برزت ظاهرة "تعا لهون" كترند ثقافي جديد بين الشباب من خلفيات مهاجرة في أوروبا، لا سيما في ألمانيا، لتسلط الضوء على التوترات العميقة بين الهوية الثقافية وعمليات الاندماج الاجتماعي.
يعكس هذا الترند، الذي يتبنى أساليب تعبير مستفزة وعدوانية، احتجاجاً على شعور بالرفض والتهميش، ويطرح تساؤلات حاسمة حول فعالية برامج الاندماج القائمة ودور المؤسسات في معالجة هذه التحديات.
تجب رؤية الصورة بشكل أعمق وأوضح، ولذلك نحتاج إلى إعادة النظر في حالة الاندماج في المجتمعات الغربية (الأوروبية)، التي تعاني منذ بداية الهجرة الاقتصادية ابتداءً من الجيل الأول والثاني من تحديات معقدة في عملية الاندماج.
تظهر دراسة حالات الاندماج الاجتماعي في المجتمعات الأوروبية أن العديد من أبناء المهاجرين، الذين جاؤوا من خلفيات متنوعة سعياً لتحسين حياتهم، واجهوا صدمة ثقافية بين المجتمعات المغلقة التي جاؤوا منها والمجتمعات الجديدة المنفتحة لكنها معقدة في رحلة اكتشاف وتكوين الذات.
في ألمانيا، كان الأتراك في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وفي فرنسا، الجزائريون والمغاربة، وفي بلجيكا وهولندا، يعانون من نفس القضايا. واجه هؤلاء الشباب ضغوطات اجتماعية واقتصادية شديدة، مما دفعهم إلى العزلة عن المجتمع الجديد، وأحياناً إلى الانخراط في سلوكيات مثل تعاطي المخدرات أو الانضمام إلى عصابات منظمة، بينما حاول آخرون الانصهار في المجتمع الجديد كمحاولة للانتساب إليه.
ولم تقتصر هذه التأثيرات على صورتها النمطية، بل بدأت تتشكل أفكار جديدة للتعبير عن الرفض والانفصال، بوجود وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت وصول الفكرة إلى جمهور أوسع عبر مشهد ثقافي جديد، مثل الراب، الذي يعبر عن مشاعر الغضب والقلق.
كيف يعكس ترند "تعا لهون" تحديات الاندماج الاجتماعي؟
انتشرت ظاهرة "تعا لهون" كاستجابة للتحديات الاجتماعية والثقافية التي يواجهها الشباب من خلفيات مهاجرة في ألمانيا.
يُشتق اسم "تعا لهون" "Ta’al La’hon"، من العبارة العربية التي تعني "تعال هنا"، حيث تتميز هذه الظاهرة بالتعبير عن كيفية تعامل الشباب مع الشعور بالرفض غير المباشر والضغوطات التي يعيشونها بين المجتمع الداخلي ضمن العائلة والمجتمع الخارجي في المدرسة أو الشارع أو المجتمع، من خلال الصراع المتمثل في الهوية في أوروبا.
تتبنى "تعا لهون" أفكاراً تعكس التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها هؤلاء الشباب. يتمحور المحتوى حول تعزيز الهوية الفردية، التمرد على المعايير الاجتماعية، والتعبير عن الإحباط والغضب تجاه المجتمع.
تتناول هذه الظاهرة قضايا مثل الإقصاء الاجتماعي، التهميش، وصراعات الهوية، مما يعكس مشاعر العزلة وعدم القبول التي تفرزها هذه السلوكيات التي قد تكون استفزازية ربما كردة فعل أو وسيلة تعكس احتجاجاتهم واحتياجاتهم بالطرق والوسائل المتاحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الهيكلة والتصميم
تتمثل الهيكلة الأساسية لظاهرة "تعا لهون" في استخدام الوسائط الرقمية لتوصيل الرسائل. يتم تصميم المحتوى بشكل يبرز الاستفزاز والتحدي، ويعتمد على العناصر التالية:
● الموسيقا والفيديوهات: تستخدم الأغاني والراب لتعزيز الرسائل والهوية. الأغاني مثل "TA3AL LAHON" التي أطلقها الشاب حسن، هي جزء من هذا الاتجاه.
● الرموز والأيقونات: يتم استخدام الرموز البصرية والأيقونات التي تعبر عن التمرد والانفصال عن المجتمع السائد.
● اللغة والمصطلحات: تحتوي الرسائل على لغة متمردة ومصطلحات تعبر عن تحديات وتناقضات الحياة اليومية مثل: Tala' hon" ich geb dir ein Stich, ich bin der Patron" والتي تعني"تَعَالَ هُنَا، سَأُعْطِيكَ طَعْنَةً، أَنَا الرَّئيس".
الانتشار والأدوات
بدأت "تعا لهون" تنتشر بشكل كبير على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تيك توك وإنستغرام.
وتشمل أدوات الانتشار الرئيسية:
● الوسائط الاجتماعية: تعد المنصات مثل تيك توك وإنستغرام القنوات الرئيسية لنشر الفيديوهات والمحتويات التي تعكس ثقافة "تعا لهون". يتم استخدام هذه المنصات لنشر مقاطع الفيديو التي تعرض سلوكيات استفزازية، أغاني، وتحديات.
● التفاعل مع المتابعين: يلعب التفاعل مع الجمهور دوراً هاماً في تعزيز الانتشار. من خلال التعليقات، الإعجابات، والمشاركة، يتم تعزيز الوصول إلى جمهور أوسع.
من أين جاء ترند "تعا لهون"؟
ترند "تعا لهون" يعكس تعبيراً من اللغة العربية "TA3AL LAHON"، والذي يعني "تعال هنا!". بدأ هذا الترند مع حسن من مدينة هاغن الألمانية، وهو مغني راب كردي-سوري في أوائل العشرينات من عمره، ويعيش في ألمانيا منذ عشر سنوات ويعمل في مطعم عائلته. في عام 2022، أطلق حسن أغنيته "تالاهون"، وفي فبراير 2024، أطلق جزءاً مكملًا منها. أغنية "تالاهون" الأصلية انتشرت بشكل واسع، خاصةً مقطع منها والذي يعني بعد ترجمته عن الألمانية "تعال هنا، سأعطيك طعنة، أنا الرئيس".
ويعكس هذا الترند مشاكل أعمق في عملية الاندماج. يتبنى بعض الشباب سلوكيات وتصرفات تهدف إلى جذب الانتباه وإثبات الذات من خلال مظاهر معينة وسلوكيات عدوانية. تعكس هذه الظاهرة الحاجة لفهم أسبابها وتأثيرها على المجتمع بشكل أفضل.
ما دور المؤسسات في عملية الاندماج الإيجابي؟
هذه الظواهر والسلوكيات تُشير إلى عدم نجاح المؤسسات الاجتماعية في توفير بيئة شاملة وداعمة، مما يستدعي اتخاذ خطوات فعالة لمعالجة قضايا الاندماج وتقديم الدعم الكافي للشباب لضمان تحقيق تكامل إيجابي ومستدام في المجتمع. نتحدث عن شباب هاجروا بأعمار تتراوح ما بين 8 والـ 10 سنوات، درسوا في أوروبا، وعندما نشاهد هذه الصورة بهذا الشكل فهذا بكل تأكيد يعكس ضعف برامج الاندماج. فرغم جهود المؤسسات الرسمية في تبني برامج ومناهج لإدارة عملية الاندماج، فإنها لم تتمكن من سد الفجوة الحقيقية بين الجيل الأول من المهاجرين وأبنائهم، إضافة إلى التحديات التي تواجهها مؤسسات التعليم والعمل في التعامل مع هذه القضايا. تركزت الجهود على توفير الدعم وتعليم المهارات، ولكن النتائج لم تكن كما هو مأمول، مما ساهم في تعميق شعور الانفصال لدى الشباب. وهذه دلالة على ضعف برامج الاندماج من ناحية تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع الجديد وتمكين روابط التواصل بين مكونات المجتمع. العديد من المؤسسات التعليمية لم تنجح في تقديم الدعم الكافي للشباب من خلفيات متنوعة، مما جعلهم يشعرون بالانفصال عن المجتمع. بدلاً من توفير بيئة تعليمية شاملة، تُرك هؤلاء الشباب بدون إشراف أو توجيه كافٍ.
الفراغ الاجتماعي والبحث عن الوجود
وعندما يشعر الشباب بالفراغ وعدم الانتماء، قد يلجؤون إلى طرق غير إيجابية لتعزيز وجودهم. ترند "تعا لهون" هو وسيلة لجذب الانتباه وإثبات الهوية، ولكنها غالباً ما تؤدي إلى تعزيز الصور النمطية السلبية والتمييز العنصري.
كما يعزز انتشار ترند "تعا لهون" الصور النمطية السلبية ويغذي العنصرية ضد الشباب من أصول عربية. هذه الصور النمطية تؤدي إلى تهميشهم وتزيد من صعوبة اندماجهم في المجتمع.
ما هي المؤثرات العنصرية المرتبطة بالترند؟
● حالات اعتداء لفظي
يشير العديد من الشباب من أصول عربية إلى أنهم تعرضوا لاعتداءات لفظية في المدارس والأماكن العامة بسبب انتشار ترند "تعا لهون". على سبيل المثال، أبلغت عائلة شاب سوري في برلين أن ابنهم تعرض لمضايقات من زملائه في المدرسة، حيث كان يُطلق عليهم الشتائم المرتبطة بالصور النمطية السلبية التي عززها هذا الترند.
● حوادث عنف جسدي
في بعض الحالات، تطورت المضايقات اللفظية إلى اعتداءات جسدية. في مدينة هامبورغ، تعرض شاب من أصول عربية لهجوم جسدي من مجموعة من الشباب الذين كانوا يرددون شعارات مرتبطة بترند "تعا لهون"، مما أدى إلى إصابته بجروح.
● التمييز في التوظيف
أثرت الصور النمطية السلبية الناتجة عن "تعا لهون" على فرص التوظيف للشباب من أصول عربية. بعض الشركات أظهرت تمييزًا في عمليات التوظيف، حيث رفضت توظيف هؤلاء الشباب بناءً على الافتراضات المسبقة المتعلقة بسلوكهم بناءً على ما يُروج في وسائل الإعلام الاجتماعية.
أهمية استيعاب الشباب وتقديم العون
من الضروري أن ندرك أن هؤلاء الشباب هم جزء من المجتمع الألماني، حتى وإن كانوا قد وصلوا إلى البلاد حديثاً. من الضروري تقديم الدعم المناسب عبر مؤسسات مثل المدارس، والندوات، ومراكز الرعاية، لتوفير بيئة تساعدهم على التكيف والاندماج بشكل إيجابي. عبر برامج التعليم والتدريب، يمكن توجيههم نحو فرص أفضل وزيادة شعورهم بالانتماء.
تلعب وسائل الإعلام الاجتماعي دوراً مهماً في تعزيز بعض السلوكيات. توفر منصات مثل تيك توك مساحة للتعبير عن المشاعر السلبية، خاصة في ظل غياب إشراف اجتماعي ورعاية أسرية كافية.
هل يمكن ضبط الظاهرة؟
لمعالجة ظاهرة "تعا لهون" وضبطها قبل أن تتحول إلى مشكلة مجتمعية تؤثر في تفشي العنصرية وسلوكيات التطرف، يجب اتخاذ خطوات فعالة وشاملة تشمل:
● تحسين جودة التعليم وتوفير برامج تدريبية تستهدف الشباب من خلفيات متنوعة لتعزيز مهاراتهم وشعورهم بالانتماء.
● تقديم دعم نفسي واجتماعي من خلال مراكز متخصصة تقدم المشورة والتوجيه، بالإضافة إلى برامج للدعم العاطفي.
● تعزيز الرقابة على المحتويات التي تُنشر على وسائل الإعلام الاجتماعي، مع تشجيع تقديم محتوى إيجابي يعزز قيم التسامح والاحترام.
● تفعيل دور الأسر والمجتمع بأن تلعب دوراً فعالاً في تقديم الدعم والتوجيه للشباب، مع تعزيز التعاون بين المدارس والأسر لتوفير بيئة مستدامة ومشجعة.
وفي النهاية يتضح أن ظاهرة "تعا لهون" ليست مجرد ترند عابر، بل تعكس تحديات عميقة في عملية الاندماج الاجتماعي وتؤثر بشكل كبير على المجتمع. إن تأثير هذه الظاهرة يبرز الحاجة الماسة إلى تكامل الجهود بين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني. حيث يجب على المؤسسات الرسمية أن تأخذ على عاتقها مسؤولية كبيرة في تقديم الدعم الكافي من خلال تحسين برامج التعليم والتدريب، بينما تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وتعزيز الحوار المجتمعي. ومن الضرورة أن تتكامل الجهود بين هذين القطاعين، لتعزيز الشعور بالانتماء لدى الشباب، وتحقيق تكامل إيجابي ومستدام.
المصادر:
- The Role of Education in Social Integration », Journal of Social Issues, 2022.
- "Youth Identity and Social Media Trends », Youth Studies Quarterly, 2023.
- "Racial Stereotypes and Social Media Impact », International Journal of Racism Studies, 2024.
- "Effective Integration Programs for Migrant Youth », Social Inclusion Journal, 2023.
- "Social Media Influence on Youth Behavior », Digital Behavior Studies, 2024.
- "Improving Educational Programs for Diverse Youth », Educational Reform Journal, 2023.
- "Mental Health Support for Adolescents », Journal of Adolescent Health, 2024.
- "Regulating Social Media Content », Media Policy Review, 2023.
- "Community Support for Youth Integration », Community Development Journal, 2024.