المستوطنين في عهديهما بنسبة 50% (بحسب الرسومات البيانية الواردة في تلك المذكرة)، إلا أنه سيحصر ذلك ضمن ما وصفه بالنمو الطبيعي داخل حدود البلديات القائمة. وإذا صودرت أي أرض فلسطينية، فإن ذلك لن يحدث إلا من أجل الأمن أو لمد الطرقات على حد زعمه.

"سوريا دولة مافيوية"

وعلى جدول الأعمال هذا، تحتل إيران المرتبة الثانية، ولذلك سعى نتنياهو لإقناع كلينتون بضرورة تعاونهما بشكل سري لتنفيذ استراتيجية ضد النظام الإيراني، لا تسعى "لاحتوائه، بل لانهياره" والمقصود بذلك تغيير ذلك النظام.

أما بالنسبة للأسد في سوريا، فهو برأيه رئيس عصابة مافيا، إذ قال عنه: "لديكم مافيا في الولايات المتحدة، ولدينا مافيا هنا، إذ عندما يرون منا رداً قاسياً، فإنهم يردون"، كانت تلك هي المناورة الافتتاحية التي تحدث بها نتنياهو حول شكل المفاوضات المحتملة مع سوريا.

5.jpg
تعليقات نتنياهو حول تغيير النظام الإيراني ووصف سوريا بدولة "المافيا" (الأرشيف الإسرائيلي)

 

أهي تسوية مؤقتة مع الدهماء؟ أم التعامل مع الشيطان؟ كانت فكرة نتنياهو تلك قائمة على الحصول على ثمن وليس على مبدأ، إذ قال: "أعتقد أن بوسعنا تغيير مرجعياته (يعني بذلك الأسد): فتبسم كلينتون. وتابع نتنياهو قوله: "أعتقد أنه ينبغي علينا تغيير قواعد اللعبة، فقد أصبح (أي الأسد) بغاية التبجح والتكبر، لأنه إن كان بوسعنا تغيير قواعد اللعبة، يمكننا بلوغ الهدف".

وذلك الهدف هو انسحاب جيش إسرائيل من جنوب لبنان، حيث يتمسك بمنطقة آمنة، بمساعدة عملاء من أهالي المنطقة يدعمون جيش لبنان الجنوبي. ولقد وضع نتنياهو ثلاثة شروط للانسحاب، وهي: "بعدما نزع سلاح حزب الله، وهذا لم يحدث مطلقاً، توصلنا إلى حل من أجل الاتفاق بضمانات دولية لإجراء تلك الترتيبات".

وديعة رابين وجيب كلينتون

لم يكن كلينتون نفسه متأكداً أيهما يحتل مرتبة أعلى ضمن سلم أولويات الأسد: أهي استعادة الجولان أم تسوية أمور لبنان، ولعله كان من الأفضل بالنسبة له أن تبقى إسرائيل في لبنان ليظل ينزف، بما أن بيروت كانت تعتمد على الحماية السورية. وقد كان نتنياهو مخدوعاً بما فيه الكفاية ليتساءل إن كان الأسد يرغب فعلاً في عقد اتفاق من أجل الجولان، وهذا ما دفع كلينتون الذي وجد في ذلك انفراجة، للتحدث بشكل عملي، مستغلاً أن الفرص قائمة.

 وقال كلينتون مخاطباً نتنياهو: "إن كنت مستعداً للتحدث إليه (الأسد) فإن هذا سيطرح سؤالاً قيمته 64 ألف دولار (أي سؤالاً في غاية الأهمية)، فهل ما يزال هذا الرجل يملك العرض الذي في جيبي؟"

بكل تأكيد تمثل جيب كلينتون تلك الوسيلة الشفافة القائمة على التنازلات المرفوضة، التي يقوم من خلالها وسيط بالتفاوض مع طرفين يخشى كل منهما أن يتفوق الآخر عليه بمناوراته، والأسوأ أن يتهمه ببيعها لمنافسين في المنطقة.

لخص فيما بعد سفير إسرائيل السابق إلى الولايات المتحدة، وكبير المفاوضين مع سوريا، إيتمار رابينوفيتش فكرة "مناورة الجيب" أمام مؤسسة بروكينغز، والتي تمت في 3 و4 آب/أغسطس عام 1993، في القدس ودمشق، عندما كان وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر يتفاوض مع رابين والأسد، وذلك عندما قال: "لقد أذهل رابين كريستوفر، وكل الحاضرين، عندما منحه "وديعة" تتمثل باستعداد افتراضي ومشروط لانسحاب كامل من الجولان مقابل نسخة معدلة لحزمة اتفاقية السلام والأمن التي منحها السادات لبيغين في عام 1979... وقد أخبر رابين كريستوفر بأن هذا سر كبير عليه أن "يحتفظ به في جيبه".

لم يخبر أحد بيريز، الذي كان وزيراً للخارجية أيام رابين والخصم-التابع السياسي له، بعدما دفع باتجاه عملية أوسلو التي كانت على وشك أن توقع، بأمر ذلك العرض السري، وذلك لأن رابين فضل عقد اتفاق مع الأسد على عقد اتفاق مع عرفات، مخافة أن يقوم بيريز بتقويضها في حال اكتشافه لها.

في تلك الحادثة بالتحديد، أثبت كريستوفر أنه ليس بكيسنجر ولا جيمس بيكر، إذ سافر في إجازة بدلاً من أن يواصل المفاوضات وذلك بمجرد أن علم الأسد بذلك المقترح السري، بشكل مخالف لما طلبه رابين، وتمثل رد الأسد حينئذ بالمطالبة بالمزيد مع إعطاء القليل.

6.jpg
الرئيس الأميركي كلينتون يراقب كيف يكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز اسمه باللغة العبرية بعد توقيعهما على اتفاقية مشتركة لمكافحة الإرهاب في عام 1996 في البيت الأبيض (AP)

 

وبعد اغتيال رابين، تم إبلاغ بيريز الذي أصبح رئيس الوزراء القائم بالأعمال حينذاك بأمر العرض الذي قدّمه رابين من خلال رابينوفيتش، الذي كان يعيش في مكان وسط بين شقة رابين وشقة بيريز، في تل نيفي آفيفيم بتل أبيب. لم يتم تحقيق أي تقدم خلال الفترة القصيرة التي سبقت الانتخابات في هذا السياق، ويعود أحد أسباب ذلك لقطع العلاقات مع دمشق عندما رفضت إدانة عمليات تفجير الحافلات التي نفذتها حماس.

وهنا تدخل كلينتون ليطالب إما بموافقة نتنياهو أو تأكيد رفضه للوديعة التي بقيت في جيبه، إذ كان من الواضح أنه في حال لم يجد الأسد تلك الوديعة كافية، فلا قيمة لأي شيء غيرها.

وعندئذ قال نتنياهو: "أريد قناة خلفية مع الأسد من دون أي جيب"، وحاول أن يشرح كيف أنه مدين لحالة الاستمرار في أوسلو، ولكنه ليس على استعداد لمقابلة الأسد وجهاً لوجه، حيث قال: "يختلف الالتزام الشفهي بوضع مفترض تمام الاختلاف عن الالتزام الخطي، ثم إنه تم انتخابنا بتفويض واضح، ولهذا لا أستطيع أن آخذ أي شيء من هذا القبيل تم إبرامه بصورة شفوية".

إلا أن كلينتون لم يتزحزح عن موقفه، ولهذا قال: "إن الأسد ليس ملزماً بأي شيء، لذا فإن الشيء الوحيد الذي بوسعي أن أقوله له هو إنه في حال تحقيقه لكل الشروط، عندئذ سيكون رابين على استعداد للانسحاب. لذا فإن أفضل ما يمكنني قوله اليوم هو: انظر! لقد التقيت بك دون أن تطلب مني إخراج ذلك الشيء من جيبي".

7.jpg
ما قاله نتنياهو حول "مناورة الجيب" و "وديعة رابين" (الأرشيف الإسرائيلي)

 

كان ذلك الرد جوهرياً بالنسبة لنتنياهو، ولهذا لم يرفض على الفور ما قاله كلينتون بقوله: كلا، لنتفق حتى نزيل أي لبس أو سوء فهم، ولأخبرك بأن عرض رابين السري لاغ وباطل، كما لم تكن لديه أي نية لأن يظهر ضمن أي تسريب (بما أنه خبير بتلك المسائل) يمكن أن يكشف تصديقه على "جيب" كلينتون أي عملية  الانسحاب، تماماً كما فعل رابين، بل إنه قام بدلاً من ذلك بالتلميح وليس التصريح إلى وقوفه بجانب مقترح رابين المتمثل بالخروج من مرتفعات الجولان ضمن سياق تسوية يتم التوصل إليها عبر المفاوضات، وهذا ما دفعه للقول: "لن أقول لك بأن ذلك التصديق ما يزال في جيبك".

المصدر: هآرتس