رغم كل المحاولات التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية لإعادة الهدوء في منطقة الشرق الأوسط ورغم كل التصريحات التي تبديها في هذا الشأن إلا أن المنطقة تتجه نحو عكس تلك التصريحات وتلك الجهود بل إن التوتر في ازدياد واحتمالية قيام حرب إقليمية بدأت تقلق دول المنطقة أكثر فأكثر فالصراع الإيراني الإسرائيلي بدأ يتحول إلى صراع أميركي إيراني.
أدوات إيران في المنطقة في اليمن ولبنان والعراق انتقلت منذ فترة من مرحلة الاستعداد إلى مرحلة الهجوم وكانت الساحة السورية بعيدة عن الصدام مع إسرائيل لحسابات خاصة بالنظام السوري الذي يسعى لتحقيق مصالحه وخاصة أن المتغير التركي يسعى بشكل حثيث للتقارب معه مما أعطاه دفعة وقوة سياسية في الإقليم الساعي لتأهيل النظام، لكن الحسابات على الساحة السورية بدأت تتغير ففي ظل سباق التوتر بين طهران وواشنطن بعد اغتيال إسماعيل هنية على الأرض الإيرانية بدأت الأخيرة تحريك العشائر العربية ضد قسد ذراع الأميركيين في سوريا بدعم من دمشق و طبعاً في ذلك رسائل متعددة للأميركيين أولاً وبأن إيران رقم صعب وقادرة على ضرب القواعد الأميركية غير الشرعية في سوريا تحت غطاء النظام السوري ورسالة أخرى لتركيا بأن أي تجاهل لمصالحها لا جدوى منه.
وفي خضم تلك التوترات في المنطقة تناولت قنوات تركية كثيرة خبراً مفاده تحرك 700 مقاتل من حزب العمال الكردستاني باتجاه قسد لدعمها فيما هو قادم من اشتباكات محتملة على عدة جبهات ولا يمكن لهذا الأمر أن يتم من دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية التي يزداد طلبها لمثل هؤلاء المقاتلين في الآونة الأخيرة وازدياد الحاجة للكردستاني كورقة ضغط على الجميع وهذا الأمر يجعل تركيا أكثر إصراراً نحو التقارب مع النظام السوري لأهداف أمنية بالدرجة الأولى وأهداف استراتيجية نحو الاستقرار بالدرجة الثانية وقد تم ذكر ذلك على لسان أهم المسؤولين الأتراك أكثر من مرة بل إن المستجد الأبرز الآن هو ما طالب به دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف الرئيس أردوغان بإنشاء ميثاق القدس بمشاركة الدول العربية المعنية بهذه القضية (دول الطوق) بعد العربدة الإسرائيلية في المنطقة وتأجيجها لصراع إقليمي الكل خاسر فيه باستثنائها هي، وطبعاً سوريا على رأس هذه الدول فهي ولبنان على حدود تماس مباشر مع إسرائيل وكلاهما يعتبران إسرائيل دولة معادية ولا يوجد أي علاقات بينهما.
يبقى السؤال المطروح هنا ما هي قابلية موافقة النظام السوري لهذه الدعوة التي يمكن اعتبارها نوع من أنواع محاولة التطبيع التي تسعى لها تركيا معه إضافة على أنها جاءت من (أبو القوميين) في تركيا وبهذا مدلولات كثيرة
يبقى السؤال المطروح هنا ما هي قابلية موافقة النظام السوري لهذه الدعوة التي يمكن اعتبارها نوع من أنواع محاولة التطبيع التي تسعى لها تركيا معه إضافة على أنها جاءت من (أبو القوميين) في تركيا وبهذا مدلولات كثيرة منها أن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق ضرورة قومية (كما يرونها) وهذه الضرورات ربما تكون فرصة جيدة لإزالة الحرج عن كاهل الطرفين كما حصل قبلاً بين تركيا ومصر، وأن ضرورات أمن المنطقة والقضية الفلسطينية ترفع الحرج عن خصومات الأمس ويظهر النظام على أنه رقم صعب بالمنطقة وأن الحاجة إليه مازالت قائمة رغم حالة الضعف التي يمر بها ولعل زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لروسيا ومقابلة بوتين فجأة والإعلان من هناك عن توتر أكبر قادم للمنطقة ماهي إلا رسم خريطة طريق جديدة للنظام باتجاه المنطقة وتركيا وأيضاً أن الوقت أصبح مناسباً لوضع بعض الشروط ظاهرها لصالح النظام وباطنها لمصالح تركية .
الشمال الشرقي لسوريا أصبح مصدر قلق مؤرق لتركيا لاختلاط الأمور فيه فمن جهة وجود قسد التي تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا وأن أي سيطرة لهذا الحزب على الأرض يعني نقطة انطلاق لعمليات ضد تركيا بل نقطة انطلاق لمشروعه الانفصالي واقتسام أراضٍ من تركيا وسوريا، ومن جهة ثانية لا تريد تركيا وجود ميليشيات إيرانية أو تتبع لإيران على حدودها لأنها تعلم أبعاد هذا الوجود فالتنافس التركي الإيراني في المنطقة قديم متجدد والآن هو في ازدياد بعد ضعف دول عربية مثل العراق وسوريا وتراجع الدور المصري وتأتي الحرب الإسرائيلية في غزة لتظهر مدى استخدام إيران لوكلائها في الشرق الأوسط وبكل تأكيد هذا الأمر قائم بسوريا وعليه فإن التقارب مع دمشق (كما ترى أنقرة) هو حل مناسب وخاصة أن ضابط الإيقاع الروسي موجود وبقوة في المعادلة السورية ولا يخفى على أحد أيضاً عمق العلاقات التركية الروسية ولو أضفنا على ذلك المتغير الإسرائيلي الذي يعمل لصالح أجندة أميركية تتضارب مع المصالح التركية في سوريا والمنطقة سيسهم هذا الأمر في التقارب التركي السوري لمنع انفلات المنطقة في الشمال والشرق السوري ومنع تفرد إيران به وإكمال مشروعها في سوريا.
أخيراً يمكن القول إن الظروف تخدم نوعاً ما النظام في سوريا فرغم تحييد نفسه عن الصدام الحاصل بين إيران وإسرائيل إلا أن طرفي الصراع قد ينقلا الصراع نحو الأراضي السورية ولكن هذا الأمر يبدو أنه مرفوض من قبل روسيا وتركيا وحتى النظام لذلك لكن لا يمنع ذلك من إرسال بعض الرسائل المنضبطة سواء للولايات المتحدة الأميركية أو تركيا وقبول دعوة دولت بهتشلي ولكن بشروط.