هل يسير أردوغان على خطى بوتين؟

2022.06.14 | 07:01 دمشق

2016-05-31-tatbikat-26.jpg
+A
حجم الخط
-A

في التاسع من الشهر الجاري، وأثناء الاستعدادات لإطلاق تدريبات عسكرية بحرية وبرية (EFES 2022) في مدينة أزمير الساحلية على بحر إيجة، كان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حضور لافت فيها في عدة تصريحات لافتة للانتباه، ولعل أبرزها رسالته شديدة اللهجة للدولة العدوة الحليفة اليونان مطالباً إياها بسحب القوات العسكرية اليونانية من جميع الجزر القريبة من السواحل التركية، وتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المبرمة بين تركيا واليونان والدول الشاهدة والحاضرة عليها، وأضاف جملةً يجب التوقف عندها كثيراً حيث قال: أنا لا أمزح أتكلم بغاية الجدية هذه الأمة حازمة وإذا قالت شيئاً فهي تفعله.

كلمات يجب التوقف عندها من ناحية المكان والزمان، فالحرب الروسية الأوكرانية ليست ببعيدة وحتى أسباب هذه الحرب التي أُعلن عنها تشبه إلى حدٍ ما التخوفات أو الأسباب التي جعلت الرئيس التركي يطلق هذا التصريح. فتسليح هذه الجزر تهديد حقيقي للأمن القومي التركي وتهديد للسكان الأتراك المقيمين في تلك الجزر ابتداءً من جزيرة رودوس وحتى جزيرة ميس التي تبعد فقط 2.1 كم من سواحل مدينة أنطاليا الساحلية، إضافة إلى الجزر في بحر إيجة، وقبل هذا التصريح كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد صرح قبل مدة قليلة بأن اليونان إذا لم تسحب قواتها العسكرية من تلك الجزر وتتخلى عن هذا الأمر فسوف تتم مناقشة مسألة السيادة على تلك الجزر، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على تنسيق واضح بين الخارجية والرئاسة وأيضاً لهجة التهديد المتصاعدة مع مرور الوقت، وخاصة أن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية ومحلية بعد عام.

التهديدات التي أطلقها الرئيس أردوغان تأتي في نفس الوقت الذي تتم فيه الاستعدادات التركية للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري ضد قوات قسد المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية

لا شك أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فتحت الأبواب على كثير من التساؤلات حول كيفية النظام العالمي القائم الآن، وهل فعلاً النفوذ الأميركي في تراجع حول العالم وهل أن سياسة القطب الواحد بدأت بالتراجع؟ كل هذه التساؤلات لا بد أنها قائمة في عقل صانع القرار السياسي والعسكري في تركيا؛ لأن هذه التهديدات التي أطلقها الرئيس أردوغان تأتي في نفس الوقت الذي تتم فيه الاستعدادات التركية للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري ضد قوات قسد المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن تركيا لا تأبه بالرفض الأميركي لهذه العملية وخصوصاً أن كثيراً من المطالب التركية لم تلق آذاناً مصغيةً من قبل واشنطن، فالدعم العسكري لقسد ما زال مستمراً وحتى الآن الكونغرس الأميركي لم يوافق على طلب بيع تركيا طائرات إف 16 وما زالت أميركا تنشئ قواعد عسكرية لها في الأراضي اليونانية إذ بلغت 12 قاعدة، وهذا ما يثير المخاوف التركية علاوة على أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنقرة وتصريحه بتفهم روسيا المخاوف الأمنية التركية في الجنوب كل هذه الأمور تعطي انطباعاً بأن تركيا تتقارب أكثر مع روسيا في سوريا على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

زيادة الضغط قد يولد الانفجار وربما هذا ما حصل مع روسيا وهي الدولة النووية العظمى والمصدرة للطاقة لكثير من دول العالم، فكيف الحال بتركيا التي تعاني من بعض الأزمات

ملف الجزر اليونانية القريبة من الجرف القاري لتركيا يشبه نوعاً ما شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لها في عام 2014، وحتى الحرب القائمة الآن مع أوكرانيا من أجل ضم كامل بحر آزوف وطرد أوكرانيا من أراضيها في تلك المنطقة والسبب هو أن التهديد العسكري تجاوز الخطوط الحمر التي يُسمح بها، فوجود قوات عسكرية يخل بالتوازن الذي كان قائماً وإنه بالتأكيد سوف يغيّر المعادلة السياسية والعسكرية، فجزيرة ميس التي تقع في خليج أنطاليا مثلاً نقطة عسكرية متقدمة جداً وخطيرة في نفس الوقت على تركيا وفق حسابات العسكر في أنقرة، أضف إلى ذلك التحشيد اليوناني ضد تركيا في الكونغرس الأميركي والطلب بعدم تسليم تركيا طائرات إف 16، وإخراج تركيا من مشروع إف 35 لا يمكن أن يعطي إلا انطباعاً واحداً هو محاولة اليونان محاصرة تركيا كما يفعل الناتو في محاصرة روسيا، فكيف بهذا الأمر والحدود البحرية لم ترسّم حتى الآن بين كل هؤلاء الأطراف علاوة على بعض العقوبات الأميركية المفروضة على تركيا بسبب منظومة الدفاع الجوي إس 400 وبنك خلق الذي كان يتعامل مع البنوك الإيرانية.

لا يبدو كلا المشهدين الداخلي والخارجي لتركيا بالمشهد الجيد فما تكاد تهدأ جبهة حتى تُفتح جبهة أخرى، والمشهد الاقتصادي أيضاً لا يبشر بكثير من الخير وهذا ما يدعو للقلق، فزيادة الضغط قد يولد الانفجار وربما هذا ما حصل مع روسيا وهي الدولة النووية العظمى والمصدرة للطاقة لكثير من دول العالم، فكيف الحال بتركيا التي تعاني من بعض الأزمات، ولكن يبدو أنها تريد المسير على خطى موسكو في بعض المناحي الشائكة.