هل يقول الممثلون: سيادة الرئيس؛ كفى، ارحل!؟

2019.01.22 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هناك "مساواة" من نوع مميّز وغريب في سوريا؛ مساواة في كل شيء. في سوريا التي نعي ونعرف - وبين عامي 1970 و2011- لا فرق بين الدولة والسلطة والحكومة والوطن والبلد ورئيس الجمهورية ورئيس المخفر وحاجب العقيد وكلب السلطان أو ذيله....... كله واحد؛ إذا اعترضت كسوري على إجراء الحكومة في مصادرة ملكية مواطن أو على منعه من السفر، كأنك تعترض على قيام كلب السيدة الأولى بمنع المواطنين من السير على أحد الأرصفة، أو تعترض على رئيس الجمهورية أن يستدعي ميليشيات وعصابات دولية لقتل مواطنين سوريين. ذلك يشبه مطالبتك بسقوط الرئيس والتعامل مع العدو الصهيوني محتل الأرض. ببساطة لنصف قرن زمني، الأسد هو سوريا، وسوريا هي الأسد؛ ومن هنا أتت تسمية "سوريا الأسد".  

ليس هناك كنية لدولة جمهورية؛ ولكن لسوريا كنية، ولها مالك، وفيها رعايا؛ كنية سوريا هي "الأسد"؛ وإذا اعترض بعض الشعب السوري على الأسد؛ فهم يعترضون على سوريا، على الوطن، على السيادة، على الوحدة والحرية والاشتراكية؛ وهم بهذه الحالة خونة، متعاملون مع العدو؛ هم خدم للمؤامرة الدولية، لهم مشغلون ... هم ببساطة لا يستحقون المواطنة؛ ويجب قتلهم والخلاص منهم بالبراميل عبر روسيا، عبر إيران، عبر نصر الله، عبر الكيماوي؛ غير مهم؛ كله مسموح. 

يشتكون للرئيس، لا للحكومة، لا للوطن، لا للكلب، لا لحاجب العقيد؛ حصراً للرئيس. والسؤال: لماذا للرئيس؟!

مؤخراَ في هذه الـ "سوريا" يشتكي أشخاص بلعوا ألسنتهم خلال ثماني سنوات؛ واستخدموها فقط للإشادة بالأسد وأفعاله... يشتكون من ضيق الحال ونقص الغاز والكهرباء؛ يشتكون للرئيس، لا للحكومة، لا للوطن، لا للكلب، لا لحاجب العقيد؛ حصراً للرئيس. والسؤال: لماذا للرئيس؟! أليس هناك في سوريا مساواة؟! لماذا لم تكن الشكوى لنصر الله أو لبوتين أو للخمينئي أو للكلب أو لحاجب العقيد؟! لماذا تمييز الرئيس؟! الجواب: الشكوى تكون للمنقذ، للمعتصم. ألم تصرخ تلك المرأة في /عمورية/ {وا معتصماه}؟!

يبدو، هكذا كان توجيه الشباب بالمخابرات؛ والذي أضافوا إليه القليل من التلوين في التقسيم الاستغاثي في بعض الحالات، حيث يقول أحد المستغيثين إنه حتى الرئيس لم يعد ينفع للاستغاثة نظراً لفداحة الوضع. رغم النشاز البسيط هذا إلا أن المبرمج والموجه يعتقد أن الفرز سيتم؛ والمنقذ المستجار به لا يمكن أن يكون مرتكبا. هناك مَن ارتكب كل هذا بحق سوريا، ولا بد أن يُحاسَب، ولا بد من منقذ؛ وهذا المنقذ ليس إلا سيادة الرئيس. 

رسائل التطهير والتطهٌر عبر الاستغاثات التي يطلقها أولئك الممثلون ليست مقصودة للداخل بشكل أساسي؛ ولكن يُراد أن يصل مداها وصداها إلى محاكم الجنايات الدولية، وإلى دول تبحث عن تبريرات ومرافعات عن الأسد ومنظومته الاستبدادية؛ لتعفيهم من الجرائم التي ترتبت على أفعالهم تجاه سوريا وأهلها؛ يُراد لها أن تكون مدعمات لإعادة علاقات مع هذه المنظومة؛ إنها الرسائل التي تقول "لقد حُسِمت الأمور لصالح المنقذ؛ وهذا المنقذ هو جابر عثرات الكرام، جبّار الخواطر، مرمم الجراح، حامي الأوطان، جلاّب الغاز والكهرباء والخبز بعد أن قطعتهم المؤامرة وأدواتها". والآن يتم تعزيز كل هذا الهراء ببعض التفجيرات؛ كي يُقال إن أمن البلد مهدد، إن لم يتدخل، أو بدونه.

النغمة الأخرى التي تلت هذه الموجة المنظمة تتمثل باعتبار تلك الأصوات "ثورة جديدة" تحت يافطة النقد المغلَّف بالاستغاثة. هناك مَن بدأ يعتبر تلك الأصوات/ "المعارضة الحقيقية الشريفة من داخل الوطن – غير المُشَغّلَة من أحد؛ معارضة لا تُباع ولا تُشترى، صبرت مع الوطن في وجه الإرهاب والصهيونية وأمريكا وإسرائيل والوهابية وداعش؛ وها هي بعد أن أفشل الوطن وقائده المؤامرة تستغيث مُذكِرة سيد الوطن بأنها تعبت من المواجهة، ولا بد لسيد الوطن – من أنقذ الوطن من المؤامرة الخارجية- أن ينقذ الوطن من المؤامرة الداخلية/".

تلك الصرخة نامت ثماني سنوات متواصلة؛ نامت على الكيماوي، على البراميل، على 300 صنف سلاح روسي جربها بوتين على السوريين وبلدهم

ها هي التمثيلية السطحية السمجة يتم إخراجها ببعض الوقاحة وبالكثير من الغباء. تلك الصرخة نامت ثماني سنوات متواصلة؛ نامت على الكيماوي، على البراميل، على 300 صنف سلاح روسي جربها بوتين على السوريين وبلدهم، على ملايين سوريةٍ شُرَّدت وعشراتِ آلافٍ قضت تحت تعذيب "رجال" المنقذ. لو أن تلك الصرخات ظلت مكتومة، كل هذا الوقت، كان أشرف لها بكثير من أن تخرج الآن وتشترك وتساهم بلعبة مخابراتية ساقطة. لو أنها خرجت الآن... حتى الآن، وقالت: {ارحل}، لكانت قُبلت، ولكانت صادقة، ولكانت وفيّة للرجل وللوطن فعلاً.

لا بد لهؤلاء أن يعلموا أن سوريا لن تعود إلى الحياة بنفس الأدوات التي فعلت بها ما فعلت؛ ولكن سوريا ربما جاهزة - مقابل عودتها وأهلها إلى الحياة - أن ترمم الجراح؛ وتقبل رحيل الاستبداد والإجرام مقابل عودة الوطن لأهله؛ وهذا كرم غير مسبوق من سوريا العظيمة؛ ولا يقدر عليه إلا هي. حريٌ بنا أن نتذكر، وحال سوريا هكذا، أن تلك الذئاب التي تتربص بسوريا لتقطيعها، لا يشجعها أمر، ولا يفسح لها في المجال لارتكاب جريمتها بحق سوريا إلا أو أكثر من استمرار منظومة الاستبداد، التي لا بد أن تزول، كي تعود سوريا إلى الحياة.