icon
التغطية الحية

واشنطن بوست تنشر تفاصيل عملية إسرائيلية أعادت رفات جندي من سوريا

2019.07.11 | 18:07 دمشق

حاييم كوهين عالم الأنثروبولوجيا يفحص عظام بشرية في مختبر بتل أبيب. (واشنطن بوست)
واشنطن بوست - ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

كشف تحقيق لصحيفة واشنطن بوست الأميركية عن تفاصيل عملية "أغنية حلو ومر" التي قامت بها إسرائيل لاستعادة جثامين جنودها الذين فقدتهم في معركة السلطان يعقوب بلبنان.

وقالت الصحيفة أن العملية تمت بمساعدة القوات الروسية التي سابقت تنظيم الدولة إلى مقبرة مخيم اليرموك جنوب دمشق ونبشت القبور بحثاً عن رفات الجنود الإسرائيليين.

وأشار التحقيق إلى وصول رفات أكثر من عشرة أشخاص إلى مخبر طب شرعي في إسرائيل لتأكد من هويتها، وتم دفن الرفات التي لم تكن للجنود في مقبرة مجهولة قال الجيش الإسرائيلي إنها مخصصة لـ "الإرهابيين".

في ما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لتحقيق واشنطن بوست كاملا:

منذ عشرات السنين قام المركز الوطني للطب الشرعي في إسرائيل بإجراء اختبارات على بقايا هياكل عظمية تم استخراجها من الحدود الشمالية للبلاد، وذلك للتحقق من أن الحمض النووي يماثل ذاك الذي يعود للجنود الإسرائيليين المفقودين في عملية تمت خلف خطوط العدو في لبنان أو سوريا.

ويشرح تشين كوجيل رئيس مركز الطب الشرعي ذلك بقوله: "كانوا يأتوننا بعينات من حين لآخر، إذ كانوا يأتون ببقايا أجسام بشرية، أو بعظام. وكنا دوماً نقول: ربما في هذه المرة، ربما في هذه المرة.." إلا أنه لم يكن هنالك أي تطابق.

 

غير أنه مع مطلع هذا العام وصل كيس يحوي عظاماً، وبمجرد أن تم فتحه، بدا الوضع مبشراً، إذ قرر العاملون على الفور بأن تلك العظام تعود للرقيب الأول زكاري بوميل الذي فقد في لبنان منذ 37 عاماً.

تم استخراج رفات بوميل من مقبرة في مخيم للاجئين الفلسطينيين بضواحي العاصمة السورية دمشق، والتي ماتزال منطقة معادية منذ أن دخلت إسرائيل وسوريا في حالة حرب.

لقد شب قاطنو هذا المخيم وهم يسمعون شائعات حول جثث تعود لجنود إسرائيليين مفقودين دفنت بين القبور، غير أن المكان الصحيح لها بقي طي الكتمان.

بدأت عمليات الحفر في المقبرة مع مطلع عام 2013، هذا ما ذكره القاطنون في مقابلات أجريت معهم، وكذلك على مدار السنوات التي تسابقت فيها جماعات الثوار ومقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية للبحث عن أي عنصر مهم للمساومة والبيع في سياق الحرب التي أثارت الفوضى في سوريا. ولطالما راقب المسؤولون الإسرائيليون الديناميكيات المتبدلة والمتغيرة لتلك الحرب، بانتظار اللحظة التي يمكنهم فيها استعادة ما تبقى من رفات جنودهم.

وفي نهاية المطاف، تمكنت القوات الروسية التي تدخلت في الحرب لدعم بشار الأسد من استعادة رفات بوميل، وقامت بإعادته إلى إسرائيل.

بيد أن عمليات البحث لم تنته بعد، إذ ذكر ناشطون في المعارضة السورية في مقابلات أجريت معهم بأن الجنود الروس والسوريين واصلوا عمليات الحفر في المقبرة، وذلك بحثاً عن ضريحين لجنديين إسرائيليين آخرين فقدا مع بوميل، إلا أن مسؤولاً مقرباً من النظام ذكر بأن الجنود يقومون بحماية المقبرة، بدلاً من استخراج الجثث منها، كما رفضت السفارة الروسية في تل أبيب التعليق على الخبر.

 

ستة جنود مفقودين

وقع اشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية في حزيران من العام 1982 خلال معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع اللبناني، إذ كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت لبنان منذ بضعة أيام مستهدفة بذلك وجود منظمة التحرير الفلسطينية.

أما بالنسبة لبوميل، فهو إسرائيلي أمريكي ولد في بروكلين، وكان يقود دبابة حينما قامت القوات السورية بمهاجمة قطعته العسكرية. أصيبت الدبابة، فقفز بوميل والطاقم العامل معه من المركبة المحترقة، ليصبحوا جميعاً في مرمى النار.

بعد ذلك أصبح بوميل في عداد المفقودين مع خمسة من رفاقه.

وحول ذلك يعلق دايان بريليز وهو صحفي لدى صحيفة تايم بأنه رأى العديد من الجنود الإسرائيليين ضمن عرض عسكري مر بدمشق، بالإضافة إلى مشاهدته للدبابة التي تم اغتنامها، ثم وصل ذلك الموكب إلى نقطة خارج مبنى سرايا الدفاع، وهي قوات تضم النخبة ويرأسها رفعت الأسد شقيق رئيس النظام السوري السابق. غير أن الصور التي التقطت للعرض العسكري غير واضحة ولا يمكن التعرف من خلالها على هوية أي جندي إسرائيلي.

وأحد رجالات ذلك الطاقم وهو الرقيب أول أرييل ليبرمان الذي أسرته القوات السورية بعد يوم من وقوع تلك المعركة، فقد تم تحريره ضمن صفقة لتبادل الأسرى تمت بعد عامين من ذلك التاريخ. وفي عام 1985، تم إطلاق سراح أسيرين إسرائيليين آخرين بعد تلك الحرب، ومن بينهما قائد دبابة بوميل هيزي شاعي، وذلك ضمن صفقة أخرى لتبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وهي عبارة عن مجموعة مسلحة فلسطينية مقربة من النظام السوري. كما تم تسليم رفات قائد دبابة أخرى ضمن قطعة عسكرية في نهاية الأمر.

هذا وقد تمت استعادة دبابة بوميل في آخر المطاف، حيث قام السوريون بتسليمها لروسيا التي حفظتها للعرض في متحف موسكو للدبابات قبل أن يستجيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويعيدها خلال عام 2016.

غير أنها لا تحتوي على أي أثر لبوميل ورفيقيه وهما ملقم المدفع زفي فيلدمان والعريف يهوذا كاتز.

 

تصيد القبور الخفية

لعل الفلسطينيين الذين عاشوا في مخيم اليرموك للاجئين حيث استبدلت الخيام بأبنية اسمنتية متلاصقة منذ أمد بعيد يرفضون الشائعات حول أضرحة الإسرائيليين المدفونة لديهم بكل بساطة. ولكن منذ عشر سنوات خلت، بدأت مكالمات ورسائل نصية بدون اسم تصل لسكان تلك المنطقة، يعتقد أنها أرسلت من قبل المخابرات الإسرائيلية، لتعرض عليهم مكافآت حول أي معلومات حول رفات الجنود، وهكذا أصبح سكان المخيم على قناعة تامة بأن الأضرحة موجودة في مكان ما ضمن تلك المقبرة.

وحول ذلك يعلق ثائر السهلي وهو شاعر ومخرج هرب من مخيم اليرموك ليعيش في هولندا خلال عام 2014 بالقول: "الكل يعرف ذلك، الكل.."

غير أن المكان الذي دفنت فيه تلك الجثث ظل طي الكتمان بين كبار الشخصيات ضمن الفصائل المقاتلة الفلسطينية المسؤولة عن المخيم وبين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة وكذلك حركة فتح.

ومع انزلاق سوريا نحو الحرب في عام 2011، انتقلت السيطرة على المخيم إلى الثوار السوريين والمجموعات الفلسطينية التي تحارب النظام السوري.

وبالرغم من أن نتنياهو قد ذكر بأنه تقدم بطلب لروسيا لاستعادة رفات الجنود في عام 2017، غير أن سكان اليرموك يقولون بأن إسرائيل توجهت لطلب المساعدة من مجموعات الثوار السوريين قبل ذلك بكثير، بحسب ما ذكره هؤلاء القاطنين.

فخلال عام 2013، قامت مجموعة ثائرة ضد النظام بحفر حفرة بالقرب من مدخل المقبرة، بحسب ما يتذكره ثلاثة من المقيمين في المخيم، حيث ادعى الثوار أنهم يبحثون عن أسلحة قديمة تم إخفاؤها منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن ادعائهم لم يقنع كثيرين. وعندما اقتحم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية مخيم اليرموك عام 2015، كانوا على معرفة بلا شك بوجود جائزة قيمة داخل تلك المقبرة.

وحول ذلك يصرح أحد سكان المخيم الذي اشترط عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: "ظلوا يحفرون بين القبور لفترة من الزمن" فيما يذكر قاطن آخر بأن المقاتلين اتخذوا من حجة تدمير القبور الوثنية ذريعة للبحث.

وبمرور السنوات تضاعف تواجد القوات الروسية ليقلب كفة الحرب ضد الثوار السوريين، وهنا طلبت إسرائيل مساعدة موسكو، إذ خلال المفاوضات المتعلقة باستسلام الثوار وانسحابهم، طالبت روسيا بدورها تلك القوات التابعة للمعارضة خلال العام الماضي بمساعدتها في استعادة شيء من المقبرة، بحسب ما ذكره شخص كان على علم بما جرى في تلك المحادثات، والذي شرح ذلك بقوله:

"كان سباقاً مع الزمن، بل مباراة بين داعش التي ظلت تبحث عن تلك الأضرحة، والروس الذين رغبوا بالحصول عليها. ولهذا طلبوا مساعدة المعارضة في الدخول والخروج".

ثم كشفت روسيا عن ذلك لاحقاً وذكرت بأنها شرعت بعملية ضمن مناطق سيطرة تنظيم الدولة خلال الفترة ذاتها، وذلك ضمن الجهود التي بذلتها لاستعادة جثامين الإسرائيليين. فيما ذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن إسرائيل قامت بتزويد إحداثيات محددة، بيد أن العملية منيت بالفشل، إذ تعرضت القوات الروسية لهجوم أصيب خلاله أحد جنود القوات الخاصة الروسية.

وفي نهاية الأمر، وضمن جهود سميت بعملية "أغنية حلو ومر" قامت بها إسرائيل، تمت استعادة رفات بوميل بنجاح. وكشفت إسرائيل وروسيا عن بعض التفاصيل حول تلك المهمة، غير أنهما لم تكشفا كيف تم نقل الرفات إلى إسرائيل، فيما أكد مسؤول عسكري إسرائيلي في حديث اشترط فيه عدم ذكر اسمه لأن المعلومات التي تقدم بها لم يتم الكشف عنها بصورة رسمية، أكد بأن الجثمان استعيد من اليرموك، وذكر بوتين بأن الجثة تم انتشالها بمساعدة "شركاء سوريين" على حد وصفه.

مسار عمل الطب الشرعي

إن المظهر المهلهل لبناء مؤلف من ثلاثة طوابق يربض بعيداً عن الطريق في تل أبيب يناقض الدور المركزي للجهود الإسرائيلية التي بذلت لاستعادة قتلى الحرب، وذلك لأنه مركز الطب الشرعي الوحيد في إسرائيل.

كان ذلك المركز قد حصل مسبقاً على عينات يعتقد أنها مأخوذة من غاي هيفير، وهو جندي اعتبر في عداد المفقودين بعد خروجه من قاعدته العسكرية في مرتفعات الجولان عام 1997، غير أنها لم تكن له، ولم يظهر أي تطابق مع العديد من العينات الأخرى التي يعتقد أنها تعود لرون آراد، وهو طيار اعتبر مفقوداً في عام 1986 بعدما لفظته طائرته أثناء عملية قصف استهدفت جنوب لبنان.

ولكن عندما وصلت الأكياس من مخيم اليرموك أخيراً، تم فتحها داخل غرفة في قبو، وحول ذلك يشرح لنا كوجيل بالقول: "كان وضع إحدى الجثث مأساوياً للغاية، وبالطبع بعد تنظيفها، رأينا نعل الحذاء وقد كتب عليه بالعبرية. كما شاهدنا الملابس العسكرية التي كتب عليها بالعبرية من الجهة الخلفية، فأدركنا بأن هذه الجثة ربما تعود لأحد الأشخاص الذين نبحث عنهم".

قام مركز الطب الشرعي بمقارنة رفات تلك الجثة بقاعدة بيانات للحمض النووي أخذت من أقرباء المفقودين فظهرت حالة التطابق بينهما.

وعند وصول التأكيد على ذلك، بكى بعض الضباط الذين رافقوا الجثة، ويعقب على ذلك كوجيل بالقول: "في الثقافة الإسرائيلية من المهم أن نظهر اهتمامنا بالجنود وسعينا لإعادتهم إلى وطنهم".

بيد أن مركز الطب الشرعي لم يكشف عن سبب أو تاريخ وفاة بوميل، إلا أن هايم كوهن وهو عالم أنثربولوجي شرعي ذكر بأنه لا وجود لأي دليل على أنه قتل بالرصاص، بل تعرض لضربة بأداة حادة في حوضه ويده، وتبين بأنه تعرض للجرح الذي أصاب يده قبيل وفاته.

وتشير الرواسب الخضراء على العظام بأنه دفن داخل تابوت معدني. وأخيراً رقد بوميل بعد جنازة عسكرية أقيمت له في القدس خلال نيسان الماضي.

 

مسألة كرامة

أخذ الفلسطينيون في مخيم اليرموك يتبادلون الاتهامات حول الجهة التي كشفت عن موقع رفات بوميل للروس.

بالنسبة لحركة فتح التي كان لها دور تاريخي في الإشراف على المقبرة، فقد أنكرت قيامها بالكشف عن المعلومات، فيما ذكر أنور رجا وهو أحد كبار القادة المنافسين لفتح في اليرموك والتابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بأن الجبهة لم تتورط في استعادة تلك الجثث، وعلق بالقول: "لقد دخل الروس بأنفسهم وخرجوا من الموقع"، وأضاف بأن الروس استخرجوا ما يقرب من عشر جثث.

أما إسرائيل فقد ذكرت بأنها لم تعقد أي اتفاق لتبادل الجثث، غير أنها أطلقت سراح أسيرين سوريين في بادرة حسن نية.

وفي مركز الطب الشرعي بتل أبيب، قام العاملون هناك بفحص كل ما تبقى من تلك الجثث التي تم الحصول عليها، ولكن دون القيام بعمليات مطابقة أخرى. وذكر هؤلاء العاملون بأن جميع العظام التي تعود لسوريين أخذها الجيش الإسرائيلي، لكنه استبقى إحداها في اليوم الأخير.

وحول ذلك ذكرت نوريت بوبيل وهي تمسك بعظمة فخذ كبيرة التقطتها من على طاولة مختبر فحوص الحمض النووي لديها وقالت: "هذه من سوريا وليست من بوميل" وأضافت بأن الجيش سيعود في وقت قريب لاستعادتها.

أما الفريق جوناثان كوريكوس وهو الناطق باسم الجيش الإسرائيلي فقد ذكر بأن الجثث التي لم يتم التعرف عليها من المحتمل أنها تعود لفلسطينيين وسيتم دفنها في مقبرة "الإرهابيين" ضمن قبور مجهولة وفي موقع لن يتم الكشف عنه.

وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين عاشوا في مخيم اليرموك فإن عملية نبش مقبرتهم، التي تعرضت للسلب والتدمير البالغ، تمثل الحلقة الأخيرة من مسلسل مؤلم، ولهذا فقد طالبوا إسرائيل بإعادة الرفات الذي لا يتطابق مع الحمض النووي للإسرائيليين المفقودين.

وحول ذلك يعلق السهلي بالقول: "المسألة مسألة كرامة بالنسبة لنا، أعني مقبرة اليرموك، فقادتنا دفنوا فيها، وأبناؤنا كذلك، وقد قاموا باستخراج الجثث دون أدنى احترام. يجب أن تبقى تلك الجثث مدفونة مع عائلاتها، كما هي حال جثة بوميل وغيره من الجنود".  

 

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: ربى خادم الجامع   

 
كلمات مفتاحية