icon
التغطية الحية

همام العاصي بعين واحدة وثق المجازر وأسعف المصابين وعجز عن إسعاف نفسه

2021.07.19 | 09:37 دمشق

5o0b6286.jpg
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

"دون ضجيج" يعملون.. يقدمون.. ومن ثم يرحلون.. هكذا هم الثوار المخلصون، تتلخص وتتمحور سيرتهم ضمن هذه الثلاثية العظيمة، كما هو حال طالب الفيزياء الذي ترك جامعته ومدينة اللاذقية مطلع الثورة السورية عائداً إلى قريته في جبل الزاوية منضماً إلى صفوف ثوارها.

همام العاصي الشاب المنحدر من بلدة بزابور في أقصى جبل الزاوية والراحل مبكراً عن ثلاثة عقود قضى أحدها ثائرا وموثقاً لجرائم الأسد وروسيا بعين واحدة، ليلتحق بشقيقين له، ويترك خلفه عبد الرحمن وجنى ومحمد ثلاثة أطفال كالنجوم في علم الثورة.

رحل همام في صباح يوم من أيام تموز الحارة والتي زاد من حرارتها لهيب القذائف المتتابعة على جبل الزاوية وذلك بعدما أسعف عائلتين تعرضتا للقصف، وعجز شريكه ورفيقه الذي كان بجانبه عن إسعافه.

انضمامه للدفاع المدني وصفاته

همام الشاب المولع بكرة القدم مشاهدة ولعباً عاشق ريال مدريد، الذي كان يملأ الحي صخباً عند فوزه، ويغضب بشدة عند خسارته تحول رغم مواصلته لعب ومتابعة كرة القدم، إلى متطوع في الدفاع المدني بعد تعرضه لإصابة بالغة جراء استهداف مدينة أريحا بقذائف الهاون من قبل قوات النظام. إصابة فقد همام إثرها عينه اليسرى، وصعوبة إسعافه إلى مشفى قريب وغياب المسعفين كانت السبب الرئيس في انضمامه إلى صفوف الدفاع المدني السوري بداية عام 2014 كمتطوع يسعف المصابين ويمد يد العون لهم، كي لا يعيشوا ذات معاناته لحظة إصابته.

حب المتطوع الشاب للإلكترونيات والتكنلوجيا وامتلاكه المعرفة والإلمام بأساسيات الإعلام دفعته إلى الانتقال من عنصر متطوع إلى إعلامي متطوع ضمن مركز الدفاع المدني ذاته، وذلك منتصف عام 2016، حيث بدأ بتوثيق المجازر والتقاط الصور والفيديوهات ورغم خسارته إحدى عينيه لم  يتوقف عن التوثيق.

في استعراض لحياة الإعلامي الراحل يقول حسان العاصي مديره المباشر وأحد أقاربه أيضاً في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بأن العاصي كان هادئاً خلوقاً شجاعاً، كما كان ذكياً نبيهاً يجيد التعامل مع أصعب الظروف والمواقف، ولطالما كان ينبه رفاقه ويرشدهم للتصرف الأمثل في مواقع العمل والاستجابة للقصف.

رغم صلابته وهدوئه الشديدين لكن لا بد من لحظات ومشاهد قاسية تكسر صلابة الرجال، وهو ما حصل مع همام عندما انهار وخر باكياً أثناء عمله على إنقاذ إحدى العائلات التي تعرض منزلها للقصف في قريته بزابور نهاية عام 2019 عندما رأى الأطفال الجرحى العالقين تحت أنقاض المبنى، كما يظهر في الفيديو الذي نشره الدفاع المدني السوري بعد استشهاده.

 

تفاصيل الاستهداف

في ليلة السابع عشر من تموز كان همام وزملاؤه في مركز الدفاع المدني في بزابور يتحدثون عن التصعيد الأخير على المنطقة، ويستذكرون الحملات السابقة ولخص أحدهم المخاوف بعبارة "نحن بكل حملة منخسر متطوع من المركز بالقصف الروسي… الله أعلم دور مين هالمَرّة".

في سويعات قليلة ومنذ الصبح استفاقت المنطقة على قصف بقذائف "كروسنبول" الموجهة بالليزر والتي تعتبر آلة الإجرام والفتك الأبرز للنظام وروسيا في جبل الزاوية هذه الأيام، سقطت قذيفتان على بلدة سرجة دون أن تُحدثا أية إصابات، وفي أثناء قيام الفريق المكون من خمسة متطوعين (قائد فريق، سائق، إعلامي، عنصرين) بتفقد أماكن القصف سقطت قذيفة على مبنى سكني خلفت عدداً من الضحايا والجرحى والعالقين تحت الأنقاض.

على الفور توجه الفريق نحو المكان وعمل على إسعاف الجرحى ونقل جثامين القتلى نحو مشفى أريحا، بعد توجه سيارة الإسعاف نحو أريحا طلب الفريق معدات خاصة لرفع السقف البيتوني المنهار بغية استخراج طفلة عالقة تحته، وقبل وصول المعدات اللازمة كانت طائرات الاستطلاع فوقهم وطلبت منهم المراصد المختصة بتتبع الطيران وقوات النظام وروسيا إخلاء المكان خوفاً من تكرار استهدافه، انتشر الفريق بعيداً عن الموقع ريثما تبتعد طائرة الاستطلاع إلا أن قذيفة أخرى سقطت على منزل سكني قريب وخلفت عدداً من الجرحى والضحايا أيضاً.

استعان الفريق بسيارة الإسعاف الثانية والأخيرة في المركز وأرسل معها الضحايا والجرحى نحو مشفى أريحا.

كانت طائرات الاستطلاع في سماء المنطقة ورغم أن الفريق غير مكانه خشية أن يكون قد تم رصده من الطائرات إلا أنه تعرض لاستهداف مباشر بقذيفة كروسنبول فور توقفه للاختباء في على جنبات أحد الطرق، مما أدى لإصابة المتطوعين ومن معهم من المدنيين.

نظرة الوداع المملوءة بالعجز وعبارة "سلامتك يا شريكي"

المتطوع في الدفاع المدني محمود العثمان في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يقول: "منذ أكثر من خمسة وعشرون يوماً لم أرَ شريكي (صديقي المقرب) همام أبو عبد الرحمن، وذلك لانقطاعي عن الدوام بالمركز والتفرغ لامتحان دورة الإسعاف التي يقيمها لنا الدفاع المدني في جامعة حلب الحرة".

ويضيف عثمان "في الصباح بينما كنت أقوم بتجهيز كتبي للدراسة بسبب قرب امتحاني سمعت نداءات استغاثة تطلب حضور الدفاع المدني إلى أحد المواقع التي تعرضت للقصف، على الفور قمت بارتداء ثياب عملي والتحقت برفاقي في المركز وتوجهت إلى الموقع لإسعاف الجرحى".

وتابع عثمان سرد الأحداث التي حصلت معهم حتى وصل إلى لحظة تعرضهم للاستهداف المباشر فقال: "عند اختبائنا وقبل سقوط القذيفة بلحظات قليلة نظر إلى همام ونطق الشهادتين كعادته في أوقات القصف، ثم تعرضنا للاستهداف المباشر..

يتابع العثمان: عند انقشاع الغبار رأيت المدنيين وزملائي المتطوعين يمشون بشكل عشوائي دون وعي من هول ما حدث، جميعنا مصابون نظرت إلى همام كان لا يستطيع الحركة، جلست أمامه وبدأت أحاول التخفيف عنه وتهدئة روعه بعبارات "سلامتك يا شريكي" و"أمورك سليمة يا خاي" بينما كان يطلب مني إسعافه وحمله، لكن ما حَزّ في نفسي وقلبي هو عجزي عن إسعافه وحمله بسبب إصابتي أنا أيضاً وحاولت عدة مرات حمله لكن دون جدوى.

لقد ذهبنا لمساعدة المدنيين فأصبحنا نحتاج من يساعدنا ويسعفنا وعجزت عن مساعدة وإسعاف أعز رفاقي".

ويصف محمود العثمان مشهد وداع رفيق دربه: كان يضغط بيده السليمة على يدي وكان ينظر إليّ بنظرات تطلب المساعدة كنت أقرأ عينيه التي تقول لا تتركني.. أبقى معي.. ساعدني.. أسعفني.. حتى لم أستطع تمالك نفسي وبدأت بالبكاء والصراخ بأعلى صوتي طالباً قدوم المساعدة.

قبيل الوصول إلى المشفى نظر إلي نظرات لن أنساها ما حييت وحينها قال لي أنا سوف أموت...

اختصر العثمان حديثه بعبارة "شعور لا يوصف من شدة صعوبته".

 

أيضاً قال رفيق درب همام: "ساقني القدر لألحق بهم إلى المركز فأودعه وأراه للمرة الأخيرة وأشيعه بيدي شهيداً، اختاره الله من بيننا شهيداً وأنا فخور بذلك وأعده بمواصلة المسير على طريقه".

 

5O0B6257.JPG