سارعت إيران إلى حشد مقاتليها في المنطقة وذلك لتسهم في تدعيم حكم بشار الأسد، ولذلك نشرت عناصر من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية في سوريا، بحسب ما ذكره جنود وقيادات لصحيفة واشنطن بوست، وكل هؤلاء بانتظار الأوامر حتى يشرعوا بالقتال.
تسعى قوات الأسد جاهدة إلى الصمود إثر التقدم المباغت الذي حققه الثوار الذين سيطروا على مدينة حلب وعلى القرى والبلدات من حولها، إذ في المرة الأخيرة التي شعر فيها الأسد بالخطر على حكمه خلال الثورة السورية لعبت القوات البرية لحزب الله دوراً محورياً في ترجيح الكفة لصالحه.
ضعف واضح
ولكن وبسبب تدهور وضع تلك الجماعة المقاتلة اللبنانية بشكل كبير خلال حربها مع إسرائيل، لم يعد من الواضح إن كانت لديها أي نية أو قدرة على تغيير اتجاه النزاع بشكل كبير هذه المرة أيضاً. إذ في الوقت الذي يبدو أنه بوسع الميليشيات العراقية أن تملأ بعض الفراغ، يرى محللون بأن هؤلاء المقاتلين أقل تدريباً وأضعف ذخيرة من حزب الله.
إن العودة المفاجئة للنزاع السوري إلى الظهور على الساحة من جديد بعد سنوات من تجميد خطوط القتال زاد من الضغط على ما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي أسسته إيران، وهو عبارة عن تحالف فضفاض يضم أتباع إيران المسلحين ولقد اعتمد هذا المحور لفترة طويلة من الزمن على حماية مصالح إيران في المنطقة. وتعتبر سوريا أحد أقرب حلفاء إيران، ومنها تمر أهم خطوط الإمداد التي تتيح لإيران إرسال المال والسلاح والمستشارين إلى حزب الله، لذا، وفي حال سقوط الأسد، أو تقويض حكمه إلى حد بعيد، فإن ذلك قد يحرم إيران من تقديم الدعم لحزب الله حتى يعيد تنظيم صفوفه وبناء ما انقض من بنيته التحتية.
يعتبر حزب الله واسطة العقد في شبكة أذرع طهران، فهو الوحيد الذي يتمتع بموقع يتيح له عزل إيران وإبعادها عن التدخل في النزاعات الإقليمية، ولكن مع انحدار هذا الحزب إلى أدنى مستوياته اليوم، وانجرار إيران لمواجهات مباشرة مع إسرائيل، يبدو بأن تلك الاستراتيجية أضحت جوفاء.
وعن ذلك يقول أحد عناصر حزب الله ممن تحدثوا للصحيفة واشترطوا عدم ذكر أسمائهم بسبب خوضهم في أمور تخص العمليات العسكرية التي تجري في الوقت الراهن: "إيران موجودة من أجلنا، فهي تحمي المظلومين والمقهورين، لذا فنحن حلفاء وسنبقى كذلك دوماً" ورفض هذا الشاب أن يعترف بأي مخاوف تدور حول الضعف الشديد الذي اعترى حزب الله والذي يمنعه من المشاركة في القتال الدائر بسوريا.
جرى نشر المقاتلين اللبنانيين والعراقيين في سوريا ليقوموا بدور دفاعي بحسب ما ذكره أحد عناصر حزب الله وقيادات عراقية، لكنهم ذكروا أيضاً أنهم على استعداد للقتال في حال تغيرت الأوامر التي تصلهم.
في السابق، التفتت إيران أيضاً إلى المقاتلين الأفغان الذين ينتمون لعرق الهزاره في ذلك البلد، كما توجهت للمقاتلين الشيعة القادمين من باكستان، على الرغم من أن المحللين يرون بأن تلك الجماعات تعمل كمرتزقة لا كجيوش تقليدية ولهذا لم يتضح الدور الذي بوسعها أن تلعبه في سوريا.
انكفاء إيراني
هذا ولم تتعهد الحكومة الإيرانية بنشر جنودها، بل اعتمدت في الوقت الراهن على شبكة مستشارييها العسكريين من الحرس الثوري المنتشرين في معظم أنحاء سوريا، لكنها لم تستبعد هذا الاحتمال أيضاً، إذ قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، يوم الثلاثاء الماضي في مقطع فيديو مجتزأ من مقابلة نشره على قناته الرسمية عبر تطبيق تيليغرام: "في حال طلبت منا الحكومة السورية إرسال قواتنا إلى سوريا، فسندرس طلبها بكل تأكيد"، ولكن إيران تبدو في الوقت الراهن على أقل تقدير معتمدة على أذرعها لمنع حدوث أي اختراق.
وحالياً، اتخذت قوات النظام السوري موقفاً دفاعياً أمام تقدم الثوار في حماة، تلك المدينة المركزية التي تقع ما بين العاصمة دمشق ومدينة حلب التي سيطر عليها مقاتلو المعارضة خلال الأسبوع الفائت. ويقود القتال اليوم هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية ارتبطت في السابق بتنظيم القاعدة، وماتزال على قوائم الجماعات الإرهابية بحسب تصنيف الولايات المتحدة.
تزامنت المكاسب السريعة التي حققتها هيئة تحرير الشام مع إبرام اتفاقية لوقف إطلاق النار في لبنان بعد مرور أشهر من الغارات الجوية الانتقامية التي شنتها إسرائيل والتي أسفرت عن مقتل معظم قيادات حزب الله، ناهيك عن الهجوم البري الذي دمر بنية الحزب التحتية العسكرية.
حشود على الحدود
انتشر مقاتلو حزب الله بشكل كبير على الحدود اللبنانية-السورية بالقرب من مدينتي حماة وحمص بحسب ما ذكره عنصر من عناصر حزب الله، وذكرت قيادات عراقية بأن مقاتليها تركزوا في المنطقة الشرقية من سوريا حيث توجد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والتي استغلت الفوضى الحاصلة فسيطرت على قرى تابعة للنظام بالقرب من دير الزور.
يعلق قائد عسكري عراقي على ذلك بقوله: "الأولوية اليوم لتأمين الحدود". يذكر أن الميليشيات الشيعية العراقية ترتبط ارتباطاً وثيق الصلة بحكومة العراق وقواته المسلحة بحسب ما أعلنه مسؤولون في بغداد أعربوا عن قلقهم تجاه احتمال توسع العنف وامتداده من سوريا إلى العراق.
روسيا.. ورقة الجوكر
أما ورقة الجوكر في هذه العملية فهي روسيا التي تدخلت في الحرب السورية عام 2015 ما منح النظام تفوقاً واضحاً في مجال القوة الجوية، ولقد أقامت موسكو قواعد عسكرية لها في سوريا وشنت غارات خلال الأيام الماضية استهدفت مواقع مدنية وأخرى تابعة للثوار في معقل الهيئة بإدلب، ولكن عندما طُلب من الكرملين يوم الإثنين التصريح عما إذا ستقوم روسيا بزيادة دعمها الجوي للأسد، أعلن بأنه يقوم بتحليل للوضع.
وتعقيباً على ذلك تقول نيكول غراجيفيسكي، الخبيرة بالعلاقات الإيرانية-الروسية وعضو في مؤسسة كارنيغي: "إن قدرة إيران على حشد تلك الجماعات المتباينة مهمة للغاية، لأن روسيا لديها قوة جوية لتدعمهم، لكن ليست لديها قوات برية".
فعندما أرسلت روسيا طائراتها المقاتلة إلى سوريا قبل عقد من الزمان تقريباً، كانت إيران قد أرسلت الآلاف من المقاتلين المتحالفين معها ليحاربوا على الأرض، كما أقامت مناطق نفوذ لها وأسست بروتوكولات قيادة ووضعتها موضع التنفيذ، ولكن لم يتضح اليوم إن كانت إيران قادرة على حشد كل تلك القوة أو إدارتها بطريقة فاعلة حسب رأي تلك الخبيرة التي أضافت: "يرى كثيرون بأن الدور الإيراني في سوريا أهم بكثير الآن مما كان عليه في السابق، إذ على الرغم من السنين التي أمضتها روسيا وهي تدعم النظام السوري، تعاني قواته كثيراً وهي تحاول أن تعمل بمفردها، وهذا ما تأكد في حلب، حيث تبخر الجيش السوري أمام هجمات الثوار".
سليماني شخصية لن تعوض
يرى محللون بأن شبكة أذرع إيران لم ولن تقوم لها قائمة بعد مقتل زعيمها قاسم سليماني في عام 2020 في غارة شنتها مسيرة إسرائيلية على بغداد، فلقد أمضى سليماني فترات طويلة على الأرض برفقة المقاتلين المتحالفين مع إيران في كل من العراق وسوريا، ولذلك يعد هذا الرجل من أقوى الشخصيات وأشدها نفوذاً في المنطقة.
أما من حل محله، أي اللواء إسماعيل قاآني، فلم يحقق من المجد ما حققه سليماني، إذ شنت إسرائيل سلسلة من الغارات التي حققت أهدافها خلال الأشهر الماضية وذلك عندما استهدفت مستشاري الحرس الثوري في سوريا.
استحوذ الزعيم السابق لحزب الله، حسن نصر الله، على بعض مهام التنسيق التي كان سليماني ينفذها بعد مقتله، فأسس غرفة عمليات في لبنان ليسهم في الإشراف على "محور المقاومة"، ولم يتضح إلى ماذا أفضت تلك الجهود بعد اغتيال إسرائيل لنصر الله في أيلول الماضي.
ومع عودة حزب الله والميليشيات العراقية إلى سوريا، أعلنت بأن مهمتها الأساسية تقوم على حماية "محور المقاومة" الإيراني، لكنها في الوقت ذاته تعتبر عملية القتال عملية دفاعية فحسب.
إذ ذكر القائد العسكري لحزب الله بأن قواته: "ستحارب العدو في بلد آخر غير بلدها"، في حين أعلن كاظم الفرطوسي، الناطق الرسمي باسم ميليشيا عراقية أخرى تعرف باسم كتائب سيد الشهداء، عن خوفه بالقول: "سيكون العراق أول بلد يعاني" في حال تمكنت قوات الثوار من إسقاط الأسد، وأضاف: "في حال شعرنا بأن سوريا أوشكت على السقوط، فلن نبقى متفرجين".
المصدر: The Washington Post