هل يصافح أردوغان الأسد؟

2022.09.30 | 05:05 دمشق

ل
+A
حجم الخط
-A

يمكن القول إن الأيام القليلة الفائتة كانت الأكثر زخماً لطرح مسألة تطبيع في العلاقات بين تركيا بقيادة الرئيس أردوغان والنظام السوري بقيادة بشار الأسد الذي طالما وصفته أنقرة بالظالم والقاتل.

كان وقْعُ ذلك بمثابة صدمة لكنه بعد تخطي الوهلة الأولى قد يمر مرور الكرام في قطار التطبيع الذي ركبته حكومة العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة مع دول عربية وغيرها، في تهدئة يحرص عليها أردوغان وهو متجه نحو أصعب انتخابات برلمانية ورئاسية "حاسمة" في منتصف 2023 المقبل.

لا مستحيل في السياسة، صحيح؛ ولكن المواقف والقرارات لا بد أن ترتبط بمسوغات منطقية ومصالح معقولة، وهنا لا بد من سؤال؛ لماذا تفكر تركيا بالفعل في التطبيع مع هذا النظام أو لنقل مع جار برتبة عدو مثّل لها تهديداً سواء بنفسه أو عبر مناطق خرجت عن سيطرته لتستولي عليها تنظيمات يمكن أن تتسامح تركيا مع كل شيء إلا معها؟ 

الإجابة عن هذا السؤال تقتضي الابتعاد عن رسم فرضية حصول هذا التطبيع في المؤدّى أم لا، بل سرد جملة من الأسباب المهمة لأنقرة، بطريقة مجردة.

سحب البساط من تحت المعارضة

مجمل التحليلات تذهب لفرضيات تتعلق بروسيا تارة وإيران تارة أخرى أو تنظيمات قسد وغيرها، لكن باعتقادي أن العامل الأهم من ذلك بالنسبة لتركيا هو الداخل التركي بالدرجة الأولى، وكأن العدالة والتنمية بقيادة أردوغان لا يريد أن تتفرد المعارضة بأطروحة حل الملف السوري واللاجئين في تركيا من خلال الحديث مع الأسد.

وبالمناسبة، هذه الأطروحة ليست محصورة في أحزاب المعارضة التركية فحسب، بل حزب الحركة القومية حليف العدالة والتنمية رحّب بتصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو منتصف آب المنصرم، حول ضرورة الحل السياسي بين النظام والمعارضة السورية.

نضيف إلى ذلك أيضاً، أصواتاً من داخل العدالة والتنمية نفسه ترى أن حل الملف السوري يقتضي الحديث مع نظام الأسد، وأن الأجواء الحالية مغايرة تماماً لما كانت عليه في السابق حينما كانت أنقرة تدعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة على حد سواء، وأن قضية اللاجئين باتت في المراتب الأولى من المشاكل التي تهم الرأي العام و"تستغلها" بعض أحزاب المعارضة.

لذلك، وبالدرجة الأولى؛ فإن الحديث المتكرر عن مصالحة أو تطبيع مع نظام الأسد، إنما هو رسالة للداخل.. للرأي العام، بأننا كحكومة مستعدون لكل السيناريوهات لحل هذه القضية "فلا داعي أن تنتظروا ذلك من المعارضة فقط".

ولو نظرنا في الواقع إلى مختلف شرائح أحزاب المعارضة المعتبرة أي التي لها صوت وتأثير في المناخ السياسي التركي، سنجدها مجتمعة على فكرة الحديث مع الأسد لحل هذا الملف العالق منذ 11 عاماً، ولن تجدوا سوى حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو الوحيد الذي يمانع ذلك.

وما تبقى من أحزاب "محافظة" مثل السعادة، والرفاه مجدداً (يقوده نجل الراحل أربكان)، والديمقراطية والتقدم؛ فجميعها تؤيد الحديث مع الأسد.

أودّ أن أختم هذه الفقرة بشاهدين، الأول دعوة دولت باهجلي (حليف أردوغان) إلى رفع مستوى الاتصال مع النظام السوري إلى "حوار سياسي" منتصف آب، الثاني حينما صرّح أردوغان وهو عائد من أوكرانيا في 19 آب وقال: "ليس لدينا هدف من قبيل الانتصار على (بشار) الأسد، وإذا كانت المعارضة في تركيا ترى الأمر من هذا المنظور فهذا يعكس مدى ضحالة تفكيرها".

وحدة الأراضي السورية!

في الدرجة الثانية، تحاول أنقرة حين حديثها عن إمكانية الحديث مع الأسد؛ ربط ذلك بضرورة وحدة الأراضي السورية وطرد تنظيمات قسد وأخواتها من المناطق التي تسيطر عليها بدعم أميركي/غربي في شمال شرقي سوريا، وقد جاء ذلك على لسان أردوغان ووزير الخارجية تشاووش أوغلو.

بالطبع هذا يعني من زاوية أخرى أن أنقرة باتت تعترف بطريقة ما بشرعية النظام السوري من جهة، وأنه الرقم الأول في المعادلة من جهة أخرى، لدرجة أنها على ما يبدو من التصريحات تعقد آمالها عليه من أجل طرد التنظيمات الإرهابية التي تزعجها على طول حدودها الجنوبية تقريباً.

على قدر أن هذه النتيجة المستنبطة بالفعل من تصريحات المسؤولين الأتراك "مزعجة ومؤسفة"، إلا أن الجميع يعلم أن نظام الأسد إنما هو أسد من ورق، لا يملك قراره بنفسه دون الرجوع إلى من دعمه أصلاً لتغيير مسار الصراع الداخلي، وأقصد هنا روسيا وإيران بالدرجة الأولى بعيداً عن الميليشيات الطائفية والمرتزقة.

ولذا فهناك نقطة شائكة، وهي على ماذا تعول تركيا كدولة إقليمية ذات حجم كبير؛ حين تفترض جدلاً أن المحادثات مع هذا النظام قد يضمن لها تأمين حدودها الجنوبية، لا سيما أن نظام الأسد يضع منذ الآن شروطاً معقدة مقابل تطبيع العلاقات.

ثم علينا أن نسأل، هل يمكن لتركيا بعد 6 سنوات من دخولها سوريا بشكل فعلي، ونشر جنودها وتأسيس مجالس وقوى تتبع لها، وضخ استثمارات هائلة في البنية التحتية، وتأمين مساحات شاسعة من الحدود المحاذية لها؛ أن تتخلى فجأة عن جميع ذلك وتسحب جنودها وعتادها؟ هل من المنطقي حقاً أن تفرط بكل ذلك وكأنها كانت في نشاط سياحي لم يكلفها أي شيء؟

موسكو ضد التطبيع بين تركيا والأسد!

في مؤتمر صحفي لتشاووش أوغلو في 12 آب، قال إن بوتين عرض على أردوغان أن يجمعه مع الأسد، ليخبره أردوغان بأن أجهزة الاستخبارات على تواصل فيما بينها بالفعل، ثم كشف الوزير التركي عن لقاء جمعه بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في بلغراد أواخر 2021 الماضي، وأكد أن المحادثات الاستخباراتية لا تزال مستمرة بعد انقطاعها لفترة.

ربما من هذا التصريح بالذات، رأى البعض أن محادثات أنقرة مع الأسد إنما تأتي لتنفيذ ضغوط روسية، لكن في الواقع علينا أن نسأل ما مصلحة روسيا أصلاً في جمع الطرفين أو تصالحهما؟ هناك من يرى عكس ذلك تماماً، وهو أن موسكو ترفض أي محادثات بين أنقرة والنظام السوري.

ربما أول من لفت إلى ذلك هو الكاتب التركي البارز والمقرب من أروقة الحكم، عبد القادر سلفي، حيث يرى أن روسيا تمانع في الحقيقة هذه المحادثات، وأن بوتين "لا يريد أن يكون للأسد أي اتصال مع أي دولة سوى روسيا، خاصة مع تركيا (..) إدارة دمشق لا تتخذ خطوات بمفردها، وروسيا لا تسمح بذلك، ولا تريد أي اتصالات بين تركيا والأسد إلا من خلال موسكو حصراً".

بغض النظر عن هذا الجدل، لكن من المؤكد أن أي محادثات بين تركيا والنظام السوري لن تكون سهلة، بل ستكون عسيرة للغاية، ولا يمكن قياسها على نماذج تطبيع نجحت بالفعل مع السعودية والإمارات وإسرائيل وبصورة أقل مصر، لأن تركيا ليس بينها وبين هذه الدول حدود، ولا قضية لاجئين، ولا قضية أمن قومي، ولا وجود عسكري.

سيتواصل الزخم بوتيرة متسقة حول قضية التطبيع الشائكة وعلى أرض وعرة، فهناك انتخابات قادمة والملف السوري بأكمله حاضر فيها بقوة.