icon
التغطية الحية

"واسيني الأعرج" بين الرواية المستحيلة والإبداع المقارن

2021.08.12 | 16:15 دمشق

wasyny_alarj-_tlfzywn_swrya.png
زكريا الإبراهيم- بيروت
+A
حجم الخط
-A

التناص في رواية واسيني الأعرج "أصابع لوليتا" وروايته "2084 حكاية العربي الأخير" كصيغةٍ مُقترحةٍ لما يمكنُ طرحه بعد "النقد المقارن" وتسميته "الإبداع المقارن" أو "الرواية المقارنة". في الأولى يتكئُ على "لوليتا" لـ فلاديمير نابوكوف، وفي "2084" يتّكئ على جورج أورويل في رواية"1984".

في "أصابع لوليتا" تنظر إلى واسيني كعالم أزياءٍ ومؤرخٍ، وكأنه إضافةً لِصنوه الجزائري الوهراني "إيف سان لوران"، كان خلف تطوُّرِ الأزياء وتوثيقها تاريخياً كثورةٍ على السائد. إنه البحث المكثّف والجاد في سبيل إنجاز العمل المحكم. حيث لا انفعال ولا تراخٍ في هذا الاحتمال .

كذلك في "2084 حكاية العربي الأخير" ستعتقد أنّ واسيني خضع لدوراتٍ تقنيةٍ في مجال تخصيب اليورانيوم، وأنه أحد المتخصصين في البلاتينيوم وتفاصيله واستعمالاته، أو أنه فعلًا، كان في مخبرٍ عملاق حيث المادة المطروحة في الرواية في منتهى الدقة علمياً، وهذا نتيجة بحثٍ وتناولٍ جادٍ لمادته دون الاتكاء على تهويمات الروائيين المتهورين الافتراضيين.

"أصابع لوليتا"

تماهٍ كبير ومطلق بين مهارة واسيني الأعرج (الراوي- المؤلف) وبين شخصياته التي يستنطقها بلغةٍ متطورةٍ هي منه.. فهو حكيمٌ حين يروي عن بعد.ومع هذا فإن بطله "يونس مارينا" الروائي الكبير في رواية واسيني، ما هو إلّا خليطُ خيالٍ بين ما أنتجه وما عايشهُ واسيني الروائي الوثائقي المتناسل من لحمٍ ودم. كل هذا في دمجٍ يَصعُبُ معرفة الخيالِ مِنَ الوثيقة فيه. حتى إن شخصياته الأخرى والفعالة في الرواية والتي قد تكون وبجانبٍ أصيلٍ منها، تجربة حياةٍ حقيقيةٍ تفرض على الرواية صيغة أقرب بكتابة وتدوين المذكرات، ولكن بتقنيات غايةٍ في الدقة والحرفية.

والأوضح - كما أسلفت- أنّ الشخصيات الفعالة، بعد شخصية "يونس مارينا" هي: "لوليتا، نوّه، إنذار، عارضة الأزياء". وهي مثقفة كبيرة في عمرها الطري. وهي تُذَكّرُ بأسلوب واسيني في حديثها ومعرفتها، وتتشابه وتتشابك كسيرةِ حياةٍ مع حياة "مارينا" المُقترحة في الرواية، وهيَ ــ وهذا الأهم ــ تتحدث بعمقٍ وحكمةِ "مارينا" بطل واسيني.

حتى "كلارا ماكسيم" النجمة القديمة كعارضة أزياء أخّاذة في السبعينيات كانت على عمقٍ ودرايةٍ وفلسفةٍ تتماهى في أناقتها ودقته، أيضاً، مع ما يقوله واسيني وبطله الروائي " مارينا" .وهذا ما يطرحُ سؤالاً مهماً عن تمايز الشخصيات وخصوصياتها الثقافية واللغوية.. برسم واسيني الأعرج!

-تتحدث الرواية عن الحب والرغبة والإبداع والفنون على اختلافها، وعن ثورات اجتماعيةٍ مُستخلصةٍ من الأزياء والتمردات والهزائم والخوف المُصاحبِ لكل تفاصيل الحياة بذكاء وحنكةِ من يرى أمامه كل تفاصيل عمله كنحَاتٍ مُحترِفٍ يُدركُ تفاصيل الكتلةِ والضوءِ والفراغِ الذي يُضيء مساحات واسعة من اللوحة الكبيرة التي تُشكّلُ تفاصيل روايته "أصابع لوليتا" التي يتوقفُ عندها كمُؤرخٍ للفشل الكبير بعد الاستقلال الجزائري في  1963، والتي تنتهي بعد ثلاث سنوات- فترة حكم أحمد بن بلّا. أول رئيس جزائري بعد الاستقلال- ولتبدأ الكارثة لتمرّ بسجن "بن بلّا" لـ15 عاماً ولتعمَّ صيغة عسكرة المجتمع وتعميم الرعب وكتم الْأصوات، والتي تُصيبُ بجرثومتها بطل الرواية الذي يُهدرُ دمه من قِبل العسكر ومِنَ "الإسلاميينَ الجُدُد" الذين يرونَ في مجرد الاختلاف  كُفرٌ بالذات الإلهية والتي جعلت من "يونس مارينا" ضحية هروبٍ وترقب موتٍ من اغتيالاتٍ مؤكدةٍ لينتهي بها.. وليعش ضمن موت انتظار موت موقوت!

إن حجم الشعر الصارم في رسمهِ لخطوط العشق النفسية.. والشهواتِ وانطلاقات الجسد وحريته، بين لوليتا ويونس مارينا، والنقاشات حول الفنون عموماً، والتشكيل خصوصاً، تجعل مادة الروايةِ دسمةً لتشريح الحياة وحواراتها حتى المتعلقة بالآخر الغربي وحضارته التي تضيءُ جوانب وزوايا غاية في العمق والدقة.. وكأننا وفي حجم المعلومات التي تعرضها الشخصيات أمام تخصصاتٍ نقدية تاريخيةٍ وتوثيقية حافلة بكل ما هو جديد ومضيء في مجالها وآفاقها.

شخصياتٌ وأحداث وقصص يمتصها جسد الرواية بكثافةٍ تطرح وتشير إلى حجم الجهد والبحث قبل الشروع في الكتابة الروائية المُتجاوِزة.

إنها رواية متينة وكثيفةٌ -كما أسلفت- بكل المعايير لأنها تُطلُّ على الزوايا الأعمق والأكثر إضاءةً في أعماقنا، وفيما يتعلق بكل الهواجس والتفاصيل التي تُصنّعُ هذه الحالات التي تعتني بالموتِ والحياة وما بينهما من التباسٍ متينٍ يحتويه نشاط إبداعيّ فيما يتعلق بالكتابة الروائية، أو الذاكرة الوطنية الشعبية، أو ما يتعلق بتعاطينا ورؤيتنا للفنون، والحب والرغبة والتعلق بكل المجاهيل التي تضيء الرحلات بعضها.. والرحلات في بواطن الشخوصِ بعضها الآخر، والأخّاذ في فسحاته الحرةِ والمتعلقةِ بالحياةِ وآفاقها الأخلاقية التي تحكمها غصةُ وحرقةُ الماضي والذاكرة.. وما يمكن أن يُحييه قلقُ الموت وترقبه ومطاردته لنا، ولسببٍ يتيمٍ.. وهو الشعور القوي بالحريةِ الذاتية والتفرد في قراءة ما يحيط بنا من أوطانٍ يسكنها الموت والهزائم.. ويقودها عسكرٌ وأوسمةُ ذابلة وطرقُ موتٍ مُبتكرة إلى جانب بدائيتها وهمجيتها والتي تُصبحُ عابرةً للأمكنةِ ويتمُّ تصديرها من بلداننا إلى الغرب الذي زرعها فينا وفي تربتنا أساساً بقوةِ الانتقام والاستيلاء على كل تفاصيلنا وثرواتنا. إنها ثنائيات الشرق والغرب، ثانيةً، وتقاسم الموت.. وتبادله!

إن الأديان التي تحضر في الرواية هي نفسها التي تحيط بنا في الحياة المعاشة الآن. فمِن المسلم المتطرّف، إلى المتصالح مع الحب والتسامح، إلى المسيحية بكل بعدها وعمقها الجمالي، إلى اليهودية التي تقع على عتبات الذاكرة والندم والخوف أو التخويف من غولٍ ويُعادُ تصنيعهُ كفزّاعةٍ ليمحوَ من خلالها كل ما يمتُّ إلى الأوطان والمواطنةِ لتسكنَ في بئرِ الخوف والفزّاعاتِ القديمةِ الجديدة.

لن أتطرق إلى التسلسل السردي في الرواية، ولا إلى تفاصيل شخوصها بالكامل.. هي مجردُ شارات. لأن التكنيك يأخذك إلى العالم الكلي للرواية.. تاركاً التفاصيل على أفقِ الانطباعات بشفافيةٍ قاسية، أو أنها أقرب للحزن النبيل والأنيق.

خطوط الرواية ومحاورها كثيرةٌ، مُختلطةٌ ومتناغمة. فمِن النساء العديدات كانت المرأة اللوحةُ حاضرة دائماً وبقوةٍ تتحول إلى فضاء للتأمل والخيال صوب الأنثى وكأن غموضها هو سرّها الخاص.

تخرجُ بعد القراءةِ بألقٍ يابسٍ من حياةٍ يحكمها جيلٌ من مُصنعي الخوف ومُصدريه لتدرك أنك في برزخٍ يحاور حياةً تحيط بنا الآن/ هنا.. وحياة افتراضية روائية تأخذكَ وتغمرك بعيداً في تيهٍ من الخيالِ القاسي والنبيل.. والذي يقترح تقنياتٍ متينةٍ تذكرنا بتلك الأعمال الفنية والمُؤسّسةِ لإبداعٍ يجتاحنا ونحتاجه!

-خطوط الرواية ومحاورها كثيرةٌ، مُختلطةٌ ومتناغمة. فمِن النساء العديدات.. كانت المرأة اللوحةُ حاضرة دائماً وبقوةٍ تتحول إلى فضاء للتأمل والخيال صوب الأنثى.. وكأن غموضها هو سرّها الخاص.

وأما "يما جوهرة" أمّ الكاتب "مارينا" وزوجة الشهيد الذي دفنه "بن بلّا" وكان آخر مشهدٍ قبل وقفِ إطلاق النار.. دفنه إلى جذعِ خرّوبَةٍ أحاطها بالحجارة كي يعيد هو دفنه بعد الاستقلال في مدينته "مارينا". وهذا ما شكّل البحث الجوهري لبطل واسيني "يونس مارينا" بأن يستطيع لقاءَ "بن بلّا" لصنعِ حوارٍ صحفي ولسؤالهِ عن مكان قبر أبيه بعد ضياعِ عقلِ أمه على يدِ ذئاب العقيد، لأنها لم تعترف وتقول أين ابنها الصحفي المطلوب "يونس".. فماتت في لوثةٍ وجنونٍ.. بصناعة العسكر المتينةِ العالية!

"2084 حكاية العربي الأخير"

روايةٌ بمثابة تحدٍ لمُتلقٍ متواضعٍ أو لصحافةٍ ثقافيةٍ يومية.. تبقى مشدوداً مثل مَسَدٍ أُحكم بين هاويتين! هو هكذا شأنهُ ومصنّعي الآفاق الطازجة. إذا بادرت إلى عملٍ روائي جديدٍ له.. عليك بالتّنبهِ والحذر. روائيٌ لا يرحمُ . تشابكاتٌ وشخصياتٌ وحكايا، تبدأ ولا تعرفُ لون الخيوط والمحاور لتراكَ قرب عجينةٍ شديدة التماسكِ والدقة وأنت تطلُّ عليها بشكل كلي.. راتقاً الثغرات، واصلاً ما تخالهُ انقطع. لتدركَ أن الرواية تُسلِمكَ قيادتها وأنت تطل عليها بشكل كلي.

يعرف واسيني أنك، ومن السطر الأول، قد تورطت! لا أدري، هنا، حجمَ متعته! مع أني أدرك حجم البحثِ والفطرة التي تحميه.. منه!

نحن الآن أمام خيالٍ انسكلوبيدي و"مشيطن" ولا يريد إلا الحياة و.. إلّاها. إنه قبيلة خيالاتٍ ولغويين وعشاق ومؤرخين. عجينةٌ مريبةٌ ومرعبةٌ في جمالها وموتها بهذي الرواية.

-قبل قليل، منذ عام، أيقظني في روايته المدهشة "أصابع لوليتا" التي اتكأ فيها على رواية "لوليتا" لـ "نابوكوف" والتي صنعت، ولمرةٍ أولى تناصاً حياً.. يفترقُ ويقترحُ مقاماته الشديدة الخصوصية واللوثة!

-الآن، وفي رائعته "2084 حكاية العربي الأخير" يُمرّرُ واسيني اقتراح تناصٍ آخر مع "جورج أورويل" وروايته القاسية "1984". وبعد مئة عامٍ من "أورويل" يأتي واسيني ليقول (الآن/ هنا في 2084 زمن الحدث الروائي) أن لا شيء تغير منذ الـ "بيغ بروزر" الأخ الأكبر والطاغية الأكبر عند "أورويل" إلى الأخ الأصغر "ليتل بروز" عند واسيني.. والذي يكمل سيرة الطاغية الأكبر. لكن الأمر الآن مختلف مع واسيني الأعرج.. رغم اتكائه على فكرة لم تكن مباحة إلا للرعب.

 أن يكون الخيال والوثيقة والتأريخ.. وصحافة ملونة وعاشق باطني.. ومساحات معرفةٍ بعلوم فيزيائية نووية وأن يكون لك جد "رماد" من فصيلة الذئاب، حقيقةً لا خيال، وأن تكون العالم النووي الأخير "آدم غريب"، وأن تدافع عنك كل الجهات من أجل استثمار دماغك وحضورك كعالم عربي كبير في مخابر "بنسلفانيا".. فإن الجميع يطاردونك من "التنظيم" الذي اعتمدتَ تسميته بهذا الشكل في 2084، وهو الغربلة الأخيرة لكل ما نراه الآن من تسميات لعشائر وتنظيمات دينية دموية.

إلى "أزاريا" إسرائيل التي تطاردك أيضا، في محاولة لاغتيالك. إلى الأميركان الذين يحظَونَ بكَ ويرمونكَ مكرماً، في قلعة "أميروبا" القائمة وسط الربع الخالي.. فأنت في موقعٍ يحتِّمُ عليك العمل وفق ما يمليه "ليتل بروز" الأخ الأصغر والطاغية، والمأمور والتابع بآن للرؤيا الأميركية، والذي سيحميك ويسكِنُكَ قلعته الموجودة كقاعدة عسكرية أميركية ومع "شركائها" من أجل أن تصنع وتحقق حلماً قديماً كعالم وهي قنبلة الجيب "لصغر حجمها".. تلك القنبلة النووية– الطموح.. ذات الإشعاعات الأقل انتشاراً من تلك التي رماها الرئيس الأميركي "ترومان" على هيروشيما وناغازاكي.

 لكن "أماليا" اليابانية زوجة "آدم" وأم ابنته "يونا" لا تشجع ولا توافق، وخاصة أنها متخصصة كطبيبة في معالجة ضحايا الإشعاعات ومثالها وحافزها جدّها "ياغاموتشي" الذي أحرقه "ترومان" في ناغازاكي.. مرة ثانية تتجسد الوحشية التي كان "أورويل" يتحدث عنها مستشرفاً في "1984"، فيما سيكون عليه. أما الآن مع واسيني وبعد مئة عام من حدس "أورويل" فإن الجنرال الفاشل-جسديا وأخلاقيا-.. جسديا نتيجة انفجار صهريج في الرمادي العراقي أودى بأبيه وبساقٍ ويدٍ له، إضافةً إلى ذكورته. هو أقرب للمسخ والدّمية. وجهه شبيه بوجه موسوليني الدائري، كما يراه "آدم" كلما أطل "ليتل بروز" عليه من شاشةٍ عملاقة.. ومع هذا فهو الوريث الشرعي كأخ أصغر لذاك الأكبر عند أورويل.

-يحصل "آدم" في حجزه في قلعة "أميروبا" على بعض حقوقه من خلال تدخل "ليدرافيك" أو "لجنة حماية الأجناس الآيلة إلى الزوال" وعلى رأسها "إيفا" الأنثروبولوجية المستميتة في الدفاع عن "آدم" لحب عميق تشعره تجاهه، مما يخوله أن يحصل على"حواء" (سلحفاة يبثها كل خلجاته وأحلامه وحواراته معها ومونولوجاته) إضافة إلى حقه في ممارسة رياضته المفضلة والتي كان من أبطالها أيام الدراسة في أميركا.. الركض وليس الجري!

إن القراءة المدهشة في تماسكها لـ واسيني الأعرج لا تُغفِلُ أن المئة من السنين القادمة بعد "أورويل" قد صنّعت ديكتاتوراً أشدّ رعباً وأكثر تيقظاً للتطور التقني

-إن القراءة المدهشة في تماسكها لـ واسيني الأعرج لا تُغفِلُ أن المئة من السنين القادمة بعد "أورويل" قد صنّعت ديكتاتوراً أشدّ رعباً وأكثر تيقظاً للتطور التقني. وأن "القاعدة" و"داعش" لم يكونوا إلاّ النوى أو الحلقات الأولى لولادة "التنظيم" الذي يحمل عينَ ونفس شعارات السابقين ولكن بالتقنيات الأعلى والأشدّ ذكاءً.

يعترف "آدم" العالم النووي العربي، بأن جدّه كان ذئباً "رماد"، وأن امرأته وحبيبته "أماليا" اليابانية.. أي "مطر الليل" يعترفُ ويجهرُ بأن القنبلة "البوكيت/ بومب" التي يقترحها وينجزُ دراساتها.. وتُصنعُ. هي للقتل، ولكن من دون الضحايا الكُثر، ومن هنا أهميتها للتخلص من "التنظيم" كوباءٍ كوني.. مثلاً، ذلك لأن انتشارها سيكون في مساحة محدودة مع محدودية إشعاعاتها، وهذا ما سيحصل في نهاية الرواية، بعد رحيل كل طاقم القلعة –القاعدة "أميروبا". حيث نرى الأعداد البشرية الهائلة التي تنبع من الصحراء وتقتحمُ القلعة وكلهم، أو معظمهم، من عناصر "التنظيم" لِتدكّ قنبلة الجيب.. قنبلة "آدم غريب" العربي القلعة على رؤوسهم مُخلّفةً الأشلاءَ والدم والرماد، ومُخلفةً "آدم" الذي سيُعتَبَرُ العربي الأخير. إنه انقراضٌ للعربي بحدس واسيني الأعرج الروائي. حدس اللامعقولِ المُخيف!

عملٌ- روايةٌ.. تأريخٌ، خيالٌ مريبٌ.. جمالٌ وحالات شعرية. مونولوجات مسرحية.. سينما غرائبية. كل هذا دفقةً واحدة.

إن الموت والانقراض الذي عشّشَ في"أرابيا"، أي بلادُ العرب، ربما كان سببهُ ومبرره "أزاريا"، أي إسرائيل. وربما مبررهُ الأول والأخير كل الديانات التي آمنت بالقتل والموت لتحرير العقول وتدميرها، من أجل ملكوت السماوات.

 تذهبُ كل التفاصيل وقلعة "أميروبا" معقل الموت، تموتُ من خلال قنبلة "آدم".. و"آدم" يضيعُ بدهشةٍ بين كل التفاصيل.

إنه عملٌ يتقدم بكَ زمناً لترى القادم حاضراً الآن في "2084" ولا شفاعة لكل الشعارات حيثُ تَفَكّكَ العالم وأصبحت "الربع الخالي" مسرحاً للأحداث فيها خرابٌ ودم.. أمرٌ لا ريب فيه.

هو اقتراح "واسيني الأعرج" الذي يقرأُ متاهات القادم بلغةٍ تتعالى وتقترب من الجمال والمتعة، ومن استشرافٍ يقيني. ولْتُبقي على هامشٍ يقولُ: إن اللغة والخيال أعجوبة الكشف والإبداع!

لم أستطِع فعل شيء ــ فيما اقترحت ــ سوى رؤيةٍ وقراءةٍ سريعة عن العمل الفذّ، رغم ما يُشاعُ عن البلاغةِ والتكثيفَ، لأن التكثيف هنا، يرتضي قراءةَ التفاصيل، لأنها تشكل ركناً ضرورياً من اللوحة– الرواية وأرى أن القراءة أو الدراسة المتأنية؛ وقد تكون؛ يمكن أن تدغدغ الرواية وتُفكّك تفاصيلها وسراديبها.