icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: خطر كورونا يمثل رعباً جديداً في منطقة إدلب المنكوبة

2020.11.19 | 16:57 دمشق

virus_outbreak_syria_idlib_36347_s1440x960.jpg
واشنطن بوست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يحوم الممرضون فوق مريض ليقوموا بوضع أنبوب التنفس له بعد تدهور حالته فجأة.. الأسرّة في وحدة العناية المشددة امتلأت تقريباً عن آخرها بين عشية وضحاها. وعندما يفارق مريض الحياة بسبب فيروس كورونا يتم إخراجه حتى يتم إدخال آخر ليحل محله. ثم نرى طبيباً أعياه التعب وقد استند إلى كرسي متحرك ليلتقط أنفاسه.

إن سرعة تواتر الأحداث لابد وأن تصيبك بالدوار في أكبر مشفى خصص للعزل بمدينة إدلب السورية في شمال غربي البلاد. إذ لم تعد هنالك قذائف تسقط عليها من الخارج، ولم يعد الجرحى يتكدسون في الممرات الملطخة بالدماء في ظل اتفاق وقف إطلاق نار هش خلال الحرب السورية التي امتدت لعقد من الزمان. ومع ذلك ينشغل كادر العناية الفائقة في المشفى بسبب امتلاء الأسرة بالمرضى المسنين وهم يلهثون لاستنشاق الهواء.

فقد ارتفعت الإصابات بكوفيد-19 في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة في سوريا بسرعة هائلة، إذ بالرغم من أن الإصابات لم تظهر هناك حتى شهر تموز، إلا أن المنطقة تسجل اليوم ما بين 300-500 إصابة باليوم، والعدد آخذ بالازدياد بشكل سريع.

وتؤوي هذه المنطقة التي استهدفت بهجمات عسكرية متكررة من قبل نظام بشار الأسد حوالي أربعة ملايين نسمة، معظمهم من النازحين الذين يعيشون في مخيمات أو في أبنية غير مجهزة للسكن كونها ماتزال قيد البناء.

وقد قفزت الإصابات فجأة وتضاعفت 12 ضعفاً ما بين شهري أيلول وتشرين الأول بحسب ما أوردته الأمم المتحدة، ومن ذلك الحين وهي آخذة بالتصاعد لتصل إلى نسبة 300% وذلك بعد تسجيل ما يقارب من 11900 إصابة حتى تاريخ 16 من تشرين الثاني، أي بزيادة 8100 إصابة مقارنة بعدد الإصابات خلال الأسبوع الذي سبقه.

 

 

ومن المرجح أن يكون عدد الإصابات أعلى من ذلك بكثير، فقد تعرضت المدن إلى نسبة إصابات كبيرة، إلا أن العاملين في المجال الإغاثي يخشون من تفشي الفيروس في المخيمات المكتظة بالناس.

وهنا يحدثنا عارف شبيب وهو أحد الممرضين والفنيين البالغ عددهم 95 فرداً ضمن مشفى العزل الذي يضم 70 سريراً، وهو ثاني مشفى في مدينة إدلب، ويعتبر بؤرة ساخنة لانتشار الفيروس فيقول: "هنالك الكثير من المرضى، معظمهم في حالة سيئة، وليس لدينا الوقت الكافي لتقديم كل ما يحتاجونه".

تعتبر هذه الجائحة التي ابتليت بها حتى أكثر الدول تقدماً أكبر تحد للقطاع الصحي في سوريا، كونه تعرض لاستنزاف كبير خلال سنوات النزاع. ولهذا تسابق السلطات نفسها في نشر المعدات واللوازم حينما تستدعي الحاجة في المناطق المنكوبة بسبب الحرب.

فقد قام سائق سيارة إسعاف واسمه رامي خلف بنقل مريض مع ممرض لمدة ثلاث ساعات من مدينة إدلب إلى مدينة جنوبية حتى يتم تأمين جهاز تنفس للمريض، ولكن بمجرد أن وصلوا اكتشفوا عدم توفر الأكسجين هناك، ولهذا قصدوا وجهة ثالثة، فاستغرق الأمر منهم ثلاث ساعات أخرى.

وفي الوقت الذي أخذ فيه الممرض بالاعتناء بالمريض الغائب عن الوعي بإحدى يديه مع تشغيله لجهاز لاسلكي بيده الأخرى بحثاً عن معدات تنقذ حياة هذا المريض، قطعت سيارة الإسعاف أكثر من 125 كم.

وهكذا جلس رامي خلف عجلة القيادة والعرق يتصبب منه وهو يقود لمدة سبع ساعات مرتدياً بزة وقاية مع كمامة وأخذ يقود سيارة الإسعاف في طرقات غير ممهدة وممتلئة بالمطبات التي تشكلت بسبب القصف، ويحدثنا عن تلك التجربة فيقول: "إننا نعيش تجربة قاسية جديدة".

ولكن على الأقل لا يتوجب على رامي تفادي القذائف، إذ كثيراً ما تم استهداف الطواقم الطبية والمشافي من قبل قوات النظام التي اتهمتهم بمعالجة "إرهابيين" بما أنها تلصق دوماً صفة الإرهابي بأي مقاتل ضمن صفوف المعارضة.

غير أن نقل المرضى المصابين بفيروس كورونا يمثل تحدياً جديداً، فقد نقل رامي حوالي 50 مريضاً خلال عشرة أيام، بالرغم من أنه لم يقم بأي عملية نقل لأي مريض فعلياً خلال شهر تشرين الأول. ولهذا أصبح يبتعد عن أطفاله لمدة يومين أو ثلاثة أيام لئلا ينقل إليهم العدوى، لذلك يقول لنا: "إنه رعب جديد يتجول بيننا".

وتتنافس إعلانات النعي عن حالات الوفاة من جراء الإصابة بالفيروس على وسائل التواصل الاجتماعي ومكبرات الصوت في المساجد مع الملصقات التي تمجد من قتلوا في ساحة الوغى، إذ بلغ عدد من توفوا بسبب كوفيد-19، 95 حالة.

ومع بدء أمطار الشتاء التي تحمل معها نذر الحرب المتجددة، يتنامى الخوف من عدم قدرة الطواقم الطبية المنهكة على تلبية الاحتياجات.

إذ إن 17% تقريباً من الإصابات كانت من نصيب العاملين في القطاع الصحي الذين كانوا أول من انتقل إليهم ذلك الفيروس، الذي توفي بسببه ثلاثة أطباء على الأقل بالإضافة إلى مدير. وقد وجد العاملون في المجال الطبي أنفسهم بعدما نجوا من المعارك يحاربون عدواً لا مرئياً يدفع صبرهم ومرونتهم وتحملهم إلى حدود قصوى جديدة.

إذ بخلاف ما يحصل مع الجرحى بسبب الحرب، يمكن تخصيص نوبة كاملة مدتها 24 ساعة لمصاب واحد بكوفيد-19 حسبما ذكر السيد شبيب المختص في وحدة العناية المركزة، حيث قال: "إننا نعمل ست أو ثماني ساعات بلا توقف دون أن نجلس حتى، فهذا العمل شاق للغاية".

وفي مشفى الزراعة، كان معظم المرضى المصابين بكوفيد والبالغ عددهم 42 من كبار السن، ولهذا حصل 16 منهم على الأقل على شكل من أشكال المساعدة التنفسية، بحسب ما ذكره الدكتور صلاح الدين الصالح المسؤول عن وحدة العناية المركزة في المشفى الذي تديره الجمعية الطبية السورية الأميركية.

ويخبرنا هذا الطبيب أنه رفض استقبال بعض المرضى، وقال: "إننا نعمل بالطاقة القصوى، وكل الأسرة الموجودة في وحدة العناية المركزة مشغولة، وفور فراغ أي سرير يتم إدخال مريض جديد".

وفي شمال غرب سوريا تلك المنطقة التي بقيت خارج سيطرة النظام طيلة العقد المنصرم، أصبحت عملية توزيع المواد الإغاثية معقدة كما هي حال سياسة النزاع.

إذ بحسب ما أوردته فرقة المهام الأممية التي تقوم بتنسيق تلك الجهود، هنالك ما لا يقل عن 142 سريرا في وحدة العناية المركزة و155 جهاز تنفس جاهزة للاستعمال في تلك المنطقة. إلا أن الخطة تقضي الوصول إلى 219 سريرا في وحدة العناية المركزة و162 جهاز تنفس. ويعمل في مراكز كوفيد-19 حوالي 500 طبيب وممرض.

إلا أن سبعة مشافٍ من أصل ثمانية في شمال غربي سوريا والمزودة بالمعدات اللازمة لمجابهة الفيروس تعج بالمرضى بالأصل.

وحول هذه النقطة يخبرنا سالم أبودان رئيس مديرية الصحة في إدلب فيقول: "إن زيادة إصابات كوفيد والحالات التي تم استقبالها في المشافي وشغل سائر الأسرة تقريباً في وحدات العناية المركزة يجعلنا نقترب من حالة الطوارئ".

هذا وترتفع الإصابات أيضاً في المخيمات المكتظة التي تؤوي حوالي مليون نسمة من النازحين منذ آخر هجوم عسكري للنظام في شهر آذار الماضي.

إذ يخبرنا الدكتور ناصر المهاوش الذي يقوم بجمع بيانات حول الفيروس من مقره في تركيا بأن 8% فقط من الإصابات في المخيمات قد تم تسجيلها، ولهذا تقوم الفرق الطبية بزيادة عمليات الفحص.

وبالنسبة للسوريين الذين نجوا من كثير من المصاعب، يبدو الفيروس آخر هم يقلق بالهم، وذلك لأن التباعد الاجتماعي أمر شبه مستحيل هناك، بوجود خيمة واحدة أو مأوى مؤقت واحد يؤوي ما بين تسعة إلى أكثر من عشرين شخصاً، بعضهم نزح أكثر من مرة.

وحول ذلك تحدثنا ميستي بوزويل مديرة هيئة الدفاع في الشرق الأوسط لدى لجنة الإنقاذ الدولية فتقول: "لقد عانى الناس في إدلب من آثار أسوأ للنزاع على مدار عشر سنوات. ولهذا يخبرنا كثيرون منهم.. بأن تجربة النزوح أقسى بكثير من أي شيء قد يحمله لهم كوفيد. وهنا أعتقد أنه يجب علينا أن نتحفظ ونقول: "حتى الآن".

ومع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا، وهبوط قيمة العملة السورية وتضاؤل الموارد في مناطق الحرب، ارتفعت حتى أسعار الماء والصابون.

ولهذا يصف لنا الأهالي الذين دعم بعضهم البعض خلال فترات العنف إحساساً جديداً بالخوف، إذ يقول ياسر عبود وهو أب لثلاثة أولاد ولديه سبعة من أقاربه مصابون بكوفيد: "لا أبارح بيتي إلا لشراء الخبز والطعام، فأنا مريض بداء السكري وأخاف أن تنتقل العدوى إلي".

فقد توفي جار له بمرض كوفيد-19، إلا أن السيد عبود خشي أن يودعه إلى مثواه الأخير.

ومع ظهور شبح استمرار القتال الذي بات يلوح في الأفق ويهدد بموجة نزوح جديدة، تخشى بوزويل من احتشاد "عاصفة كاملة" لاسيما مع ارتفاع عدد الإصابات كما حدث في أوروبا والولايات المتحدة.

وإلى جانب كل ذلك تنتشر المعلومات المغلوطة حول الفيروس أيضاً، ومنها أن أكل الثوم والبصل يساعد في الوقاية من المرض، فيما يعتبر البعض الكمامة دليلاً على الإصابة، مما يزيد من وصمة العار التي تلحق بمن يتكتمون على الخبر، أما الأطفال فقد اخترعوا لعبة يقومون من خلالها بجلب كمامة ملقاة على الأرض في الشوارع ثم مطاردة بعضهم البعض وهم يصرخون: "كوفيد.. كوفيد!"

المصدر: واشنطن بوست