icon
التغطية الحية

هل ينقذ الغاز المصري نظام الأسد ويفتح الباب لتطبيع أكبر؟

2021.09.17 | 10:04 دمشق

f3d6a81ae81498812d88f8a719afabba.jpg
خط الغاز العربي (صورة أرشيفية)
إسطنبول - عبدالناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

بقي التقارب الذي قادته بعض الدول العربية تجاه نظام بشار الأسد محاطاً بالعديد من العقبات في ظل مواصلة الولايات المتحدة رفضها إعادة تعويم النظام دون حل سياسي مع استمرار فرضها للعقوبات الاقتصادية على النظام وتحذيرها من التعامل معه.

وفي ظل ذلك حافظت مصر على مستوى مضبوط من العلاقة مع نظام الأسد بشكل لا يغضب واشنطن ويبقي القاهرة على صلة مع دمشق.

وفي الآونة الأخيرة بدت مصر ومعها دول أخرى تريد كسر نطاق العقوبات الأميركية المفروضة ضمن "قانون قيصر" على نظام الأسد، ما قد يمكّن الأخير من تجاوز الأزمات الاقتصادية المتراكمة في مناطق سيطرته ولو بشكل جزئي.

مصر ونظام الأسد 

شهدت العلاقات المصرية السورية عدة تغيرات منذ انطلاق الثورة في سوريا بشهر آذار عام 2011، حيث نالت الأخيرة دعماً من الرئيس الراحل محمد مرسي الذي قطع علاقاته مع نظام الأسد.

وبعد قيام الانقلاب العسكري عام 2013، أعاد النظام المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص العلاقة مع نظام الأسد عبر تعاون أمني وعسكري، مع السماح ببقاء اللاجئين السوريين في البلاد.

ودخلت الحكومة المصرية على خط الأزمة السورية عبر دعم تأسيس منصات سياسية معارضة لها وجود في الهيئة العليا للتفاوض التي تقود المفاوضات مع نظام الأسد تحت مظلة الأمم المتحدة بجنيف.

وقد أكّد وجود نوع من التعاون بين القاهرة ودمشق تصريحات أدلى بها رئيس النظام بشار الأسد خلال مقابلته مع قناة "المنار" اللبنانية في آب 2015 قائلاً: إن "هناك تعاوناً بين مصر وسوريا على الصعيد الأمني والعسكري، ولقاءات بين مسؤولين سوريين ومصريين"، معتبراً أن "سوريا ومصر في خندق واحد لمحاربة الإرهابيين".

فيما لم تقم القاهرة بتطوير العلاقات بمستوى أعلى خلال السنوات السابقة بسبب التحذيرات الأميركية من التطبيع مع النظام، حيث لم تتخذ مصر أي خطوات تقربها من نظام الأسد بشكل أكبر يدعمه عربياً وإقليمياً أسوة بما فعلته كل من الإمارات وسلطنة عُمان والأردن من تطبيع بوتيرة أكبر وتبادل زيارات على مستوى رفيع.

وهذه السياسة أكّدها وزير الخارجية المصري سامح شكري بداية عام 2021 على أن القاهرة تتطلع إلى "عودة سوريا لمحيطها العربي"، وأن "تعود مرة أخرى لتتبوأ مكانتها التي نعتز بها جميعاً، ولكن مسألة عودة العلاقات أمر فيه بعض التعقيد"، وفق تصريحات لصحيفة "الأهرام" المحلية.

الغاز المصري 

ويبدو أن التطورات الإقليمية بما يخص توريد الغاز المصري إلى كل من الأردن ولبنان عبر سوريا سيلقى بظلاله على الملف السوري عموماً ويتوقع أن يكون له تأثيرات مهمة على الواقع الاقتصادي والأهم أنه من الممكن أن يسهم في إخراج نظام الأسد من بعض أزماته الاقتصادية ولو جزئياً.

وخط الغاز القادم من مصر نحو لبنان هو خط عربي في أصله تقرر تأسيسه عام 2000، وصدّرت أول كمية من الغاز عام 2003، إذ يبدأ من مدينة العريش المصرية وصولاً إلى مدينة العقبة الأردنية على البحر الأحمر، ويمتد حتى الأراضي السورية، ثم إلى طرابلس اللبنانية.

وتوقف العمل بالخط عام 2012 مع تعرضه إلى عدة تفجيرات نفذها مجهولون في مصر، بدأت منذ 2011 وتسببت في حرائق ضخمة.

ولم تكن إعادة تفعيل خط الغاز ممكنة لولا الموافقة الأميركية بتجاوز قانون قيصر والسماح للبنان بالحصول على الطاقة التي يحتاج إليها لتوليد الكهرباء، وهو ما يمكن أن يكون تخفيفاً عن نظام الأسد الذي يعاني من أزمات هائلة خصوصاً بما يرتبط بمد مناطق سيطرته بالكهرباء والوقود.

ومن المرجح أن ملف خط الغاز العربي أثير أثناء لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن بواشنطن في تموز الماضي، حيث أكّد أن "التوصل إلى حلول لمساعدة سوريا يمكن أن يساعد المنطقة برمتها والأردن على نحو خاص".

وبعد قرابة 10 سنوات من سياسة النأي بالنفس وانقطاع الزيارات الرسمية بين لبنان والنظام السوري، زار وفد حكومي لبناني على مستوى الوزراء في 3 من أيلول الجاري العاصمة دمشق والتقى بشار الأسد مجرياً مباحثات حول مشروع مد الغاز.

وفي اليوم التالي أبدى النظام موافقته على السماح بمرور الغاز من سوريا إلى لبنان.

وفي إطار استكمال الخطوات اتفق وزراء الطاقة والنفط في دول الأردن وسوريا ومصر ولبنان على خريطة طريق لإمداد البلد الأخير بالكهرباء والغاز الطبيعي.

وأكّد الوزراء خلال اجتماعهم في العاصمة عمان في 8 من أيلول الحالي، على أن تتحمل كل دولة كلفة إصلاح شبكة نقل الغاز ضمن أراضيها.

وباعتبار أن خط الغاز يبدأ من مصر فمربط الفرس الأساس لديها، وإن تولى الأردن إقناع الأميركيين والتنسيق مع نظام الأسد إلى جانب لبنان، وعليه قد يكون لذلك تبعات سياسية، وربما يقتصر الأمر على انتعاشة اقتصادية محدودة فقط.

ويأتي ذلك أيضاً في ظل إشاعة قوية حول إمكانية إلغاء الحكومة المصرية للفيزا عن السوريين، خاصة أن الفترة الماضية شهدت توافداً كبيراً للسوريين إليها مع انخفاض أسعارها بشكل كبير جداً وصل إلى 300 دولار أمريكي بعد أن كان الأسعار تصل لـ 3000 آلاف دولار.

هل يقوي الغاز العلاقات بين مصر والنظام السوري؟

ويعتقد الكاتب الصحفي عمار جلو، أن "العلاقات المصرية مع نظام الأسد لا تسير باتجاه تطبيع أكبر، لأن القاهرة تنتهج سياسة استمرار العلاقة مع الدولة السورية، واحتضان لإحدى منصات المعارضة السورية (منصة القاهرة)، ووجود عدد كبير من اللاجئين السوريين على أراضيها".

وقال جلو في حديث مع موقع تلفزيون سوريا إن "مصر تحتفظ بدور بعملية التسوية السياسية السورية عبر علاقتها مع النظام والمعارضة، إلى جانب علاقتها المميزة مع الفاعلين الروسي والأميركي".

ولفت إلى أن "مشروع الغاز مهم لمصر عبر احتضانها لمنتدى غاز شرق المتوسط والذي قد يحدد مصير المنطقة مستقبلاً، والمشروع الجديد قد يفيد النظام السوري ولكن لا يمكن إنقاذه اقتصادياً فهو مشروع بأساسه لدعم الأردن وإبعاد لبنان عن خط الطاقة الإيراني".

وحول الحديث عن إلغاء تأشيرة دخول السوريين إلى مصر، استبعد الكاتب السوري أن تخطو القاهرة أي خطوة جديدة بسياسة أبواب مفتوحة للسوريين عبر إزالة الفيزا، لأن ذلك قد يسبب توجهاً كبيراً للسوريين إلى مصر وهي غير قادرة على استيعابهم.

وفيما يخص إعادة الإعمار، أوضح جلو أنه "من الممكن أن يكون لمصر مساهمة في ذلك، إن تمكنت من لعب دور أكبر في التسوية السورية باعتبار أنها تحتفظ بعلاقات إيجابية مع مختلف الأطراف"، مرجحاً أنه لن تكون مساهمة كبيرة إلا عبر شركات معينة بإعادة الإعمار.

مكاسب نظام الأسد

وفي المحصلة يظهر أن النظام السوري قد يستفيد من الغاز المصري بشكل كبير، في ظل ما تعيشه مناطقه من غياب كبير للطاقة والوقود.

وحول ذلك أكّد مركز "جسور للدراسات" أن الموافقة الأميركية لمرور الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا، والسماح بعبور الغاز المصري إلى الأردن ولبنان وسوريا، بمنزلة إجراء جديد في سياق تخفيف العقوبات المفروضة على نظام الأسد.

وأوضح تقرير المركز أن الخطوة الأميركية تأتي بعد أقل من شهر على قرار الأردن المنسق مع الجانب الأميركي القاضي بفتح معبر جابر/ نصيب الواصل بين الأراضي السورية والأردنية.

وأضاف أن هذا الإجراء "يحمل في مضامينه إتاحة المجال بشكل جزئي لعملية إعادة الإعمار في سوريا، التي عرقلتها واشنطن طوال السنوات الماضية، على اعتبار أن البنك الدولي سيتولى إعادة تأهيل أجزاء من خطوط الغاز وشبكة الكهرباء، كما أن نظام الأسد سيستفيد من الغاز المصري الذي سيتدفق إلى أراضيه، وبأسعار ستكون أرخص نسبياً من باقي المصادر".

وأشار التقرير إلى أنه "من الواضح أن هناك توجهاً أميركياً لإعطاء مكاسب اقتصادية لروسيا في سوريا، لاختبار إمكانية الاعتماد على موسكو في إدارة عملية تغيير سياسي حقيقية داخل نظام الأسد تسهم في تغيير سلوكه تجاه بلدان الجوار، وجزء من عملية التغيير هذه ستكون متعلقة بتقليص النفوذ الإيراني على الأراضي السورية".

ووفق التقرير فإن ذلك "سينعكس، بطبيعة الحال، إيجابياً على كل من الأردن وإسرائيل، وسيسهم في تعزيز الاستراتيجية الأميركية القائمة على تجريد إيران من هوامش المناورة في المنطقة تمهيداً لعقد اتفاق جديد وفق الرؤية الأميركية".

ولعل مناقشة المكاسب الروسية الاقتصادية تمت خلال الزيارة المقتضبة وغير المعلنة التي أجراها بشار الأسد إلى موسكو في 14 من أيلول الجاري والتقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون الإعلان عن تفاصيل متصلة بخط الغاز الجديد.