هل يقلب "بايدن" صفحة الإرهاب؟

2021.01.18 | 00:02 دمشق

541e390f2bdfef0bbfc64c90f28d5ce3.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد يومين، وبمناسبة تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، يلقي "جو بايدن" بيان أميركا لأميركا والعالم. المتوقَّع أن يركّز في معظمه على لَمِّ شمل أميركا، وتضميد جراحها، والوعد بأن القادم أفضل، عبر إخراج أميركيا من مأزومية هويتها؛ وبكل ذلك سيستند مَن سيكتب الخطاب على مقولات بعض الآباء المؤسسين "جيفرسون" و"لينكون" بأن /البيت الذي ينقسم على نفسه، يخرب/؛ و"المملكة التي تنقسم على ذاتها، لا تبقى/.  بالنسبة للعالم، سنكون أمام خطاب الإمبراطورية "العالمية الخامسة"، التي بدأت في السنة الأخيرة لترامب 2019؛ حيث سيعلن بايدن في خطابه عن الحرب العالمية ضد كورونا، بجهود وتكاتف وتحالف دولي "ديمقراطي".

لماذا "الخامسة"؟ لأن الأولى كانت إثر تفكك امبراطوريتي بريطانيا وفرنسا، وحضور أو تحضير العدو النازي؛ والثانية الحرب لإنهائه، وتبلور أو بلورة القطبية الشيوعية-الامبريالية: والثالثة حربهما الباردة؛ والرابعة الحرب العالمية على الإرهاب؛ وسيعلن بايدن رسمياً نهاية ما سبق، والانطلاق إلى إمبراطورية "الحرب العالمية الخامسة" على الإرهاب الكوروني، ويعمّدها عدواً جديداً للبشرية؛ والذي من خلاله وبحجته، ستكون برمجة كوكبنا، والسيطرة عليه بإحكام.

لم تكن أي من الحروب العالمية إلا للسيطرة على أكبر وأوسع قدر ممكن من طاقة العالم المادية والبشرية

في كل واحدة من تلك الحروب والاستنفارات العالمية، كان لا بد من وجود عدو؛ والغاية، السيطرة والتحكّم بالبلاد والعباد على مستويات مختلفة، وبوجود سادة ووكلاء، يتدرجون من الهيئة الامبراطورية الأعلى، وصولاً إلى أصغر "بلطجي"، مروراً بدكتاتوريين من حجوم مختلفة.

لم تكن أي من الحروب العالمية إلا للسيطرة على أكبر وأوسع قدر ممكن من طاقة العالم المادية والبشرية؛ إلا أن الكلفة البشرية والمادية لتلك الحروب وصلت حداً لا يُطاق. وبعد الحرب العالمية الثانية، ربما اتُّخِذ القرار بألا يكون هناك حرب عالمية دموية مدمرة أخرى. وإن كان لا بد من ذلك، فهكذا حرب يجب أن تكون "باردة"؛ شريطة الإبقاء على شبح عدو يوفر ذريعة السيطرة العالمية. وذلك ما كان بين الغرب الأمرو- أوروبي، ومن يدور في فلكه، والاتحاد السوفييتي و"شعوب اشتراكية التعثير" إلى أن انهار جدار برلين، وسقط الاتحاد السوفيتي، وانتهى العدو الشرير.

إثر ذلك كان لا بد من وجود أو ابتداع عدو مناسب يسد الفراغ الذي تركه استنفار الضفتين الغربية والشرقية اللازم للتحكم بتجديف القارب العالمي؛ وكانت الحرب العالمية الرابعة؛ و كان المرشح الأوفر حظاً "الإرهاب"، الذي غالباً ما أُلصِقت به عبارة /الإسلامي/. وهكذا تناغم أباطرة الغرب والشرق، ووكلاؤهم، حكام مناطق النفوذ بوجود هكذا عدو. ومن هنا وُصِفَت ولايتا /جيمي كارتر ورونالد ريغن/ بولايتي "محاربة الإرهاب"، كتعميد للخط العالمي الجديد. وأخطر مفاعيل هذا النهج اعتبار النضال الفلسطيني لاستعادة الحق إرهاباً. ومن ثم شهد عالمنا 11 من أيلول، وصعود أو تصعيد القاعدة، ثم غزو الكويت، واحتلال العراق.

كل ذلك، إلى أن تحرك جمر منطقتنا النائم تحت رمادها بفعل الطغيان العالمي ووكلائه الدكتاتوريين. ويهمنا من كل ما تقدم الشأن السوري، حيث كان لا بد للوكيل "السوري" المتمثل بالمنظومة الاستبدادية الأسدية من أن يستخدم "شيفرة الإرهاب" ذاتها، التي طالما كان بارعاً بتنفيذها، وبإسداء خدمات "جليلة" للاستخبارات العالمية المسيطرة على عالمنا، واستعمالها بحرفية في وجه شعبه؛ الذي خرج ثائراً من أجل جرعة حرية وديموقراطية وحكم رشيد.

ذلك العالم الظالم يعرف تماماً ما سلّفه نظام الأسد من خدمات، وخاصة في مجال /مكافحة بعبع الإرهاب/؛ فبترتيبات معينة مع الاحتلال ذاته، كان يطلق مئات المتطرفين إلى العراق ليعكّروا الصفو الأميركي، لخلق الذرائع اللازمة؛ ثم يعود ويعتقلهم عند الطلب. تلك المخاليق ذاتها هي مَن فلّتها نظام الاستبداد بعد أشهر قليلة من انطلاقة ثورة الشعب السوري، ليكونوا قادة داعش والنصرة، وليربط ثورة الشعب السوري بإرهابهما؛ والغاية إيجاد المبرر لقتل الشعب الثائر وتشويه أطهر ثورة في التاريخ الحديث.

فيما هو قادم سيتغيّر النهج؛ وهذا ما سيرتكز عليه البيان العالمي الأميركي الجديد على لسان بايدن؛ والحرب الآن ليست على الإرهاب- رغم الغزل معه أحياناً- إنها الحرب على كورونا؛ العدو العالمي الجديد؛ والتي ستكون الأقوى والأوسع تأثيراً وطيفاً في السيطرة على العالم والتحكم به.

ربما يأتي الفرج السوري عن طريق تفرغ العالم لهذه الجائحة، وبطريقه لا بد من طي صفحة منظومة الاستبداد الأسدية المجبولة على الإرهاب

أما منظومة الاستبداد الأسدية التي قرأت من صفحة "الإرهاب" المعتمدة، وأبدعت باستخدامها كحجة في السيطرة والاستبداد؛ فلا بد أن إغلاقها أضحى قريباً مع فتح صفحة "كورونا". وهنا سيجد مشغلو المنظومة ألف سبب وسبب لإزاحتها؛ ففي سجلها: تدمّير بلد، وتشريد أكثر من نصف سكانه، وقتل أكثر من مليون إنسان، واستخدام أسلحة محرمة دولياً؛ وهكذا يصبح رميها في مزبلة التاريخ واجباً وضرورة. ببساطة، هناك تفرُّغ للعدو الجديد: جائحة كورونا. ربما يأتي الفرج السوري عن طريق تفرغ العالم لهذه الجائحة، وبطريقه لا بد من طي صفحة منظومة الاستبداد الأسدية المجبولة على الإرهاب.