هل يصبح فلاديمير بوتين "ملعون روسيا" الجديد؟

2022.03.06 | 09:21 دمشق

mikhail-gorbachev-us-inf-treaty-nuclear-weapons.jpg
+A
حجم الخط
-A

أرخى ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي السابق القبضة الحديدية عن دول الاتحاد عندما أعلن عن سياسة "الغلاسنوست" و"البروسترويكا" أي الانفتاح والشفافية في المؤسسات الحكومية، وإعادة البناء لمحاولة إصلاح الاقتصاد والحد من المركزية المفرطة في التخطيط والإدارة، والتي أدت مع مجموعة من الأسباب إلى انهيار إمبراطورية البروليتاريا التي لم تحصل على الحرية أو رغيف الخبز.

ويقول غورباتشوف مدافعا عن مشروعه الإصلاحي "لا يمكن أن أوافق على المزاعم بأن الاتحاد السوفييتي بلدنا.. قد وقع ضحية للديمقراطية لقد خضت حربا لا هوادة فيها وحاربت حتى الرمق الأخير والهدف هو الحفاظ على الاتحاد السوفييتي"، وفق وثائقي عرضته قناة الجزيرة الوثائقية.

في 20  آب 1991 تم التوقيع على معاهدة تشكيل  "اتحاد الدول المستقلة"، وهو اتحاد فيدرالي لا مركزي يجمع بين تسع جمهوريات من الاتحاد السوفييتي السابق بعد أن استقلت ست جمهوريات عن الاتحاد هي دول البلطيق (أستونيا ولاتفيا وليتوانيا) ومولدوفا وجورجيا وأرمينيا، عبر استفتاء أجري في آذار من العام نفسه.

لم يقض الاتحاد السوفييتي على الطبقات الاجتماعية، ولم تستطع عملية حرق المراحل القفز بالاقتصاد إلى المرحلة الشيوعية، التي يفترض أن تعطي شعوب الاتحاد حاجتهم من الخبز وحاجتهم من الحياة، حيث حازت الأوليغارشية على الحصة الكبرى، في وقت بدأت فيه مسألة القوميات التي نظّر لها لينين تزيد الصرير الصادر عن مفاصل الاتحاد الشبيهة بأقدام غورباتشوف الضعيفة اليوم.

بعد أكثر من 30 عاما على انهيار الاتحاد السوفييتي هاهم الفقراء والمسحوقون يملؤون الحقول السيبيرية في عهد فلاديمير بوتين "قيصر" روسيا الجديد، الذي قد يجعل الروس يعيدون النظر في سياسة غورباتشوف وحلمه باتحاد سوفييتي ديمقراطي.

بعد محاولة انقلاب على غورباتشوف أفشلها بوريس يلتسن، حمّل الروس غورباتشوف مسؤولية انهيار الاتحاد السوفييتي واتهمه بعضهم بالعمالة للغرب الذي عدّه بطلا، وفي الثامن من كانون الأول أعلنت روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا أن الاتحاد السوفييتي "لم يعد موجودا"، ليستقيل غورباتشوف في 25 من كانون الأول 1991، حاملا على ظهره بقايا 14  دولة شكلت الاتحاد فيما مضى.

القوات الروسية اليوم ليست الجيش الأحمر، وغزو أوكرانيا ليس معركة "ستالينغراد"، التي بلغت خسائرها البشرية نحو مليوني ضحية، لكنها حرب قد تغير وجه العالم كما عرفناه رغم أنها حرب بلا "عقيدة"

في أوكرانيا يخوض فلاديمير بوتين حربه التي ورثها عن الانقلابيين، وهي حرب تستنزف جميع الأطراف، ورغم أن روسيا تحارب العالم وحدها بسلاحها العسكري والاقتصادي "الغاز والنفط"، فإن العقوبات التي فرضها الغرب والولايات المتحدة قد تؤدي  إلى انخفاض في الناتج الاقتصادي الروسي بنسبة تقل عن 3 في المئة، في حين أن وقف التجارة مع النفط سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 1 في المئة.

وقد تؤدي العقوبات إلى إفلاس بعض الشركات الروسية وتقليص عدد ساعات العمل، أو توقيف الإنتاج وبالتالي سيفقد الكثير من الروس وظائفهم، ويتوقع أن تنخفض قيمة المدخرات لدى المواطنين الذين لن يستطيعوا دفع ديونهم للبنوك لسداد قيمة منازلهم بعد رفع سعر الفائدة على القروض وانهيار سعر الروبل أمام الدولار، ما يعني ارتفاعا في سعر خبز الشعب الروسي المصدّر للقمح.

تحول العقوبات روسيا كل يوم إلى كوريا شمالية جديدة، بلد معزولة يحكمها أعمى، ولكن هل سيحمل المواطنون الروس صور قائدهم في الشوارع متناسين جوعهم ومستقبلهم مقابل شعارات الأمن القومي وحدود الاتحاد السوفييتي السابق والعالم الروسي؟

تركز العقوبات على تضخيم الأزمة في الداخل الروسي الذي يعاني أزمة ديمقراطية واقتصادية وتحاول قلب الطاولة على بوتين وإسقاطه سياسيا وعسكريا في أوكرانيا، وخلق تململ في أوساط الأوليغارشية ومعارضي الحرب على أوكرانيا، ومع مرور الوقت سيقف الروس أخيرا أمام خيارين إما العيش في عباءة الاتحاد السوفييتي المهترئة ووريث الهزيمة فلاديمير بوتين أو  إسقاط البوتينية.

القوات الروسية اليوم ليست الجيش الأحمر، وغزو أوكرانيا ليس معركة "ستالينغراد"، التي بلغت خسائرها البشرية نحو مليوني ضحية، لكنها حرب قد تغير وجه العالم كما عرفناه رغم أنها حرب بلا "عقيدة".

يعيش اليوم ميخائيل غورباتشوف في منزله القريب من موسكو وحيدا مع خدمه ويستعين بعكاز للسير إلى أن تخونه قدماه كما "خانه" بعض الرفاق في الحزب. ينتظر غورباتشوف تلك اللحظة معتقدا أن الشعب الروسي سيعتبره بطلا بعد وفاته لبدئه مسيرة الديمقراطية والإصلاح في البلاد، لكن كرسيه سيبقى فارغا حينئذ ريثما يحضّر الروس وريثا يجلس عليه ليصبّوا لعناتهم عليه.. ربما يكون الوريث فلاديمير بوتين.