هيئات المعارضة السورية وفشل التمثيل

2020.12.11 | 23:00 دمشق

1201418193738.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالرغم من انكساراتنا المستمرة كسوريين، إلا أننا لا نمل ولا نيئس، وفي كل فصلٍ تقريباً تطل علينا مبادرةٌ جديدةٌ، أو دعوة لإعادة هيكلة أو تشكيل الأجسام التمثيلية للمعارضة، أو إسقاط الهياكل الشكلية للأجسام التمثيلية القديمة، التي لم تعد تعني شيئاً واستبدالها بجسمٍ جديد.

من نتائج هذه السنوات المريرة التي عصفت بحياة السوريين، أنها أسست لدى الكثيرين منهم نظرةً نقديةً، ومحاكمةً عالية التشكك تجاه أي طرح جديد، ربما يكون محض تكرارٍ بطيء لما فعلته الهيئات الثورية والممثلون لها وما أكثرهم، لا سيما أن الهيئات السابقة قامت في بدايات الثورة السورية، الأمر الذي أتاح لها زخماً كافياً من الحماسة والتضحية والتفاعل الدولي والإعلامي، الذي بات مفقوداً اليوم، ومن شبه المحال عودته ثانيةً، بعد كل هذا الفشل المريع والخيبات المتكررة.

كما أن الكثير من الفصائل المسلحة والتي كانت تمثل الشكل المباشر والحاد للمواجهة مع قوات النظام والميليشيات الداعمة له، قد انحرف عن مشروعها التأسيسي، وأصبحت تمارس دورها وسلطتها المسلحة في دائرة نفوذها، تماماً كما كانت تفعل قوات النظام، وتحولت إلى مافيا مصالح ومكاسب وحسب، ولم يعد التنسيق اللازم بينها وبين التشكيلات السياسية ممكناً.

معظم الأسماء التي ظهرت في الصف الأول من المعارضين، الذين تسلموا مواقع قيادية، كان الشطر الأكبر من نشاطهم وإلى اليوم، منصباً على الحفاظ على هذا الموقع

لقد بات العالم اليوم منشغلاً بوقائع أكثر جدةً وأهميةً بالنسبة له، خاصةً في زمن الكورونا، الذي غير سلم الأولويات العالمية والمحلية بشكلٍ حاسم، ولم يعد معنياً بتوق السوريين للحرية، ومقدار ما قدموه من تضحيات على مذبحها.

معظم الأسماء التي ظهرت في الصف الأول من المعارضين، الذين تسلموا مواقع قيادية، كان الشطر الأكبر من نشاطهم وإلى اليوم، منصباً على الحفاظ على هذا الموقع، وفور فوز أحدهم بكرسي رئاسة ما أو أمانة العامة، أو هيئة سياسية، يبدأ سعيه الحثيث في التحشيد للانتخابات القادمة، التي ستكون بعد ستة أشهر أو سنة.

اللجنة الدستورية أو هيئة التفاوض على سبيل المثال، يستطيع فتىً لم يبلغ الحلم بعد أن يكتشف من اللحظة الأولى لإطلاق تلك اللجان، أنها ستدور في مكانها الذي تم رسمه لها، كما يدور الثور في رحاه، لا تملك أدنى قدرة على الانزياح يميناً أو يساراً، كما أن تحقيق أي تقدم على هذا المسار مرهونٌ برغبة الدول المتحكمة بالملف السوري، وهذه الرغبة غير متوفرة بدلالة الوقائع المتكررة.

تتسم هذه الهيئات بالافتقار للمتخصصين في إدارة تلك الملفات الشائكة، التي يبرع النظام وأزلامه في إدارتها، واللعب بحبالها، فمعظم المشاركين في اللجنة الدستورية، لا يفقهون في القضايا الدستورية أكثر مما يفقه بائع حليب في قضايا مسرح الكابوكي الياباني، وليس هذا لافتقار الكوادر السورية المعارضة لهذه الخبرات، بل لأن العملة الرديئة تطرد العملة الصحيحة، وتحرص على تغييبها.

في منتصف عام 2012 سألت أحد أهم وجوه المعارضة يومها وأنشطهم فاعلية، "برأيك لو أسندنا وزارة الكهرباء اليوم لأهم وأوسع فريق في المعارضة السورية ماذا ستكون النتيجة؟ فأجابني بدون تريث وبثقةٍ تامة، ستنقطع الكهرباء سبعة أيامٍ في الأسبوع" وهو حسب رأيي غير مبالغ أبداً، لكن من السخرية المرة أننا اليوم وبعد تسع سنوات، لم تتمكن المؤسسات التمثيلية للمعارضة من بناء فريقٍ من المختصين، أو للاستعانة بمن هو متوفرٌ أصلاً، لإدارة تلك الملفات التي تخاض الحرب عبرها.

في كلِّ مرة تطلب منظمةٌ أو مؤسسةٌ ما موظفا جديداً للعمل في قطاعها المحدود، نجد دفتر شروطٍ متين مصاغ وفق المعايير العالمية، كيما يكون الفائز بتلك الوظيفة مؤهلاً بالفعل للقيام بمتطلباتها، وهذا يحمد لهم، لكن الغريب أننا في المؤسسات التمثيلية للثورة نجد الشطر الأكبر ممن يتبادلون الكراسي بينهم وبشكل منتظم، لا يمتلكون أدنى درجات التأهيل لهذه المواقع، باستثناء التثقيل الثوري، الذي يرتكز أساساً على جملة مزاعم يصعب التحقق منها أصلاً.

هذا لا يعني أن نقطع سلفا مع اللجان أو الهيئات التي تبادر لإملاء الفراغ المرعب، لكن التقدم للتداخل في المسألة السورية الآن أخطر من إمساك الجمر والمناخ هو الأسوأ على الإطلاق، والأمل بالجدوى ينحدر إلى ما هو تحت الصفر، مع الافتقار التام للحماسة التي تدفع السائرين في الدروب الصعبة لتحمل العناء.

هل ستمتلك هذه الهيئات الجديدة بوصلة محددة الأهداف، بدقة وفق رؤيا موضوعية بعيدة عن اللافتات الشعرية؟

هل سنشهد في مقبل الأيام ولادة هيئاتٍ أو تشكيلات معارضة، تستوفي الحد الأدنى من شروط التمثيل، وتمتلك ما يلزم من التفويض عن شعب له تسع سنوات يعاني القتل والتدمير والحصار، ولن يقبل من جديد بممثلين جدد، يهبطون عليه من السماء؟

وهل ستمتلك هذه الهيئات الجديدة بوصلة محددة الأهداف، بدقة وفق رؤيا موضوعية بعيدة عن اللافتات الشعرية، التي لم تعد تسكر أحداً؟

وهل ستمتلك آلية من الممارسة الرقابية التي تدقق وبشكلٍ دوريٍّ ورتيب، بمدى تطابق حركة هذه الهيئة مع الأهداف والمبادئ التي منها انطلقت؟

إن تكرار تجربة الائتلاف الفاشلة والمليئة بالفساد، يقطع الطريق على ولادة أجسام سليمة، تفرزها حالة التأزم الشعبي، التي من طبيعتها أن تفرز ممثليها وتكوّن الإطار المناسب لاستمرار ثورتها.