icon
التغطية الحية

هل يوجد اتفاق تركي روسي على تبادل مناطق السيطرة والنفوذ؟

2019.05.05 | 12:05 دمشق

تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أعطى تزامن العملية العسكرية التي شنها الجيش الوطني السوري يوم أمس السبت، بالاشتراك مع الجيش التركي على مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" شمال حلب انطباعاً بوجود نوع من التنسيق الضمني بين أنقرة وموسكو، لتبادل مناطق السيطرة في إدلب وريف حلب.

ومما عزز هذه الفرضية أن العملية العسكرية على القرى المجاورة لمدينة تل رفعت التي تقع فعلياً تحت الوصاية الروسية وليس الأمريكية، جاءت في ظل توسع الحملة الجوية للطيران الروسي على أرياف إدلب وحلب وحماة، مما زاد التكهنات بأن أنقرة قد بدأت ترفع يدها عن تلك المناطق مقابل مكاسب تسعى لتحقيقها قرب الشريط الحدودي.

توتر صامت وردود عسكرية غير مباشرة

منذ الأيام الأولى لحملة القصف الجوي والمدفعي التي تشارك روسيا فيها شرق إدلب وشمال غرب حماة، ووصلت مؤخراً إلى جنوب إدلب، وجهت موسكو رسالة مبطنة عبر مدفعية قوات الفيلق الخامس المتمركزة في بريديج، حيث جرى استهداف محيط نقطة المراقبة التركية في شير مغار بريف حماة الغربي قبل عدة أيام.

الرد التركي جاء عبر هجمات مركزة نفذتها فصائل الجبهة الوطنية للتحرير، واستهدفت نقاطاً للفيلق الخامس في محيط حماة والذي جاء بديلاً للفرقة الرابعة، حيث نفذت فصائل أحرار الشام وجيش النصر هجوماً خاطفاً على محيط القلعة الأثرية في منطقة قلعة المضيق، كما جرى مهاجمة تل برهان الاستراتيجي على الطريق الواصل بين قلعة المضيق ومدينة السقيلبية، وجاء هذا بعد عودة قصف قاعدة حميميم الروسية بصواريخ بعيدة المدى.

وفي اليوم التالي للهجوم الذي شنته الجبهة الوطنية، وصلت قذائف مدفعية الفيلق الخامس المدعوم روسياً إلى داخل نقطة شير مغار التركية، وأدت إلى جرح عسكريين على الأقل، مما دفع الطيران التركي للتدخل من أجل تأمين النقطة وإخلاء المصابين.

وتحمل عملية الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة على المناطق المحيطة بتل رفعت دلالات مهمة، وتبدو أنها رد تركي غير مباشر على التصعيد الروسي في الشمال السوري، خاصة أن "وحدات الحماية" قد احتلت تل رفعت وبلدة منغ ومطارها بدعم من الطيران الروسي في شهر شباط 2016، حيث عملت موسكو من خلال دعم العملية على تأمين مصلحة مهمة، وهي  إيجاد موطئ قدم لها قرب طريق اعزاز – حلب التجاري ، وتضييق الخناق على تركيا بشكل أكبر عبر دعم عدو تاريخي قديم لأنقرة وهو حزب العمال الكردستاني وأذرعه، وقد منعت روسيا في وقت سابق تركيا من إكمال عملية غصن الزيتون لتصل إلى تل رفعت، بل إن هناك حالة من التداخل بين وحدات الحماية وقوات النظام والشرطة العسكرية الروسية هناك، وشاركت الأخيرة في التصدي لهجوم الجيش الوطني السوري يوم أمس عبر سلاح المدفعية بحسب ما أفادت به مصادر عسكرية متطابقة لموقع تلفزيون سوريا.

ومما يعطي مؤشراً إضافياً على التوتر وليس التنسيق، أن الجيش التركي لم يشارك بشكل ملحوظ في العملية التي نتج عنها السيطرة على قرى مالكية ومرعناز لعدة ساعات قبل الانسحاب منها، واكتفت أنقرة بدعم الجيش الوطني بالمدفعية، وعلى الصعيد الروسي فإن قصف الفيلق الخامس لنقطة عسكرية تركية لا يمكن أن يتم دون إذن موسكو، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصف الطائرات الروسية لقاعدة تركية في مدينة الباب عام 2016 والادعاء أنه حصل الأمر بالخطأ لأن أنقرة لم تنسّق مع روسيا في العملية ضد تنظيم "الدولة" آنذاك.

تصعيد تفاوضي

بالنظر إلى التوقيت الذي جاء فيه التصعيد العسكري بالمنطقة الممتدة من محيط اعزاز حتى شمال حماة، يمكن الاستنتاج بأنه يدل في الوقت الراهن على تصعيد تفاوضي أكثر مما هو حرب مفتوحة وشاملة.

فمن جهة روسيا التصعيد الجوي الذي لا توجد مؤشرات حقيقية حتى اللحظة تشير إلى قرب تحوله إلى هجوم بري، جاء بعد الوصول إلى طريق مسدود في مفاوضاتها مع تركيا للسماح لها بإدخال دوريات مشتركة إلى المنطقة المنزوعة السلاح جنوب شرق إدلب وشمال غرب حماة، وغرب محافظة حلب.

في المقابل يبدو أن هناك استياء تركياً من تعنّت روسيا وعدم قبولها بتسيير دوريات مشتركة معها في منطقة تل رفعت ومحيطها، يضاف إلى ذلك وجود تقدم ملحوظ في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول ملف شرق الفرات، وأيضاً تعثر جهود ضامني أستانا من أجل تشكيل اللجنة الدستورية، وإعلان واشنطن رسمياً أن مسار أستانا قد فشل، بالتزامن مع اجتماعات دولية في جنيف للبت في اللجنة، وبطبيعة الحال فإن موقف تركيا المعلن والثابت أنها تؤيد الحل عبر مسار جنيف وتنظر لأستانا أنه مجرد مكمّل وصيغة تنسيقية ميدانية، وليس وسيلة للوصول إلى حل شامل للملف السوري.

وأبعد من ذلك فإن تركيا حالياً تعكف على دراسة التحول إلى نفط إقليم شمال العراق بديلاً عن النفط الإيراني، مما يدل مرة أخرى على أن مفاوضات أنقرة وواشنطن حول غالبية الملفات العالقة قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، وهذا بالتأكيد سينعكس على العلاقات مع كل من إيران روسيا، ولعل هذا ما يفسر دفع إيران بتعزيزات من لواء القدس الفسلطيني المدعموم منها باتجاه محافظة إدلب يوم الجمعة الماضي، رغم إعلانها في وقت سابق عدم رغبتها في المشاركة بالهجوم.

سيناريوهات محتملة

1-توافقات تركية – روسية جديدة: لا يعني ما سبق سرده من مؤشرات وأدلة حول التوتر بين أنقرة وروسيا أن الطرفين سيذهبان باتجاه القطيعة الكاملة، وإنما على الغالب ستستمر الرسائل غير المباشرة بين الجانبين عبر الوكلاء بمناطق مختلفة لفترة إضافية، قبل العودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى تفاهمات جديدة قد تتضمن الموافقة المتبادلة على تسيير دوريات مشتركة في تل رفعت وما حولها، وإدلب وما حولها، أو تصل إلى تبادل مواقع سيطرة لكن ليست بالضرورة مناطق واسعة.

ومما يعزز فرص العودة للتهدئة أن تركيا تدرك حجم الثقل الروسي في الملف السوري ومدى حاجتها إلى استمرار التنسيق معها، كما أن روسيا لها مصالح مع تركيا تتجاوز سوريا وتتعلق بحلم روسيا بتفكيك حلف الناتو.

2-القضم التدريجي: قد نشهد انزلاق الأمور لحرب جوية وبرية، مما قد يجبر نقاط المراقبة التركية على إخلاء النقاط المتقدمة باتجاه الداخل، بالتوازي مع كثافة النزوح وفراغ هذه المناطق من سكانها. وستلجأ موسكو حينها للقضم التدريجي للشمال السوري، حيث تعمل حالياً لبسط سيطرتها على المنطقة المنزوعة السلاح، مما قد يؤمن لها مزيداً من الحماية لقواعدها في الساحل السوري، والتي تعرضت خلال العشرة أيام الماضية لأكثر من هجومين بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

وعلى أية حال فقد دلت الأحداث الماضية والتطورات عبر السنين السابقة أن الثابت الوحيد في الملف السوري، هو تغير المصالح والتحالفات والتفاهمات بسبب سيولة الأحداث التي تفوق في كثير من الأحيان حجم التوقعات للدول المؤثرة.