هيثم المالح ورزان زيتونة في "الذاكرة السورية"

2021.06.20 | 16:40 دمشق

هيثم المالح ورزان زيتونة في "الذاكرة السورية"
+A
حجم الخط
-A

انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية بمضمون حلقة برنامج "الذاكرة السورية" التي استضفنا فيها المحامي هيثم المالح وسجلنا معه أربع حلقات تناولنا فيها كثيراً من القضايا المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان والنشاط الحقوقي، وقضايا تتعلق بالنضال السلمي للسوريين في مواجهة النظام الاستبدادي منذ وقت مبكر وخاصة حركة إضراب النقابات، وتحديدًا نقابة المحامين، نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات. لكن الحلقة الأخيرة مع "المالح" حيث تطرقنا إلى قضية الناشطة الحقوقية المغيبة رزان زيتونة، إذ أدلى خلالها المالح بمواقف وآراء تناولت رزان زيتونة، فتسببت بموجة واسعة من التعليقات من قبل شرائح كثيرة من السوريين انتقدت غالبيتها ما أدلى به "المالح" من مواقف وتعليقات بحق رزان زيتونة.

ليس ذلك فحسب، فهناك، وعلى خلفية هذه الحلقة، من انتقد "تلفزيون سوريا" بسبب بثه هذه الحلقة، ومنهم من طالب بإزالة الحلقة من على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم من تمنى من محاور البرنامج أن يتدخل ويساجل هيثم المالح في حديثه عن رزان زيتونة.

قبل كل شيء يجب الاعتراف أن قضية رزان زيتونة هي قضية رأي عام بامتياز، مسألة غيابها وتغييبها هي قضية رأي عام أيضًا، وأن يتصدى برنامج تلفزيوني مثل "الذاكرة السورية " لهذه القضية هي مسألة ضرورية وطبيعية ومهنية في الوقت نفسه. لهذه الأسباب قررنا خوض النقاش وطرح أسئلة على ضيفنا المحامي هيثم المالح بحكم معرفته بها، وبحكم السنوات التي عملوا بها معاً كمتدربة في مكتبه كزميلة له في جمعية حقوق الإنسان. كانت الغاية سماع شهادة طيبة وإنسانية عن رزان زيتونة، ومتابعة النقاش حول مصيرها حتى تبقى قضيتها حية بيننا، وهذا أضعف الإيمان وما يمكن لوسيلة إعلامية سورية ومقدم برنامج أن يفعلاه من أجل قضية وطنية وإنسانية كقضية رزان زيتونة.

لكن خلال حواري مع الأستاذ هيثم لفت نظري ومنذ البداية أن هناك مواقف شخصية لها علاقة بتجربة العمل المشتركة لدى المالح، وظهر واضحًا أكثر حين تطرق إلى موضوع إصرار زيتونة على حضور جلسة المحامي والناشط الحقوقي أكثم نعيسة الذي كان معتقلا خلال فترة عمل رزان زيتونة في مكتب جمعية حقوق الإنسان مع هيثم المالح الذي حاول منع رزان من حضور تلك الجلسة لكنها أصرت على ذلك.

ومن ثم ظهرت مواقف الأستاذ هيثم المالح أكثر غرابة ومثارا للجدل حين ربط قضية تغييبها في منطقة دوما خلال الفترة المبكرة من عمر الثورة السورية بمسألة لباسها و"عدم مراعاتها للبيئة المحافظة" في منطقة دوما حسب تعبيره.

في الحقيقة، وكمقدم برنامج، تدخلت أكثر من مرة مستغربًا ومستهجناً بعض المواقف التي أدلى بها المالح، فمثلا سألته حين تحدث عن محاولته منع رزان زيتونة من حضور جلسة محاكمة أكثم نعيسة: هل أنت ضابط وهل رزان زيتونة جندي حتى تصدر أمرًا بمنعها من الحضور؟ كذلك حين تناول موضوع المكتب وقال إنه يملك المكتب وما فيه من أدوات عمل وغيره ولا يحق لرزان أن تغلق الكومبيوتر وتتصرف بهذه الطريقة بعد أن غضبت وتركت المكتب، هنا قاطعته وقلت له إن المسألة ليست مسألة ملكية شخصية، إنها جمعية حقوق إنسان وهناك نظام عمل يجب أن يكون هو الأساس في العلاقات بين الأعضاء وليس امتلاكك الشخصي للمكتب وما فيه.

وأيضًا، تدخلت مستغرباً ومنتقدًا حين ربط الأستاذ المالح بين مسألة تغييب رزان زيتونة وبين طريقتها "المتحدية " في اللباس للبيئة المحافظة في منطقة دوما وقلت له: لا يمكن أبدا اختزال قضية كبيرة كقضية اختطاف رزان بمسألة اللباس، بل إن السبب يعود إلى حجم النشاط الهائل الذي كانت تقوم به رزان وما كانت تقدمه من معلومات ووثائق للخارج عما يجري من أحداث في ذلك الوقت.

الخلاصة، أنني كمحاور ومقدم للبرنامج حاولت التدخل أكثر من مرة بحكم واجبي المهني، خاصة أن الشخص موضوع الحديث، رزان زيتونة، هو شخص غائب، وقد أشرت إلى ذلك خلال الحلقة حين قلت له وذكرته "إننا نتحدث عن شخص غائب" طالبا منه مراعاة ذلك.

في هذا السياق، هناك مسألة أخرى بحاجة إلى توضيح مني بصفتي صحفياً ومقدماً للبرنامج، وهي أنني وخلال الاستماع للسيد المالح، وبحكم معرفتي عن قرب بالناشطة والمحامية رزان زيتونة بحكم عملي السابق في سوريا كمراسل صحفي، كنت متضايقًا كشخص وإنسان يعرف حقيقة رزان زيتونة، لكن في الوقت نفسه وبصفتي مقدماً لبرنامج الذاكرة السورية، وبحكم طبيعة هذا النوع من البرامج التوثيقية التاريخية حيث يجب إفساح المجال والوقت أمام الضيف ليتحدث ويدلي بشهادته، حاولت ألا أتدخل كثيرًا لغاية "سحب" الموقف والشهادة من الضيف، لأن التدخل الكثير والمقاطعة خلال التسجيل ربما تمنع الحصول على المعلومات التي نحتاج إليها، فهذا البرنامج، ومن ناحية مهنية، يحتاج إلى إنصات أكثر من المحاور حتى لا يفسد مسألة الحصول على المعلومات والآراء والشهادات بلسان أصحابها حتى لو اختلفنا معهم ولم نوافقهم. هذا البرنامج ليس برنامجاً سجالياً حواريًا وسياسيًا بحيث يتدخل ويدخل المحاور في معركة تسجيل موقف ما مع الضيف. إن مهمة الرد على ما أتى به الضيف هي مهمة الرأي العام وضيوف آخرين يحملون وجهة نظر مختلفة. ولقد حصل ذلك أن الرأي العام تفاعل كثيرا وبشكل غير مسبوق مع المواقف والآراء التي عبر عنها الأستاذ هيثم المالح، كذلك كتب البعض مقالات في موقع تلفزيون سوريا ينتقدون المالح والحلقة.

 

 

وفي هذا الصدد، لا بد من التذكير أن برنامج "الذاكرة السورية" منفتح على الجميع، لا يوجد ڤيتو على أحد، ونحن في فريق البرنامج نتواصل، وتواصلنا سابقا مع شخصيات من مختلف الطيف السياسي السوري، وما زلنا نتواصل.

لقد أجرينا حوارات مع المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني ومع السيد عقاب يحيى البعثي المقرب من صلاح جديد ومع القيادي الكردي السوري صلاح بدر الدين ومع إحسان الشيشكلي ابن الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي وغيرهم، ونحن بصدد إجراء حوارات في المستقبل مع شخصيات كثيرة تمثل كل الطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري، رغم كل العوائق التي واجهتنا وما زالت تواجهنا وفي مقدمتها الإجراءات المتعلقة بالإغلاق بسبب جائحة كورونا حيث لم نستطع الوصول إلى الكثير من الضيوف خلال فترة عملنا السابقة .

ومن أجل الوصول إلى كل هذا الطيف، ومن أجل توثيق أفضل ومتنوع للذاكرة السورية، سافر فريق البرنامج إلى الكثير من العواصم والمدن حول العالم، إسطنبول ولندن والمكسيك وولاية تكساس بالولايات المتحدة من أجل تسجيل هذه اللقاءات على الرغم من ما يتطلبه ذلك من جهد ونفقات مالية.