وحدة البيت السني اللبناني في مواجهة أزمة اللجوء

2019.03.14 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يكشف حال المشهد السني اللبناني عموما عن نهاية للتوجه الليبيرالي الذي كان يسمى تيار المستقبل ويطبع هويته. التحولات العميقة التي طالت الجسم السني قبل الانتخابات النيابية الأخيرة وبعدها والتي تبلورت في إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري أنه "بي السنة"، كشفت عن نزوع نحو تبني التعريف الطائفي والهوية الطائفية.

كان حزب الله يطمح منذ زمن بعيد بأن يفرض هذه المعادلة حتى تصبح الأمور عبارة عن صراع طوائف على تقاسم الحصص وتقاسم الدولة نفسها، وهو ما بدا جليا في الصراعات التي وسمت تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب فيها.

جاء الهجوم المدروس على رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في إطار حملة الحرب على الفساد التي فتحها حزب الله ليثبت جملة من الوقائع، أهمها أن الاستنفار الذي هب للدفاع عن السنيورة لم يكن تحت عنوان سياسي واضح المعالم، بل كان استنفارا سنيا خالصا دخلت دار الفتوى على خطه، وكذلك فعل الرئيس سعد الحريري، وذلك على الرغم من أن الرجل نجح في الرد على خصومه بالحجة والبرهان.

بعد ذلك برزت الحاجة الى تعميق وحدة الصف السني، فخرجت

المشكلة التي ترتبط بقضية اللجوء السوري في لبنان تتصل بأن عملية توحيد الصف السني لا تنظر إلى السوريين كسنة، بل تحرمهم من هذا الانتماء الذي يشمل معظم السوريين الموجودين في لبنان

إلى النور المصالحة التي كانت تبدو مستحيلة بين الرئيس سعد الحريري والوزير السابق أشرف ريفي، برعاية الرئيس السنيورة.

أنجز هذا المشهد تحت سقف تغطية سعودية واضحة، تكرّر أصداء صيغة قديمة تعنى بترتيب البيت السني وتوحيده لمواجهة حزب الله، وهو سياق أثبتت مآلات الأمور أنه لايستقيم لبنانياً.

المشكلة التي ترتبط بقضية اللجوء السوري في لبنان تتصل بأن عملية توحيد الصف السني لا تنظر إلى السوريين كسنة، بل تحرمهم من هذا الانتماء الذي يشمل معظم السوريين الموجودين في لبنان، في حين أن الطوائف الأخرى تعتبر أن السوريين ليسوا سوى سنة، وأن تيار المستقبل يعمل عن سابق تصور وتصميم لتحقيق غلبة ديمغرافية، تخلخل التوازن بين مختلف المكونات اللبنانية لصالح المكون السني، من خلال توطين اللاجئين السوريين.

  يسود هذا التناقض في النظر إلى اللاجئين السوريين في الوقت الذي  يعلن فيه رئيس الحكومة في كل المؤتمرات الدولية والتي كان آخرها مؤؤتمر بروكسيل أن  السوريين  ليسوا سوى عبارة عن أزمة لم يعد لبنان قادرا على تحملها، ويطالب بدعم يقدر بحوالي 9،2  ملياردولار من أجل العمل على الحد من آثارها، مشددا على أن لبنان لا يستطيع أن يستمرّ بتحمّل الآثار الإقتصادية والاجتماعية لاستضافة مليون ونصف مليون نازح.

ويناشد سعد الحريري أصدقاء وحلفاء النظام السوري للضغط عليه في سبيل إتاحة الفرصة أمام اللاجئين للعودة، ولكن نظرة النظام إلى اللاجئين تماثل نظرة التيارات المسيحية والشيعية اللبنانية إليهم، فهو ينظر إليهم بوصفهم سنة، ما يعني تاليا أن عودتهم تعني أنه لم ينتصر، وأن مشروعه الرامي إلى تدمير الغلبة الديمغرافية السنية وتحويل السنة إلى شتات أقلوي متناثر قد فشل.

واللافت أنه على الرغم من تكاثر الدعوات اللبنانية لحل أزمة اللجوء وتحميلها المسؤولية عن كل مشاكل البلد، إلا أن الدعم الذي لا يزال يصل إلى الدولة اللبنانية والمؤسسات التي تعنى بالتعامل مع قضية اللجوء، يشكل الكتلة المتحركة في الاقتصاد اللبناني الذي يسير بخطى حثيثة نحو الكارثة.

وفي ظل هذا الواقع وبعد أن نجح حزب الله في جر الآخرين إلى اعتناق التعريف الطائفي، فإن عملية الفصل بين رئاسة الحكومة وبين الطائفة السنية لم تعد ممكنة، وعليه فان كل المال الذي يمكن أن يصل الى الحكومة أو التي تخصصه المؤتمرات الدولية سواء مر عبر الحكومة، أو عبر القطاع الخاص لن يكون سوى مال سني بالتعريف، يفتح الباب واسعا أمام شرعنة مال شيعي مقابل بغض النظر عن هويته ومصدره.

المساعدات والهبات وكل دورة الاقتصاد اللبناني القائمة على اللجوء السوري ستتحول تاليا إلى جزء من السجال الطائفي، ومنطق المحاصصة الذي أحكم حزب الله رسم معالمه وتحديد تفاصيله وعناوينه العريضة.

واذا كان المجتمع الدولي يعنى بالفصل بين الحكومة والقطاع الخاص، ويعلن أن أي استثمارات لن تمر عبر الحكومة خوفا

معركة الحرب على الفساد التي فتحها حزب الله بشكل كاريكاتوري أنتجت سنية السنة في لحظة لا تمتلك فيها هذه السنية المستجدة تعريفا واضحا لمشروعها

من أن يستفيد منها حزب الله، فإن الحزب لا يزال قادرا على اختراق هذه المعادلات بقوة وسلاسة، ففي الأساس لم يكن اختياره لوزارئه من خارج التنظيم الحزبي إلا لكي ينتج هذه المعادلة القائمة على الشراكة مع القطاع الخاص بشكل يعقّد رصد وتحديد علاقته به وبعناوين تمويله الخاضعة لقوانين محاربة الإرهاب.

وهكذا فان معركة الحرب على الفساد التي فتحها حزب الله بشكل كاريكاتوري أنتجت سنية السنة في لحظة لا تمتلك فيها هذه السنية المستجدة تعريفا واضحا لمشروعها، بل تبدو وكـأنها تعاني من ولادة متعثرة وقيصرية في اللحظة التي يدفع فيها حزب الله إلى تعبئة قصوى لمواجهة الضغوطات المالية عليه وعلى راعيه الاقليمي إيران.

 قضية اللجوء هي أحد الأسلحة التي يستخدمها في وجه الجميع وخصوصا بعد أن منحه خصومه الذين يعيدون استعمال وسم "بي السنة"بغزارة ترحيبا بالصورة الثلاثية التي تضم الحريري والسنيورة وريفي كل الذخيرة اللازمة لاستخدامها في هذه المعركة.

يقول لسان حال حزب الله بما أنه بات للسنة "بي" وأن البيت السني قد صار موحدا خلفه، فليصرف على أولاده من اللاجئين السوريين السنة من حصته أما كل شيء آخر فهو حق لنا.