تبدأ هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية حديثها عن سوريا في مذكراتها "خيارات صعبة" باقتباس عبارة "كوفي عنان" الأمين العام للأمم المتحدة في جنيف وهو يقول: "التاريخ قاض ماكر وسيحاكمنا جميعاً في قسوة، إذا ثبت أننا عاجزون اليوم عن السير في الدرب الصحيح"، قالها في نهاية حزيران/يونيو 2012، في اجتماع من أجل إيجاد حل للقضية في سوريا.
تحكي هيلاري قصة الثورة ونزول المتظاهرين للتظاهر ضد نظام بشار الأسد الاستبدادي، ومواجهة قوى الأمن لهم، ولجوء السلطة إلى الاعتقالات الجماعية. وتحكي أيضاً عن علاقتها بالملف السوري والتي بدأت باقتراحها الدبلوماسي المتمرس روبرت فورد، ليكون سفيراً للولايات المتحدة في سوريا، وصل فورد إلى سوريا وباشر أعماله كسفير وأكمل الأسد منهجه المتعمد في القتل والاعتداء على المدنيين ونشر الدبابات في كل مكان. أدانت الولايات المتحدة ما يحدث وفي تموز/يوليو 2011، أقدم محتجون موالوان للنظام على اقتحام مجمع السفارة، وتحطيم النوافذ والكتابة على الجدران.
في هذه الظروف توجه السفير الأميركي إلى حماة، حيث كانت قد وقعت أحداث دامية عام 1982، والتقى بالمتظاهرين، مؤكداً تضامن الولايات المتحدة وتعاطفها مع المحتجين، وتم تقدير تصرف روبرت داخل الإدارة الأميركية وتم تثبيته في وظيفته كسفير من قبل مجلس الشيوخ، حيث ذهب خارج جدران السفارة لينفذ مهامه.
تشرح هيلاري كذب وعود الأسد المتكررة، ونداءات جامعة الدول العربية وصولاً إلى اجتماعات الأمم المتحدة، وتشرح رفض الروس القاطع لأي أمر يمكن أن يشكل عامل ضغط على الأسد، وأنهم عزموا ألا يكرروا تجربة ليبيا وتدخل حلف الناتو، في سوريا. وتشرح هيلاري كذب الدعاوى الروسية بخصوص التمسك بالسيادة ومعارضة التدخل الأجنبي في سوريا، فبين عامي 2008 و 2014 لم يتوان بوتين عن إرسال قوات إلى جورجيا وأوكرانيا، مغتصباً سيادة هاتين الدولتين، لأن الأمر يخدم مصالحه وحسب.
ما تنقله هيلاري عن أحاديثها مع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي يدل على حالة من المراوغة الروسية، ففي ميونخ رفض الحديث عن تدخل عسكري في سوريا، ثم سألها "ولكن، ما هي نهاية اللعبة؟" وتكرر استخدام روسيا والصين حق النقض، ومنعتا العالم من إدانة العنف، تقول هيلاري إنهم بهذا التصرف يتحملون مسؤولية الفظاعات المرتكبة في سوريا، الأمر الذي وصفته بالأمر الحقير.
تحكي بعد ذلك ملابسات تشكيل ما عرف بأصدقاء الشعب السوري، وظهور أحاديث خلف الكواليس عن تسليح الثوار، تنسب هيلاري هذه الفكرة لدول الخليج وتبرر السبب بأن الخليج كان يشاهد جرائم ذبح الثوار السنة والمدنيين، عبر قناة الجزيرة وبدأ صبرهم ينفد، رأى وزير الخارجية السعوي الأمير سعود الفيصل أن تزويد الثوار بالأسلحة فكرة ممتازة، كانت هيلاري تخاف من هذه الفكرة بسبب الخوف من وصول الأسلحة للمتطرفين، بعد ذلك توجهت لمقابلة سعود الفيصل والملك عبد الله وتكرر الحديث عن خطر إيران وضرورة التدخل في سوريا، وكان رد الأمير سعود الفيصل أن الأسد لن يتخلى عن نهجه في القمع وممارسة العنف، وأن والدته لن تسمح له وأن الأسد سيتبع نهج والده في قمع الثورات، وكان الأمير يشير إلى ما حدث في حماة عام 1982. ثم توجهت هيلاري إلى إسطنبول والتقت مع ممثلين من تركيا والسعودية والإمارات وقطر، وسمعت الرسائل نفسها عن ضرورة تسليح الثوار.
حاول كوفي عنان، كما تشرح هيلاري كلينتون، اقتراح محاولات للحلول لكن الأسد لم يتخذ أي خطوة صادقة لتطبيق ما اتفق عليه من خطة عنان، وحدثت في أثناء ذلك مجزرة الحولة وكان الضحايا نصفهم من الأطفال، واضطر العنف المترامي والمستمر في سوريا الأمم المتحدة إلى تعليق عمل المراقبين الأمميين.
توجهت هيلاري برفقة أوباما إلى لوس كابوس في المكسيك، حيث التقيا بوتين، وجلسوا نحو ساعتين، واستحوذت سوريا على مجمل المحادثات، ادعى بوتين أنه لا يحب الأسد شخصياً، لأنه كان يسبب الصداع لموسكو، زاعماً أنه لا يملك نفوذاً حقيقياً عليه، ثم حذرهم بوتين من المتطرفين مشيراً إلى الفوضى التي أعقبت سقوط القذافي. وتأخذ في شرح كل تلاعبات لافروف في المفاوضات، ولعبه بالكلمات واختلاف أحاديثه أمام الكاميرا عن الأحاديث في الاجتماعات المغلقة، واستخدامه الثغراث لتثبيت وضع الأسد كلما أمكنه ذلك ورفضه خروج الأسد من المشهد السياسي، ورفض الروس ممارسة ضغوط على نظام الأسد، بل شاركوا معهم في جرائم الحرب المرتكبة بحق السوريين.
قدم كوفي عنان استقالته في اشمئزاز تام، وقال لهيلاري "فعلت ما في وسعي، وفي بعض الأحيان، لا يأتي الأفضل على المستوى المطلوب"، فأجابته هيلاري "لا أعلم ماذا كنت لتفعل أكثر، وسط عناد الروس في مجلس الأمن، لا أستطيع تصور عمل يفوق ما قمنا به، أقله، عملنا في جنيف على هيكلية، لكنهم كانوا ثابتين في آرائهم".
بدأت هيلاري تطلق على سوريا صفة المعضلة الشريرة، وهي عبارة يلجأ إليها خبراء التخطيط، لوصف التحديات المستعصية بلا حل، توضح هيلاري موقفها من قضية تسليح الثوار، وتحكي عن القلق من انفجار صندوق الشرور الذي يمكن أن ينتج عنه متطرفون، وعن القلق من خيارات ما بعد رحيل الأسد، وتردد كلمة لويس الخامس عشر "من بعدي الطوفان" كدلالة على تفكير نظام الأسد. فكرت أيضاً في دعم قوى ثورية غير متطرفة تمدها بالسلاح وتساهم في طرد الأسد، واختارت الجنرال ديفيد بتريوس مدير وكالة الاستخبارات لمناقشته في هذا الخيار، وكانت قصة المجاهدين الأفغان ماثلة دائماً في أذهان الإدارة الأميركية تخوفاً لتكرار التجربة وتبدل اتجاه البندقية ناحية الغرب وأميركا بعد سقوط الأسد. وانتهى النقاش برفض أوباما اقتراح تسليح الثوار، ثم تصل إلى نهاية فترة ولايتها وخروجها من العمل الدبلوماسي، وتحكي عن تحركات جون كيري وأوباما مع الروس لنزع الأسلحة الكيماوية، وتنهي حديثها عن سوريا بالقول "يستحيل اكتفاء المرء بالتفرج على المعاناة في سوريا، وإن كان مواطناً عادياً، من دون أن يسأل ما إذا كان يمكنه القيام بأكثر".