icon
التغطية الحية

وجيه البارودي.. الشاعر السوري العاشق وطبيب الفقراء

2021.10.07 | 09:37 دمشق

wjyh_albarwdy-_tlfzywn_swrya.png
+A
حجم الخط
-A

عَرف تاريخنا العربي -بقديمه وحديثه- عددًا كبيرًا من الأطبّاء ممّن لمعوا في سماء الأدب؛ إذ تربط الأدب بالحياة علاقة وثيقة قوامها الإنسان روحًا وجسدًا. فإذا كان الطبّ يسعى إلى معالجة ما يعتري جسد الإنسان وحياته من آفات وعلل، فإنّ الأدب ينبري لتصوير الواقع الذي يحياه المرء وبثّ الروح في جانبٍ من مساحاته المُعتمة، ويشير إلى مواطن الخلل والقصور فيه، وقد يسعى ما أمكنه إلى معالجته وطرح الحلول المناسبة.

تتيح مهنة الطبّ لصاحبها أن يرى الطبيعة الإنسانيّة وقد طرحت عنها كلّ ما يغلّفها من أقنعة، كما أنّها بمنزلة المنجم الثرّ الذي يمدّ صاحبه بصنوفٍ من الخبرات والمهارات؛ يعمد إلى توظيفها في العمليّة الإبداعيّة الخاصّة به، لينطلق الطبيب خارج حدود مهنته محلّقًا في عوالم الأدب والفنّ، وقد وصف الشاعر التشيليّ بابلو نيرودا تلك العمليّة بقوله: "عندما يُبدع الطبيب فنًّا؛ فإنّه يكون الأجمل والأصدق والأدقّ، لأنّه لا يتخيّل المعاناة البشريّة؛ بل يعيشها ويعالجها".

الشاعر والطبيب السوريّ وجيه البارودي

يُعدّ وجيه البارودي من الشخصيّات السوريّة الفريدة التي تماهت فيها شخصيّة الطبيب بشخصيّة الشاعر العاشق والثائر على الجهل والفقر والتخلّف. وقد أثار البارودي بشعره جملةً من الإشكاليّات في بيئةٍ منغلقة محافظة؛ لتعكس أشعاره شخصيّته المتمرّدة الثائرة وإنسانيّته المفرطة التي تجلّت في منحه مهنة الطبّ مفهومها العميق ومجالها السامي، فلطالما مدّ البارودي يد العون للفقراء من خلال عشرات الحوادث المعروفة التي تظهر نبله وإنسانيّته التي لا حدود لها، إضافةً إلى فلسفةٍ حياتيّة من طرازٍ خاصّ ميّزته عن أقرانه ومجتمعه المحيط في حقبةٍ زمنيّة محفوفةٍ بالأعاصير وحركات التحرّر والأفكار الجديدة التي كان البارودي من أوائل من حمل لواءها في مدينته المحافظة.

مولد البارودي ونشأته

ولد وجيه بن عبد الحسيب البارودي في حماة عام 1906 ونشأ في أسرة مترفة، والطريف أنّ البارودي يذكر في لقاءٍ مصوّر له أنّ دافع عائلته لإرساله مع أبناء عمومته لإتمام الدراسة في بيروت كان التباهي بقدرة العائلة على إرسال أبنائها إلى بيروت في فترة حرجة. إذ عصفت ببلاد الشام مجاعة إثر الحرب العالميّة الأولى، كما عصفت بالبارودي فاجعة فقدانه المبكّر لوالدته وهو ما يزال في مرحلة مبكّرة من دراسته؛ ليتزوّج والده من امرأة أخرى ويحرمه مع أخواته الأربع من الدعم الماديّ والمعنويّ، وفي وقت لاحق حُرموا من الميراث، ممّا أثار ألمًا عميقًا وثورة عنيفة في نفسه، تجلّت في قوله:

خرجتُ أشقّ طريــــق الحيـــــاة            بسيف اليقيــــــن ودرعِ الثبــــــات

وحيدًا أنــــاضل.. لا والدٌ معيـنٌ            وأمـــــــي فـــــي الهـــــالكـــــــات

ولو كــان خصمي غريبًا بطشتُ            ولكنّ خصمــــي وثيـــق الصّلات

افتتح البارودي عيادته في مدينة حماة عقب تخرّجه في الجامعة الأميركيّة طبيبًا عامًا ممارسًا، واستمر في مهنته إلى أن توفيّ عام 1996، وقد ضرب رقمًا قياسيًّا في الاستمرار بممارسة مهنة الطب لفترة تربو على السّتين عامًا.

التمرّد والثورة على المجتمع

إنّ السنوات التي قضاها البارودي في الجامعة الأميركيّة في بيروت (الكليّة السوريّة الإنجيليّة سابقًا) كان لها التأثير الأكبر في بناء شخصيّته وتكوين عالمه الفكري والنفسي؛ إذ مثّلت له بيروت بيئة متحرّرة متمدّنة منفتحة على العالم الخارجي، بخلاف مجتمعه وبيئته المنغلقة التي خاض معها صراعًا منذ اللحظة الأولى التي عاد فيها من بيروت، فقد عمد البارودي إلى خلع الطربوش في وقتٍ كان يُعدّ وضعه على الرأس عُرفًا اجتماعيًّا في المجتمع الحموي، واستبدل القبّعة به ممّا تسببّ في توجيه اللوم والنقد اللّذين أدار البارودي لهما ظهره، ولم يكترث بهما واستمرّ بتمرّده وتوجيه سياط نقده شعرًا على الظواهر المجتمعيّة المتخلّفة في المدينة.

 وقد أزعج نقد البارودي لمجتمعه فئاتٍ كثيرة، وبدأت حالات الصّدام مع المحيط تشتدّ وتقوى، ممّا دفع بعضهم إلى اتّهامه بشتم مدينته حماة وأنّه ضدّ الدين؛ إلّا أنّ ما ينفي تهمةً كهذه عنه أنّه لم يغادر حماة وبقي مقيمًا فيها لا يتوانى عن معالجة مرضاها وخصوصًا الفقراء منهم، وتلك القصائد التي كانت سببًا في التأليب عليه وجرّت التهم له، هي قصائد يتحدّث فيها عن البنية الاجتماعيّة وينقد الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة بين أبناء مدينته، أمّا السبب المباشر لهجائه مدينته فهو فشل البارودي في تجربته السياسيّة الوحيدة التي أظهرت له أنّ الفساد هو الطريق الوحيد لحجز مقعدٍ في البرلمان، وقد أشار إلى هذه التجربة في ديوانه الأوّل (بيني وبين الغواني) إذ كتب في مقدّمته لتلك القصيدة:

"جرت الانتخابات في حماة عام 1949 فلعبت فيها الحزبيّة والشعوذة والليرات السوريّة والهدايا المستوردة دورًا كبا معه العلم وديست الكفاءات، فكان لِزامًا عليّ أن أسجّل بعدستي الشعرية هذا الموقف المشين، وأنقل إلى النفوس شيئًا ممّا أشعر به من خيبةٍ وقنوط":

يعزُّ علـــيّ هجـــوكِ يا حمـــاةُ          ولكنّ الصّفات هي الصّفاتُ

أسأتُ أسأتُ حين غرستُ طيبًا          بأرضٍ لا يطيبُ بها النباتُ

أيخفــقُ عالــــمٌ والعلـــم نــــورٌ         وتظفــر بالنيـــابة شعوذاتُ      

ويشير البارودي في مكانٍ آخر إلى سببٍ ثانٍ أسهم في فشله في تلك الانتخابات النيابيّة؛ إذ سعى منافسوه إلى نشر شائعةٍ بين الناس مفادها؛ أنّ البارودي عندما ينجح في الانتخابات النيابيّة سيغادر حماة ويستقرّ في دمشق، مما جعل الناس يحجمون عن انتخابه خوفًا من فقدانهم له كطبيب.

إنّ ثورة البارودي على مدينته ـ برأي كثيرٍ من النقّاد والشعراء ـ إنّما كانت بدافع الحبّ ونقد الشرّ وإرادة الخير، كما أنّ ثورته تلك لم تكن على عامّة المجتمع؛ وإنّما على صنفٍ خاصّ من الأشرار والمتحجّرين وعلى التقاليد الضّارة، خاصّةً أنّ معظم أولئك يغلّفون أنفسهم بأقنعةٍ من التعصّب الكاذب يقول:

من ألف عامٍ على جهلٍ وغطرسةٍ        وهذه هي لم تنقص ولم تزدِ

يبلـى الزمــان ولا تبلـى طبائعهــا        كأنّها صنمٌ في متحفِ الأبـدِ

             

ثمّ يُبشّر بانقراض هذه الفئة الخبيثة، ويعللّ هذه الظاهرة الاجتماعيّة الخارجة على القيم والمبادئ بأنها مرضٌ يتكفّل الزمن وحده بعلاجه:

فالناسُ حولك مرضى في جبلّتهم        والبرءُ رهن التأنّي فانتظر لغدِ

ولسوفَ ينقرضُ الجيلُ الخبيثُ وفي     أعقابِ أشواكهِ وردٌ أغرّ ندي

والغريب أنّ هؤلاءِ ينصحون الشاعر باتّباع ملّتهم، وأن يحذو حذوهم حين يدّعون العفاف الكاذب ويظهرون خلاف ما يبطنون، يقول:

رأيتُ الناس تنصحُ لي لأبدي        خصالًا غير ما بي من خصالِ

وأخطرُ فـي برودٍ من ريـــاءٍ        فبئسَ الذئـبُ فــي جلـدِ الغـزالِ       

شكّل شعر البارودي ثورة حقيقيّة على القيم البالية والأعراف السائدة، فكان من الرواد الأوائل للثورة التقدميّة ضدّ الإقطاع والظلم الاجتماعيّ والتفاوت الطبقي

وقد برع البارودي في وصف النّفاق والرّياء بصورٍ ساخرة مُشبعة بروح الفكاهة اللّاذعة التي كانت إحدى ميزات شعره الذي يفضح فيه النفاق المُستشري في المجتمع الشرقي، حيث يجمع كلّ إنسانٍ في شخصيّته المتناقضات، أمّا البارودي فيعترفُ بتناقضه اعترافًا لا أحلى ولا ألطف، وقد يشفع لتناقضه ذاك التنازع الأبديّ بين العقل والعاطفة، يقول:

فيا صحبـي ويـا أخدان حبّـي           تعالوا فاشهدوا الذئب الأمينا

تعالوا فاشهدوا في الليل زيرًا         وعند الصّبح متّزنًــا رزينـــا

لقد شكّل شعر البارودي ثورة حقيقيّة على القيم البالية والأعراف السائدة، فكان من الرواد الأوائل للثورة التقدميّة ضدّ الإقطاع والظلم الاجتماعيّ والتفاوت الطبقي؛ على الرّغم من أصوله الإقطاعية، إلّا أنّ العلم والثقافة وضميره اليقظ الحيّ دفعه إلى مهاجمة الإقطاع وإعلانه الانحياز إلى الفقراء في قصيدته الذائعة الصّيت (الحمراء).

شاعر الحبّ والشباب

أمّا الجانب الآخر الذي أضفى الفرادة والتميّز على شخصية البارودي فهو شعره الغزليّ الذي يكاد يطغى على شعره، ولعلّ الواحة الأرحب والأكثر نضرةً في حياة البارودي وشعره هي واحة الحبّ والشباب كما يرى صديق الشاعر وراوية شعره وليد قنباز، ولعلّنا هنا نستطيع أن نشير إلى الصداقة القويّة والعميقة التي جمعت البارودي بوليد قنباز الملقّب ب (أصمعيّ القرن العشرين) لثقافته الواسعة وذاكرته القويّة التي مكّنته من الإلمام بكثيرٍ من المعارف وتوثيقها؛ إذ يرى قنباز أنّ ما يميّز البارودي عن العشّاق من القدماء والمحدثين يتجلّى في قول البارودي:

وحبّ الناس تقليدٌ وحبّي         ابتكارٌ ومثل حبّي لن يكونا

وقد كان لمجتمعه المحيط موقفٌ رافضٌ لحبّه، وقد ذهب الأمر بهم أبعد من ذلك؛ إذ عمدوا إلى وصفه بـ (دُنجوان)، فهو بنظرهم مجرمٌ آثمٌ، أمّا هو فينعتهم بالجهل، حين أبعدوا الحبّ من قائمة الأخلاق وهو أساسها وركنها الأوّل، ليصبح وأمثاله من العشّاق التعساء:

ما أتعسَ الولهان في بلدٍ إذا         نضب الهوى من روضةِ الأخلاقِ

تميّز مذهب البارودي في الحبّ والغزل ببداياته العذريّة المثاليّة، وطغى على تطلّعاته زمنًا طويلًا؛ بل كان له موقفٌ من تلك التي ترغب بحبّ واقعيّ بعيدٍ عن عالم المثاليّة، ويرى في هذا الطلب أو هذا النوع من الحبّ تشويهٌ لصورةِ الحبّ السامية في أعماقه ومخيّلته:

كوني بقلبكِ لي فلستُ متيّمًا          بنحولِ خصرٍ أو فتورِ جفونِ

أسمو بحبّكِ فوق آثامِ الهوى         واللّـذة الدنيــا لمن هـو دونــي

إلّا أنّه في الخمسين تعصفُ به ريحٌ هوجاء تحمله من روضة الحبّ البريء ذاك، إلى كنف حياةٍ جديدة على طرف نقيض من حياته السابقة التي كان ينتصر فيها للحبّ العذريّ ويعيشه في خياله؛ ليصرخ في وجه محبوبته التي تطالبه بحبٍّ عذريّ مثاليّ يشبه حبّ جميل وبثينة:

إن تطلبـي حبًّـا كحـبّ بثيـنـة              لجميلهـا، يـا بعـدَ ذاكَ المطلـبِ

ذهبت بثينة وانطوت أحلامها             وثوى جميلٌ في حضارةِ يعربِ

العصرُ عصرُ الواقعيّة فاشربي          خمرَ الغريزةِ واسكبي لي أشربِ

لم يبقَ للحبّ الواحد مكانٌ في حياة الشاعر بعد أن تقدّم به العمر، بل غدا كالعصفور يتنقّل من غصنٍ لآخر مطلقًا أغانيه وأغاريده في سبيل الجديد من الحبّ، ولكنّ المصيبة تبرز بوجهها الكالح حين تلتقي المعجباتُ بأشعاره الغزليّة معه، فتكون النتيجة مفعمةٌ بالألم للشاعر:

بالشّعر همْنَ وبي هزأنَ فليتني           أحيا كشعري فاتكًا مُستبسلا

شعري يزيـدُ فتـوّةً وطراوةً              وأنا مع السّتين يقعدني البلى

وإذا أردنا أن نتعرّف خلاصة تجربته مع المرأة بعد عددٍ من المعارك الرابحة والخاسرة التي خاضها الشاعر خلال سنواتٍ طوالٍ حافلةٍ بكلّ طريفٍ وعجيب لوجدناه يقول بكلّ صراحة:

قد بلوتُ العيش ألوانًا وقلّبتُ الأمورا  

                                    فبدا لي كلّ شيء ـ ما عداكنّ ـ قشورا

ولا بدّ لنا في هذا المقام أن نشير إلى أنّ هذه الأشعار الغزليّة للبارودي قد أثارت حفيظة زوجته وغيرتها؛ ممّا دفعها لإحراق مخطوط ديوانه الأوّل، فما كان من البارودي إلّا أن أملاه من ذاكرته، وطبعه عام 1950 في طرابلس بعنوان (بيني وبين الغواني) إلّا أنّه في مكان آخر يعتذر لزوجته عمّا بدر منه، ويعلن لها براءته من التهم التي وجّهها إليه:

يا زوجتي الحسناء هل تسمحين        بقصّ شكوايَ على العالمين

وصمتني بالشرك ظنًّا ولا شر          كٌ، فإن شئتِ علـيّ اليميــن

مُتّهـــمٌ هـــذا البـــريء الـــذي          لقّبتــه بالدنجــوان اللعيــــن                 

فلسفته في الحياة

يعبّر البارودي في شعره عن الإنسانيّة المحضة والبشريّة الصّرفة، كما يفصح شعره عن الإنسان الصّادق الذي حاد في حياته عن البهرجة والتصنّع، عاش الفنّ والحياة، وعبّر عن تجربته ومحنته، فكان الصدّق عنوان تجربته، وكان البارودي عدوًّا للسطحية والتزوير والنفاق، داعيةً للحبّ والإخاء والمُثل العليا، ولم يتوانَ الشاعر عن التمتّع بما خلق الله في الحياة للإنسان من متعٍ وجمال ولذّة بكلّ حرية وانطلاق لا تشكّل أيّ ضررٍ على حريّة الآخر:

عشْتُ طفلًا مدى الحياة بريئًا       وغريبًا في زمرةِ الأترابِ

ذاهبًا في الحياةِ مذهبَ صدقٍ       زاهدًا في النّعوتِ والألقابِ

مؤمنًا بالإخاءِ والحبّ شرعًا        ساخرًا من تفاضلِ الأنسابِ 

كما أولى البارودي اهتمامًا خاصًّا لفقراء المدينة وخصّهم بقسم وافر من رعايته، ولم تقتصر عنايته بالفقراء على معالجتهم بالمجّان، بل كان يذهب إليهم في بيوتهم ويعاينهم، فقد اقتنى في وقتٍ مبكّر دراجة ناريّة ثمّ سيارة بيجو زرقاء يصفها في قصيدة طريفة، وقبل أن يغادرهم يدسّ المال تحت وسائدهم حتى لقّبوه بـ (أبي الفقراء)، وقد افتخر البارودي بحبّه للفقراء وعداوته للمال:

بيني وبين المال قامت عـداوةٌ        فأصبحتُ أرضى باليسيرِ من اليسرِ

وأنشأتُ بين الطبّ والفقرِ إلفةً       مشيْتُ بهــا فــي ظلّ ألويــةِ النصرِ

كما أنّه كثيرًا ما يعبّر في شعره عن الارتباط القويّ بينه وبين مرضاه، وتلك العلاقة الحميمية التي تربطه بهم والتي قوامها المحبّة، وهذا مبدأ أخلاقيّ حضّت عليه الشرائع والمبادئ الاجتماعيّة السامية، فنراه يخاطب الفقراء من مرضاه:

ويا أيّهــا العافــون بينـي وبينكــم              من الحبّ مــا بينـــي وبيـن أخٍ بـرِّ

أرى فيكم الحبّ الأكيد ولا أرى          لدى مترفٍ حبًّا سوى النّكثِ والغدرِ

للبارودي نوادر كثيرة نقلها أصحابه ومرضاه حتّى شاعت بين الناس؛ إذ عُرف البارودي بالمرح وحسّ الدعابة، واشتهر بابتكاره طرقًا مميّزة في العلاج تعتمد كثيرًا على فهم الحالة النفسية للمريض؛ فيرى أنّ الحبّ والإقبال على الحياة أفضل علاج لروح الإنسان وجسده، فالشعر عنده وسيلةٌ من وسائل المعالجة غير المباشرة، وقد عبّر عن هذا المعنى من خلال قوله:

أتيتُ إلى الدنيا طبيبًا وشاعرًا     أداوي بطبّي الجسمَ والرّوح بالشّعر

تلك نبذةٌ يسيرة عن الطبيب وجيه البارودي؛ شاعر العطف والرحمة والعدالة والمساواة، داعية الحقيقة والصراحة، عدوّ الرياء والنفاق، شاعر الحريّة والانطلاق والحبّ الدائم والشباب المتجدّد، المحبّ لمدينته وطبيب فقرائها، ولعلّ مقولته الشّهيرة التي تحمل في ثناياها الطّرافة والألم خيرُ ما نختم ونلخّص بها مسيرته الحافلة، إذ يقول عن نفسه:

"أنا أقدم طبيبٍ في حماة، وأقدمُ سائقٍ في حماة، وأتعسُ عاشقٍ في حماة".