icon
التغطية الحية

واقع القطاع الطبي في مناطق النظام السوري.. الغوطة نموذجاً

2022.02.09 | 12:34 دمشق

مشفى ريف دمشق
مشفى ريف دمشق التخصصي في الغوطة الشرقية (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

تعـرَّض القطاع الطبي في سوريا، خلال السنوات العشر الماضية، لتغيـرات بنـيوية واسعة، خصوصاً في ريف دمشق، حيث دُمّر نظام الرعاية الطبية بعد عقد من الحرب بشكل شبه كامل، نتيجة للظروف الأمنية والعسكرية وهجرة آلاف الأطباء والعاملين في المجال الطبي، وهذا الأمر انعكس سلباً على السوريين في جميع المحافظات السورية.

أضرار بالغة لحقت بجزء كبير من البنية التحتية السورية، وطال الدمار القطاع الطبي بشكل خاص، وتعرّضت مئات المرافق الطبية من مشافٍ ومستوصفات للقصف والتدمير بصواريخ وقذائف النظام السوري وحليفته روسيا، ما أدّى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من العاملين في المجال الطبي، وهجرة آخرين.

وما تزال أجزاء كثيرة من سوريا تشهد نقصاً حاداً في الإمدادات الطبية، ولم يلتفت "النظام" بعد سيطرته على الكثير من المناطق الثائرة إلى إعادة تأهيل القطاع الطبي، الأمر الذي أدى إلى خطورة بالغة وصل إليها الأهالي، ولاسيما مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وانتشار الأمراض والأوبئة وعدم تنظيف مخلفات الحرب والقصف وتعقيم المياه وتأهيل الصرف الصحي.

النظام يسرق دعم الأمم المتحدة للقطاع الطبي

مع حصول النظام السوري على مساعدات من منظمات دولية لدعم القطاع الطبي وتوفير المياه المعقمة، بالتزامن مع انتشار أمراض مثل "التفوئيد والجرب والقمل وكوفيد19"، تواصلت منظمة "يونيسيف" مع "النظام" لوضع خطة عمل بميزانية إجمالية مقدارها 9.35 مليون دولار، تتضمن إعادة تأهيل نظام الإمداد بالمياه ومعالجة الصرف الصحي، كما تضمّنت الخطة أيضاً توفير 600 طن من مادة الكلور لمعالجة المياه.

ودُعمت "حكومة النظام" بميزانية كبيرة لتوفير الأدوية وإعادة ترميم المرافق الطبية، إلا أنّها لم تعمل على إعادة تأهيل أي من مرافق القطاع الطبي والصحي المنتشرة في مختلف المحافظات السورية، الأمر الذي دعا "مجلس الأمن الدولي إلى إصدار بيان بشأن عراقيل النظام السوري أمام دعم القطاع الطبي وإعادة تأهيله".

ورغم ذلك استمرت الأمم المتحدة في تقييد الدعم والمنح لـ مناطق النظام السوري، الذي واصل العمل على تحويل عقود تلك المساعدات إلى "حكومته"، وفق تقارير رسمية أكّدت ذلك، مع تورّط موظفين دوليين بتلك العقود والسرقات في مناطق "النظام".

هجرة الكوادر الطبية السورية

صرّحت نقابة الأطباء الألمانية بحسب صحيفة "ميتل دويتشه" بأنّ أكبر عدد من الأطباء اللاجئين الأجانب في ألمانيا قادمون من سوريا، حيث يوجد ما يزيد على 5000 طبيب سوري، وبحسب تقرير السياسة الخارجية التابعة للنظام السوري، للعام 2016، كان لدى سوريا ما يقرب من 31 ألف طبيب قبل اندلاع الثورة السورية، في حين يقدّر تقدير لـ منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" أن نصف أولئك الأطباء غادروا البلاد.

هجمات النظام وروسيا على المرافق الطبية

توثّق العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية مسؤولية النظام السوري وحلفائه عن 90% من وفيات الكوادر الطبية، منذ آذار 2011 وحتى العام 2021.

وبعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، نهاية أيلول 2015، نفذ الطائرات الروسيّة 300 هجوم على المرافق الطبية السورية، في أقل من عام، ومن شهر حزيران إلى كانون الأول 2016، هُوجمت المرافق الطبية 250 مرة.

وقتل أكثر من 930 عاملاً طبيّاً، منذ عام 2011، بحسب توثيق منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، التي لفتت أيضاً إلى عدم قدرتها على معرفة الحصيلة الإجمالية للهجمات، وأن عددها أكبر من ذلك بكثير.

وضع القطاع الطبي الحالي في مناطق سيطرة "النظام".. ريف دمشق نموذجاً

تمثّل حلب وإدلب وريف دمشق المحافظات التي سجّلت أعلى معدلات وفاة من الكوادر الطبية وتدمير البنى التحية للقطاع الطبي، فمن شهر آذار 2011 حتى آذار 2020، تحققت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" من 595 هجوماً على 350 منشأة طبية منفصلة، ووثّقت مقتل 923 عاملاً طبياً.

ونتيجة لارتفاع هجمات النظام وحلفائه على الكوادر الطبية تسبّب ذلك بعدم عودة عمل وتأهيل المرافق الصحية حتى في مناطق سيطرة "النظام"، كما حصل في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وبعد أكثر من ثلاث سنوات لعودة "النظام" ومؤسساته إليها وفرض سيطرتهم على كامل المناطق في ريف دمشق.

ولم تقدّم "حكومة النظام" الدعم لإعادة تأهيل القطاع الصحي في مناطق ريف دمشق، من جنوبي وغربي العاصمة وحتى شماليها وشرقيها، وما تزال معظم مشافي تلك المناطق مدمّرة بشكل كامل.

اقرأ أيضاً: الغوطة الشرقية بعد ثلاث سنوات.. خدمات بالقطارة وأمن يخنق الأهالي

على سبيل المثال ما تزال مشافي مدينة دوما والتي قُصفت بشكل كامل واستهدفها "النظام" بعشرات الغارات الجوية، آخرها ضربة بالكيماوي عام 2018، حيث لم تعد تلك المشافي صالحة للعمل وكانت تخصّصية ومجهزة لتخديم عموم مناطق ريف دمشق، لكنها دُمّرت نتيجة القصف الممنهج للمشافي.

ورغم استحالة إعادة تأهيل مشافي مدينة دوما في الغوطة الشرقية، لما لحقها من دمار شامل للبنى التحتية والأجهزة الفنية والمخبرية واللوجستية، لأنّها تحتاج إلى إعادة إعمار، إلّا أنّ وسائل إعلام النظام الرسمية والموالية زعمت إعادة تأهيل مشافي المدينة، خاصةً مشفى دوما الرئيسي.

تفنيدات ادعاءات "النظام" حول إعادة تـأهيل مشفى مدينة دوما

في مقابلة خاصة لموقع تلفزيون سوريا مع أحد ممرضي "الهلال الأحمر السوري" العامل في أحد مراكز ريف دمشق، والذي فضّل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، أجاب عن مدى جدية إعادة تأهيل مشفى مدينة دوما، أكّد عدم صحة تلك ذلك.

وأضاف أنّ بعض تجّار مدينة دوما وبجهود ذاتية بعد حصولهم على موافقات أمنية وتشكيلهم صندوقاً ضمن مبادرة أهلية ليس لها علاقة بتمويل "حكومة النظام"، أو أحد من المنظمات الأممية الداعمة للمشاريع الطبية، فقد شُكّل صندوق لإعادة ترميم بنك الدم وهو جزء صغير من مشفى المدينة، لأنّه لا يمكن لأي جهة مدنية ولا ضمن مبادرات خيرية، إعادة تأهيلهم للمشفى المدمّر بشكل كامل، إذ يحتاج ذلك إلى جهود دولية وميزانية "دولة وحكومة" وليس فقط مبادرات شعبية وذاتية.

وتابع: "ولذا فإن نتيجة تأهيل هذا القسم من المشفى لن يحل مشكلة واقع القطاع الطبي المنهار، حيث يعاني القطاع الصحي في مختلف أرجاء الغوطة الشرقية، مشكلات كثيرة ومتعددة وبعد أكثر من 3 سنوات على عودة النظام للغوطة، لم يُعد تأهيل المشافي ولا المستوصفات، ولم يدعم المراكز الطبية، التي اقتصر إعادة تأهيل بعضها على جهود ذاتية من أطباء محليين".

وأشار إلى أنّ "حكومة النظام لم تعوّض أيضاً النقص الكبير بالكادر الطبي"، مردفاً: "نحن اليوم نتحدث عن 10 سنوات مضت على الحرب السورية ولذا نتحدث عن آلاف الأطباء المهجّرين وعن آلاف الضحايا بين الكوادر الطبية وعن قطاع صحي مدمّر بشكل كامل، لدينا نقص حتى بالكوادر التي هرب منها الكثير، بعد ملاحقة مخابرات النظام لكل مَن كان له أي صلة بالكوادر الطبية العاملين في أثناء سيطرة المعارضة على الغوطة، واعتُقل بعض الأطباء والطبيبات الذين كانوا من الشهود والمعالجين لمصابي ضحايا هجمات النظام الكيمياوية، صيف آب 2013".

وبحسب المصدر فإنّ "النظام أجبر الأطباء العاملين في مشفى دوما الميداني والذي تعرّض لهجوم كيمياوي، عام 2018، على نكران جريمة الكيماوي على المدينة، بل وبعد سيطرته على مدينة دوما، شكّل النظام وفداً من الكوادر الطبية وأرسلهم إلى مؤتمر دولي في جنيف لإدلاء شهادات مزورة تحت الضغط والتهديد لإنكار حادثة قصف المشفى بالسلاح الكيماوي، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى".

وعن الواقع الطبي حالياً في الغوطة الشرقية أشار "أبو خالد" - أحد سكّان المنطقة - لـ موقع تلفزيون سوريا إلى تدني الخدمات الطبية وارتفاع تكاليف العلاج في المشافي الخاصة والمراكز الطبية، مضيفاً أنّ المستوصفات لا تلبي حاجة 10% من المراجعين، وأنّها غير مزودة بصيدليات وصرف أدوية، ولا مختبرات تحاليل، ولا أجهزة تصوير طبي.

وتابع: "اضطررت لإسعاف ابني المصاب بضربة شمس إلى مشفى خاص في إحدى مناطق الغوطة الشرقية، وبكلفة تجاوزت الـ300 ألف ليرة سوريّة في أقل من 24 ساعة"، مشيراً إلى أنّ "كشفية الطبيب الخاص في أي عيادة تتراوح ما بين الـ3000 والـ15 ألف ليرة سورية، وكلفة صورة الصدر لمرضى كورونا 10 آلاف ليرة، أمّا كلفة أجرة الغرفة في أي مشفى متواضع ليوم واحد فتزيد على 100 ألف ليرة، وقد تتميز مراكز الهلال الأحمر برخص عيادتها، إلا أن خدماتها سيئة ولا يوجد صرف دواء فيها".

يشار إلى أنّ  منظمة الصحة العالمية ضمّت نظام الأسد إلى عضوية المجلس التنفيذي في المنظمة، وسط انتقادات بسبب تجاهل الانتهاكات التي يرتكبها النظام واستهدافه للقطاع الصحي، ورغم تقرير أممي صادر، عام 2019، يؤكّد استهداف نظام الأسد للمشافي وبشكل ممنهج ومتعمّد.