هل يمكن للمعارضة التركية طرد السوريين من تركيا؟

2022.01.08 | 06:31 دمشق

333-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

في أحدث تصريح اعتيادي له، جدد زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، كمال كليتشدار أوغلو، وعيده بإرسال السوريين إلى بلادهم، في غضون عامين على أبعد تقدير حينما يصل وحزبه إلى السلطة.

هذا النوع من الخطاب العنصري بات سمة شريحة واسعة من المعارضة التركية، مع احتدام الأزمات الداخلية وحدة الاستقطاب السياسي، لا سيما بالنسبة لحزب مثل حزب الشعب الجمهوري الذي يتميز بعدائه للاجئين والمهاجرين وشغفه بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، دون اعتماد أي أسس إنسانية ومنطقية لمعالجة أزمة معضلة تجاوزت عشرة أعوام.

وفي المقابل نجد حكومة العدالة والتنمية وعلى رأسها الرئيس التركي أردوغان، تؤكد على تعهدها بعدم إرسال السوريين بشكل قسري إلى بلدهم طالما بقي الحزب في السلطة.

وسط هذا الجدل يتساءل السوريون في تركيا بدافع القلق من هذا الخطاب، حول إمكانية طردهم بالفعل من تركيا في حال فازت المعارضة بالسلطة في الانتخابات المقبلة منتصف 2023، وفيما لو كان تنفيذ تلك الوعود متاحًا على أرض الواقع ويتماشى مع الأسس القانونية والأعراف الدولية؟

قبل الخوض في تفاصيل هذا السؤال والإجابة عليه، علينا معرفة أن قضية السوريين باتت مادة رائجة بالنسبة لشريحة واسعة من المعارضة التركية تستخدمها كأداة ضد الحزب الحاكم "العدالة والتنمية".

بمعنى آخر، هذه القضية أضحت خطابًا عنصريًا شعبويًا يستند في الغالب إلى الشائعات والمعطيات المضللة والأرقام المتناقضة، غير مكترثة بالأبعاد الإنسانية للأمر، وغير مدركة أساسًا لتفاصيل الحرب السورية التي بدأت بثورة شعبية ثم وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

ولقد ساهم في هذا الوضع عوامل داخلية بشكل رئيسي ترجع إلى التقدم الذي حققته المعارضة التركية في الانتخابات المحلية بآذار/مارس 2019، والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد لا سيما زيادة البطالة، إلى جانب الآلة الإعلامية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر، حيث يتم تناول قضية السوريين من منظور عنصري بعيد عن التعاطف والقيم الإنسانية.

وعلى الرغم من الحقائق التي تؤكد أن السوريين غير قادرين على الرجوع إلى بلدهم بشكل طوعي نتيجة عدم توافر الأمن على حياتهم وأموالهم وذويهم داخل سوريا، إلا أن المعارضة تتوعد بإرسالهم إلى سوريا في حال فازت بالسلطة.

السؤال الآن، هل هذا ممكن؟

من الناحية العملية والمنطقية لا يمكن إرسال ملايين الناس بشكل قسري من بلد ما نحو بلدهم الأصلي، طالما أنهم لا يزالون يشعرون بوجود تهديد محدق بهم يهدد حياتهم هناك، وهذا ينطبق على معظم السوريين المقيمين في تركيا، فهم لم يهاجروا إليها بدافع السياحة أو العمل، بل بهدف طلب الحماية من نظام يستهدف حياتهم أموالهم وأعراضهم.

ربما المعارضة التركية المطالبة بإرسال/طرد السوريين، تقع في إشكالية عدم إطلاق صفة "لاجئ" على السوريين الموجودين في تركيا، انطلاقًا من توقيع تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، مع اشتراطها بقبول "اللاجئين" من دول أوروبية حصرًا، بمعنى أن تركيا لا تعتبر من يلجأ إليها من دول غير أوروبية "لاجئًا".

القوانين التركية ذاتها والأعراف الدولية والقيم الإنسانية تحظر ترحيل اللاجئ ومن هو في حكمه

إلا أن المعارضة تدرك أن السوريين يشملهم وصف "الحماية المؤقتة"، وهذا الوصف يعني -كما يشير القانون التركي- وجود "أشخاص غادروا بلدانهم بشكل قسري ولا يستطيعون العودة إليه"، مما يجعلهم في حكم اللاجئين واكتساب حق عدم الترحيل القسري على الأقل.

ولا شك أن المعارضة التركية تعي ذلك جيدًا، وتدرك أن القوانين التركية ذاتها والأعراف الدولية والقيم الإنسانية تحظر ترحيل اللاجئ ومن هو في حكمه، وهذا الواقع يشير بوضوح إلى أن هذا الخطاب الذي تنتهجه المعارضة التركية والشعب الجمهوري بالتحديد نابع من احتمالين:

الأول: مجرد دعاية انتخابية وورقة ضغط ضد الحزب الحاكم لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة.

الثاني: أن الأمر يتعلق ببرنامج تعمل عليه المعارضة من أجل إرسال السوريين إلى بلدهم بالفعل في حال فازت بالسلطة.

دعونا نقف عند هذه النقطة بالتحديد، ونحاول استقراء هذا البرنامج ثم التساؤل فيما لو كان ممكنًا حقًا!

حتى تستطيع المعارضة التركية إرسال السوريين إلى بلدهم بطريقة تجنبّهم أي انتقادات داخلية ودولية، يجب تحقيق شروط معينة تنص عليها القوانين التركية والدولية، مثل انتهاء حالة الخطر التي تهدد حياة اللاجئ/طالب الحماية المؤقتة، وهذا يعني أن تعمل المعارضة التركية على إنهاء الحرب في سوريا بشكل تام وتقديم ضمانات للسوريين على حياتهم وأموالهم وأعراضهم.

وفي الواقع، تشير تصريحات عدة لزعيم الشعب الجمهوري المعارض كليتشدار أوغلو، تحدث فيها عن برنامج من هذا النوع، بل وأضاف بأن حزبه حينما يستلم السلطة، لن ينهي الحرب في سوريا فحسب، بل سيضمن أمان السوريين العائدين إلى بلدهم، ويوفر لهم كامل البنية التحتية من مدارس ومشافي وجامعات وطرق وما شابه، ثم "سنودعهم إلى ونزفهم إلى سوريا بالطبل والزمر".

والمثير في الأمر أن كليتشدار أوغلو يتحدث عن عامين فقط على أبعد تقدير حتى يحقق جميع هذه الضمانات والتفاصيل التي ينتظرها السوريون منذ عشر سنوات ونيف.

لكن هل هذا ممكن أيضًا؟

من خلال النظر إلى موقف الشعب الجمهوري من الثورة السورية ومن ثم الصراع الدائر هناك، نجد أنه منذ اللحظة الأولى فضَل الوقوف إلى جانب النظام السوري ورأسه بشار الأسد، ولا يزال في حالة تواصل مع هذا النظام، ولا يزال يدعو إلى التطبيع معه من أجل حل مشكلة الهجرة ووجود السوريين في تركيا، مقابل وصف المعارضين المسلحين ضد هذا النظام بالإرهابيين، وهذا يعني أن الحل الذي يدور في مخيلة كليتشدار أوغلو يعتمد على تطبيع العلاقات مع النظام السوري وأخذ الضمان والكلمة منه كي يعود السوريون إلى هناك دون عائق، ويمكن إشراك أطراف خارجية في هذا الأمر، مثل "الاتحاد الأوروبي" كما يرسم كليتشدار أوغلو.

من المتوقع أن تلجأ المعارضة إن فازت بالسلطة إلى الخطة "ب"، وربما تقوم هذه الخطة على التهجير القسري غير الرسمي

في الحقيقة ودون خوض في تفاصيل أكثر حول مشروع وبرنامج كليتشدار أوغلو، ندرك أننا أمام طرح خطير منفصم بشدة عن الواقع، والأخطر من ذلك هو أن هذا الطرح يمكن بالفعل أن يلقى آذانًا مصغية لا سيما في ضوء التطورات الإقليمية والدولية حيال القضية السورية، ومحاولة تعويم نظام الأسد وشخصه مجددًا من قبل بعض الدول العربية، ومن خلال انشغال الولايات المتحدة وأوروبا بتحديات أكبر من القضية السورية بالنسبة لهم مثل الخطر الصيني بالنسبة للولايات المتحدة والروسي بالنسبة لأوروبا.

حتى ولو كان هذا البرنامج صعب التطبيق على أرض الواقع، أو لنقل إنه لم يحظَ بضوء أخضر دولي، فمن المتوقع أن تلجأ المعارضة إن فازت بالسلطة إلى الخطة "ب"، وربما تقوم هذه الخطة على التهجير القسري غير الرسمي، أو بتعبير آخر "سياسة التطفيش المنظّم"، وذلك من خلال التضييق على السوريين في تركيا وحرمانهم من العمل والدراسة ومزاولة الحياة بشكل مريح، مما يدفعهم للبحث عن طريق آخر مثل الهجرة غير الشرعية خارج تركيا، أو التوجه إلى سوريا قسرًا حينما تنغلق جميع الطرق في وجوههم.

ولا أريد من خلال هذه الرؤية أن أكون مفعمًا بالتشاؤم، لكن يجب التعامل مع تصريحات المعارضة وخطابها العنصري ضد السوريين بجدية، لا سيما مع وجود محاولات شبيهة الآن وقبل أن تصل بعد إلى السلطة، مثل القرارات التي نسمع عنها بين الحين والآخر من رئيس بلدية بولو المعارض والتابعة لحزب الشعب الجمهوري ذاته، مثل رفع أجور عقد النكاح بين الأجانب والمحاسبة بالدولار على فواتير استهلاك المياه، بهدف "تطفيش" أي سوري أو أجنبي من مدينة بولو، كما اعترف رئيس البلدية نفسه بذلك.

وللتصدي لهذه المحاولات يجب توحيد الجهود الفردية والجماعية واتباع الوسائل القانونية لمواجهة هذا الخطاب العنصري من خلال القضاء، وفتح مزيد من قنوات التواصل مع كل الأحزاب التركية، وتعريفها بالوضع السوري عن قرب، بل وحتى محاولة خلق "لوبي" يذود عن السوريين ويهتم بمصالحهم.