althania
icon
التغطية الحية

واشنطن بوست: انهيار "جسر إيران البري" في سوريا يضعف حزب الله ويخلخل نفوذ طهران

2025.04.14 | 14:35 دمشق

جنديان من قوات الجيش السوري يقفان في قرية حوش السيد علي في سوريا خلال اليوم الأول من وقف إطلاق النار مع حزب الله – تاريخ الصورة: 19 آذار 2025
جنديان من قوات الجيش السوري يقفان في قرية حوش السيد علي في سوريا خلال اليوم الأول من وقف إطلاق النار مع حزب الله – تاريخ الصورة: 19 آذار 2025
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- انهيار "الجسر البري" الإيراني عبر سوريا أدى إلى تراجع نفوذ إيران الإقليمي، حيث انقطعت طرق تهريب السلاح والمال إلى حلفاء مثل حزب الله بعد سقوط نظام الأسد.

- شهدت الحدود السورية اللبنانية اشتباكات بين قوات الحكومة السورية وعشائر مرتبطة بحزب الله، في ظل محاولات الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع لتوحيد البلاد ومواجهة التدخلات الخارجية.

- اكتشفت الحكومة السورية مصانع مخدرات ومستودعات أسلحة تابعة لحزب الله، متهمة إيران بمحاولة زعزعة استقرار البلاد عبر دعم جماعات متطرفة لتعزيز مصالحها.

تطرقت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى انهيار ما يعرف بـ"الجسر البري" الإيراني عبر سوريا، والذي كانت تعتمد عليه طهران لنقل السلاح والمال والمقاتلين إلى حلفائها، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني. التقرير يرصد تحولات ميدانية حاسمة بعد سقوط نظام الأسد، وتأثيرها على النفوذ الإيراني في المنطقة.

فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:

من المقعد الأمامي لسيارة GMC سوداء اللون، يشرف ماهر الزيواني، وهو أحد القادة العسكريين في الجيش السوري، على هذه البقعة من الحدود مع لبنان، حيث يتصل عبر اللاسلكي للتحقق من سلامة الطريق الترابي الذي يصل إلى الحدود، ولكن قبل أن تصله الإجابة، وصل عدد من المقاتلين السوريين على متن دراجة نارية مسرعة مرت من أمام نافذته، وهتف له أحد من عليها محذراً: "حزب الله! حزب الله! لقد قتل حزب الله أحد شبابنا!"، أعقبتهم سيارة تلطخت بالدماء من الداخل، فقد تعرضت الدورية لإطلاق نار بحسب ما ذكره الجنود.

انقطاع "الجسر البري" التابع لإيران في سوريا

خلال الأسابيع الماضية، حاولت قوات الحكومة السورية قطع طرق التهريب ضمن المنطقة الحدودية الوعرة مع لبنان والتي تمتد لمسافة  375 كيلومتراً. وتعتبر هذه الطرق آخر ما تبقى من مظاهر "الجسر البري" وهو عبارة عن شبكة تقطع سوريا بشكل عرضي، وكانت إيران والميليشيات التابعة لها تستعين بها لنقل الأسلحة والأموال والمخدرات والوقود، وقد أسمهت تلك الشبكة بدعم نظام بشار الأسد المخلوع، كما كانت تعتبر شريان دعم أساسي لأحد الحلفاء الأقوياء للنظام البائد، أي ميليشيا حزب الله اللبنانية، وخاصة في مواجهاتها مع إسرائيل.

أما اليوم، فقد ظهرت صورة مختلفة كلياً عقب الإطاحة بالأسد في شهر كانون الأول الماضي، ما تسبب بنكبة كبرى بنفوذ إيران وقوتها في المنطقة، وحرمانها من دعم حزب الله إثر انقطاعها عنه.

من نقاط التهريب على الحدود، مثل منطقة حوش السيد علي، والتي ظلت ملتهبة من جراء الاشتباكات التي وقعت عندما زارها الزيواني خلال الشهر الفائت، وصولاً إلى قواعد الميليشيات الشيعية المهجورة التي أقيمت في مدن دمرتها الحرب مثل مدينة القصير وتدمر شرقاً، أضحت النقاط التي أقامتها إيران وأذرعها على تلك الطرق في حالة يرثى لها. وفي رحلة لنقل الأخبار من هناك أجراها صحفيون من الواشنطن بوست الذين وصلوا إلى تلك النقاط التي كانت حيوية خلال فترة من الفترات ونشطة ضمن شبكة التهريب، عثر ذلك الفريق الصحفي على أدلة كثيرة على خروج المقاتلين السريع من تلك الأماكن.

مع انهيار النفوذ الإقليمي لإيران، شرعت إيران اليوم بالتفكير خارج نطاق حلفائها التقليديين، ومن بينهم جماعات متطرفة سنية، وذلك سعياً منها للاحتفاظ بخطوط الإمداد وزعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة، وذلك بحسب تحذيرات أطلقها مسؤولون أمنيون في أوروبا والمنطقة. هذا طبعاً إلى جانب التحديات الكثيرة الأخرى التي يواجهها الشرع وهو يحاول أن يتعامل مع تدخل القوى الخارجية المتناحرة، إلى جانب سعيه لتوحيد سوريا.

اشتباكات على الحدود مع لبنان

حل نظام جديد غير واضح المعالم محل الهيمنة الإيرانية على الممرات الاستراتيجية في سوريا والتي لم يتمكن أحد من الوقوف في وجهها خلال فترة من الفترات.

وخلال الخريف الماضي، وبعد أن أنهكت القوات الإسرائيلية حزب الله في لبنان، بقي الحزب يسعى جاهداً لتجديد ترسانته من الأسلحة وإدخال الأموال إلى خزينته وذلك لتعويض داعميه التقليديين في كل من بيروت وجنوبي لبنان بعد أن خسروا ممتلكاتهم بسبب النزاع.

وفي معرض الحديث عن محاولات العشائر المرتبطة بحزب الله للاحتفاظ بطرق التهريب، يقول الزيواني: "إنهم يحاولون فتح ثغرات".

غير أن الجهود التي تبذلها قوات الزيواني لقطع طرقات التهريب تحولت إلى اشتباكات دامية، وقع أقساها خلال الشهر الماضي، وذلك عندما دخلت عشائر من أبناء المنطقة الحدودية في مواجهة مع قوات الحكومة السورية، بحسب ما ذكره الأهالي، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود سوريين، فما كان من القوات السورية إلا أن ردت عبر اقتحام قرية حوش السيد علي، التي وصفتها بأنها قاعدة للعمليات التي تشن ضد القوات السورية، كما دفعوا بآلاف التعزيزات إلى تلك المنطقة، ومعظم تلك التعزيزات أتت من محافظة إدلب الواقعة في الشمال، والتي بقيت طوال فترة طويلة معقلاً للمقاتلين الإسلاميين الذين أسقطوا الأسد.

من جانبه، أعلن الجيش اللبناني عن تدخله هو أيضاً رداً على القصف الذي طال مناطقه والذي أعلن حزب الله عن عدم وجود أي يد له فيه.

وتعليقاً على ذلك يقول هيد هيد، وهو محلل مختص بالشأن السوري وتعقب طرق التهريب العابرة للحدود لدى مركز تشاذام هاوس: "من الصعب رسم خط واضح بين العشائر وحزب الله، على الرغم من وجود تعاون واضح ووطيد بين الطرفين".

وحتى بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، مايزال الرصاص يطلق في الهواء في قرية حوش السيد علي، ولكن إلى أي مدى يثق الزيواني بالجيش اللبناني في عملية تأمين الحدود؟ رد هذا الرجل بالقول: "ولا حتى بنسبة 1%"، وهو يراقب الجنود اللبنانيين عن مبعدة.

مستودعات السلاح لدى حزب الله  

تحولت المنطقة المحيطة بالحدود اللبنانية إلى محور مهم لحزب الله على مدار الحرب السورية التي امتدت لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، كما أضحت مركزاً لتصنيع المخدرات وبوابة لنقل العدة والعتاد. لذا، وخلال العمليات التي نفذت في القرى الحدودية، اكتشفت قوات الحكومة السورية وجود 15 مصنعاً للكبتاغون الذي استفاد نظام الأسد البائد وحزب الله من مبيعاته وأرباحه، ولهذا قدر مسؤولون أمنيون في المنطقة بأن قيمة تلك التجارة قد وصلت إلى عشرات الملايين من الدولارات.وفي مدينة القصير التي تبعد مسافة تسعة كيلومترات فقط عن الحدود اللبنانية، تحولت المنطقة الصناعية بأكملها إلى مستودع كبير للأسلحة على مساحة تعادل مساحة خمسين ملعباً لكرة القدم. وبما أن الغارات الجوية الإسرائيلية دمرت درفات نوافذ الأبنية وأغلاق المحلات التجارية، لذا انكشفت صناديق الذخيرة الموجودة هناك بشكل واضح.

يعلق على ذلك سامر أبو قاسم، رئيس الأمن العام في القصير وهو يشير إلى صناديق خشبية كبيرة، فيقول: "إنها صواريخ إيرانية"، في حين تبعثرت بقايا الذخائر على الأرض، ويتابع سامر بالقول: "كان هذا مصنعاً مركزياً بالنسبة لهم، وكل هذه المتاجر كانت عبارة عن مستودع للأسلحة".

ثمة بناء في الجوار، كان في السابق مدرسة، إلا أن حزب الله حوله إلى قاعدة للتدريب، ولهذا ماتزال كرات التدريب مبعثرة في الباحة. في حين بقيت المسيرات مهملة في بيت الدرج فوق صناديق الذخائر، وتقدم الوسائل التعليمية التي تركت على عجل لمحة عن طريقة حزب الله في التدريس، والتي تشمل طريقة إعداد مقاتلي الحزب لمخططات المعارك.

خلال العام الماضي، وفي أثناء تقدم المقاتلين الذين قادهم الشرع من الشمال السوري، حزم مقاتلو حزب الله الذين تجمعوا في تلك المدينة أمتعتهم ورحلوا من دون أي قتال بحسب ما ذكره أهالي المنطقة.

ولهذا يقول أحمد عبد الكريم عمار، مدير الأمن في القصير وما حولها: "كانت خسارة كبيرة بالنسبة لهم"، لأن المنطقة تحولت بالنسبة لحزب الله برأيه إلى: "هرمل أخرى"، وذلك في إشارة إلى معقل الحزب في وادي البقاع اللبناني.

ترسانة الأسلحة في سوريا

ماتزال عناصر من شبكة إيران في سوريا نشطة وفاعلة، وخاصة تلك العناصر المرتبطة بحزب الله وذلك بحسب ما ذكره الباحث هيد، فلقد اعترضت الحكومة السورية الجديدة أكثر من عشر شحنات من الأسلحة كان من المفترض أن تصل إلى لبنان بحسب قوله، ولقد أعلنت وزارة الداخلية السورية عن إحدى تلك المداهمات في شهر كانون الثاني الماضي، بعد أن تمخضت عن اكتشاف صناديق تحوي مسيرات مخبأة في شاحنة تحمل أعلافاً للمواشي.

يعلق هيد على ذلك بالقول: "في سوريا توجد ترسانة كبيرة يحاول حزب الله إخراجها من هناك، أي أن عناصر الحزب تعرف أماكن وجود تلك الترسانة، ولهذا فإنهم يتعاونون مع الشبكات السورية على إخراجها".

وحتى يقوم الحزب بذلك يتعين عليه تجنب الغارات الجوية الإسرائيلية، لأن الجسر الذي يربط بين حوش السيد علي بلبنان، والذي كان أحد خطوط الإمداد الأساسية لدى الحزب، دمرته غارة جوية خلال حرب إسرائيل على حزب الله، كما واصلت إسرائيل دك الترسانة الموجودة في سوريا.

ويرجح كثيرون أن تظل بعض الشبكات العابرة للحدود نشطة ويؤكد على ذلك فيليب سميث الخبير بشؤون الميليشيات الشيعية، إذ يقول: "في سوريا التي تسودها حالة شبيهة بالفوضى، لن يصعب عليهم [ أي على تلك الشبكات ] أن يتواصلوا في وقت تحاول الحكومة ترسيخ وجودها والتعامل مع مشكلات داخلية كثيرة، فقد اندمجت تلك الشبكات ضمن محيطها، ولعل التعاون مع شبكات تركز على الإجرام بصورة أكبر سيصبح الطريقة التي ستنتهجها تلك الشبكات لممارسة أعمالها بحكم الأمر الواقع".

شكوك تدور حول إيران

بعيداً عن الجهود التي تبذلها إيران في مجال التهريب، يتهم المسؤولون السوريون إيران بالسعي لزعزعة استقرار الحكومة السورية، وذلك عبر الإسهام في إثارة العنف الذي ظهر مؤخراً في الساحل، وذلك عبر تنسيق هجمات شنها موالون للأسد على قوات الأمن السورية والتي تحولت إلى أحداث عنف طائفية.

غير أن المسؤولين السوريين لم يدلوا بأية تفاصيل تؤيد مزاعمهم، وذكر مسؤولان أمنيان أوروبيان بأنه لا يوجد أي دليل على وجود دور مباشر لإيران في تنسيق الهجمات التي استهدفت قوات الأمن السورية.

لكن المسؤولين الأوروبيين ذكرا بأن إيران سعت عوضاً عن ذلك إلى نشر بذور الاضطراب عبر حشد المتطرفين السنة، وبينهم مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة، ضد الحكومة السورية الجديدة، وهذا ما دفع أحد هذين المسؤولين إلى القول: "نرى تورطاً إيرانياً هناك"، من دون أن يقدم مزيداً من الشرح هو وزميله، وذلك بعد أن اشترطا عدم ذكر اسميهما لمناقشتهما قضايا أمنية حساسة.

وبحسب ما أعلنه مسؤول أمني ودبلوماسي غربي، فإن زيارة وزيرة الداخلية الألمانية ووزير الداخلية النمساوي والتي كانت مجدولة في أواخر شهر شباط الماضي قد ألغيت خوفاً من خطر تعرض هذين الدبلوماسيين للاستهداف على يد تلك العناصر التابعة لنظام الأسد البائد.

خلال السنين الماضية، دعمت إيران سلسلة كبيرة من الجماعات الوكيلة لها وذلك لتدعم مصالحها، إذ على سبيل المثال، قدمت إيران التدريب للمقاتلين التابعين لجبهة البوليساريو الموجودة في الجزائر، وهي عبارة عن ميليشيا تحارب من أجل استقلال الصحراء الغربية الكبرى عن المغرب، ولذلك اعتقلت قوات الأمن الجديدة في سوريا المئات من مقاتليها، بحسب ما ذكره مسؤول في المنطقة ومسؤول أوروبي ثالث.

وفي تدمر حيث ماتزال الآثار الرائعة التي تشهد على أن هذه المدينة واحدة من أهم المدن في العالم القديم، أسهم سقوط نظام الأسد في الكشف عن عمق وجود الميليشيات المدعومة إيرانياً في سوريا، إذ بوسعك أن تقرأ عبارة: "الموت لأميركا" على أحد جدران فندق كان يؤوي المئات من مقاتلي لواء فاطميون، وهو ميليشيا تضم شيعة أفغاناً أرسلوا إلى تلك المنطقة لدعم المصالح الإيرانية في سوريا، فقد تحولت تلك المدينة الواقعة عند نقطة تقاطع استراتيجية وسط البادية، إلى مجمع عسكري كبير، بحسب ما ذكره الجنود في تدمر، أما اليوم، فقد أنهت قوات الأمن تطهير المدينة ومحيطها من الألغام والمفخخات، إلا أن سيطرتها على المدينة ماتزال هشة، وهذا ما دفع زاهر السالم، 40 عاماً، وهو متطوع لدى المجلس المدني المحلي، إلى القول: "إن سيطرة الدولة تعادل الصفر" هناك.

المصدر: The Washington Post