icon
التغطية الحية

هل يستثمر النظام بالمخدرات كما استثمر في الإرهاب؟

2020.09.10 | 07:16 دمشق

2.png
إحباط محاولة تهريب مخدرات من الأراضي السورية إلى الأردن في 22 من أيار الماضي (وكالة الأنباء الأردنية)
إسطنبول ـ فؤاد عزام
+A
حجم الخط
-A

منذ نحو عامين وحتى الآن لا يكاد يمر شهر تقريبا، دون أن تعلن فيه إحدى الدول العربية أو الأوروبية ضبط شحنة مخدرات وصلت إليها من سوريا، وقد لا يكون من باب الصدفة أن تسارع وزارة داخلية النظام بُعيد ساعات من ضبط أي شحنة مخدرات إلى إعلان القبض على عصابة متعاطي أو مروجي مخدرات في مناطق متفرقة من البلاد، في حين تذهب مصادرها إلى الترويج بأن سوريا هي بلد عبور للمخدرات ولا تنتجها.

آخر شحنات المخدرات المصدرة من سوريا إلى الخارج، وصلت يوم الأحد 30 آب الماضي، إلى رومانيا عبر سفينة شحن، وتضمّنت 1480 كيلوغرامًا من الحشيش، و751 كيلوغرامًا من حبوب الكبتاغون المخدرة (أكثر من أربعة ملايين قرص مخدر)، بقيمة تقدّر بنحو 60 مليون يورو مخبأة في عبوات صابون،  بحسب بيان لوزارة الداخلية الرومانية، التي وصفت العملية بأنها الأكبر في تاريخ  الشرطة الرومانية، تبع ذلك وفي 31 آب إعلان وزارة داخلية النظام أن فرع مكافحة المخدرات في حمص ألقى القبض على ثلاثة أشخاص وبحوزتهم كمية (٧٤٤) حبة كبتاغون مخدرة.

وتعد شحنة المخدرات هذه الثانية من حيث الحجم بعد شحنة المخدرات التي ضبطتها الشرطة الإيطالية في 29 يوليو تموز الماضي والتي يبلغ وزنها 14 طنا على شكل 84 مليون حبة كبتاغون، موزعة على ثلاث حاويات تقدر قيمتها بمليار يورو، وهي أكبر عملية مصادرة لمادة أمفيتامين التي يشتق منها الكبتاغون، على المستوى العالمي بحسب المصدر الإيطالي.  

وخلافا لشحنة المخدرات التي ضبطت في ميناء ساليرنو جنوب نابولي، لم تتهم السلطات الرومانية تنظيم الدولة بالوقوف وراء تهريب شحنة المخدرات تلك، كذلك لم تتهم كلٌ من اليونان ومصر والأردن والسعودية، وهي الدول التي ضبطت شحنات مخدرات من سوريا، هذا التنظيم بالمسؤولية عن تهريب شحنات المخدرات، ولا اتهمت النظام في سوريا .

 

شحنة المخدرات إلى إيطاليا مصدرها معامل في اللاذقية

تقارير لوسائل إعلام غربية من بينها فوكس نيوز تحدثت بأن شحنة المخدرات التي ضبطت في إيطاليا أنتجت في معامل سورية بمباركة من النظام، في حين قال الكاتب والصحفي في صحيفة دير شبيغل الألمانية كرستوفر رويتر في مقابلة مع قناة دويتشيه فيليه: " لدينا من يخبرنا في اللاذقية بأن هناك مصانع في المنطقة تنتج  حبوب الكبتاغون.

وكان رويتر نشر في دير شبيغل تحقيقا استقصائيا أوضح فيه أن شحنة المخدرات التي ضبطت في إيطاليا يقف وراءها سامر كمال الأسد، ابن عم رئيس النظام بشار الأسد الذي يدير مصنعًا في قرية البصة جنوبي اللاذقية، لإنتاج المواد المخدرة بالتعاون مع رجل الأعمال عبد اللطيف حميد، الذي افتتح مصنعًا للورق في حلب مؤخرا.

وازدادت شحنات المخدرات من سوريا بشكل ملحوظ بعد دخول ميليشيا حزب الله الحرب إلى جانب النظام وبحسب صحيفة “واشنطن تايمز” فإن إدارة مكافحة المخدرات الأميركية أبلغت أعضاء في الكونغرس بشكل رسمي، أنها توصلت إلى أدلة تثبت ضلوع الحزب في أعمال تهريب وتجارة مخدرات ضخمة حول العالم بينما أكد عضو بارز في اللجنة المالية بمجلس النواب الأميركي، أن تصنيع المخدرات والاتجار بها يمثلان 30% من مداخيل “حزب الله  .

 

ميليشيا حزب الله والنظام ..تاريخ من التعاون في التهريب  

وتتّهم ميليشيا حزب الله بانتاج المخدرات في سوريا، من خلال علاقات متنفّذيه مع رموز في النظام، لا سيما العلاقة التي تربط بين أحد أشهر الشبيحة ويدعى وسيم الأسد؛ وهو أحد أبناء عمومة رأس النظام بشار الأسد مع تاجر المخدرات المحسوب على حزب الله نوح زعيتر وهو من أبرز المطلوبين للقضاء اللبناني على خلفية تهم جنائية وتجارة مخدرات وحشيش وسرقة سيارات .

وفي 25 / 12 من العام الماضي ظهر نوح زعيتر في ساحة الأمويين بدمشق يرتدي زيا عسكريا وفي العام 2015  ظهر أيضا في مقاطع فيديو مع عدد من ميليشيا حزب الله خلال هجومه على مدينة الزبداني بريف دمشق. وقال في تسجيلات مصورة حينها: "نحن يا شباب وعدنا السيد حسن نصر الله أننا سنقاتل الدواعش أينما كانوا، وها نحن على الدرب سائرون"، كما تناقلت مواقع إلكترونية في نفس الفترة، صوراً لزعيتر خلال زيارته لمواقع حزب الله في منطقة القلمون السورية.

 

الاقتصاد الأسود بديل للاقتصاد الحقيقي

ودوافع تجارة المخدرات اقتصادية بشكل عام ومحدد كما يقول المحلل الاقتصادي خالد التركاوي لموقع تلفزيون سوريا ويشرح ذلك بقوله : " إن غياب الاقتصاد الحقيقي  فتح الباب للاقتصاد الأسود  وانتشار العصابات التي تقاتل في سوريا كجماعات حزب الله وهذه تمويلها الرئيسي من المخدرات، وقد تم تحويل جزء كبير من أراضي المهجرين التي كانت تزرع مواد غذائية إلى زراعة الحشيش كما في حالة القصير".

ولم تتضمن العقوبات الغربية على النظام إدانته بانتاج المخدرات وترويجها داخليا وخارجيا باستثناء إشارة واحدة وردت في قانون قيصر تتعلق بمشاركة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون المخدرات الدولية وشؤون إعمال القانون  في تحقيقات جنائية  وبناء القدرات السورية للتحقيق، ودعم الدعوات القضائية في المحاكم الوطنية، وجمع الأدلة والحفاظ على سلسلة الأدلة للمحاكمات في نهاية الأمر ضد مرتكبي جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية في سوريا منذ آذار 2011.

وأيضا لم يعط القانون تفاصيل أكثر حول المخدرات، في ظل تساؤلات حول نجاح النظام في تصديره هذه المادة عبر شحنات متعددة  من موانئه، على الرغم من العقوبات المفروضة عليه، ووجود مخابرات دولية في المنطقة ومن أبرزها الولايات المتحدة.

 

النظام يتحمل المسؤولية القانونية في التهريب

يرى المحامي غزوان قرنفل مدير تجمع المحامين السوريين أن مسؤولية تهريب المخدرات من سوريا تقع على السلطة الحاكمة لأن ضبط الموانىء والمنافذ الحدودية يقع في إطار مسؤولياتها.

ويقول قرنفل لموقع تلفزيون سوريا: لما كانت كافة الشحنات قد نقلت بحرا وكانت الموانىء تحت سلطة النظام الكاملة بلا منازع فإن كامل المسؤولية تتحملها السلطات الحاكمة ولا تملك فرصة التذرع بحالة الفوضى المتأتية عن الصراع.

ومن جانب آخر فإن للنظام خبرة طويلة مع حزب الله في مجال الاتجار بالمخدرات عبر القارات بحسب وسائل إعلام وتقارير غربية، وهو مستمر بشكل متصاعد بهذه التجارة، وعلى الرغم من ذلك فإن المجتمع الدولي لم يتحرك ضده والسبب في ذلك كما يقول الكاتب عبد الرحمن حلاق لموقع تلفزيون سوريا هو عدم الرغبة بإدانة النظام بل إن هدف المجتمع الدولي هو إعادة تأهيله على الرغم من أنه يغرق الأسواق الدولية بالمخدرات، وهي تجارة غير مشروعة بحسب معاهدة الأمم المتحدة للعام 1961 .

 

النظام يسعى للتملص من مسؤوليته عن التهريب

لا يبدو النظام قلقا من توجيه تهم الاتجار المخدرات اليه حتى الآن فهو يتصرف بالنسبة لهذه المسألة وكأنه غير معني بها بل يبعث برسائل لدى ضبط شحنات مخدرات مصدرها الأراضي والموانئ السورية بأنه يكافح المخدرات من خلال إعلانه إلقاء القبض على عصابات ترويج هذه المادة .. والذي لا يمكن أن يكون من باب الصدفة  كما يقول المحلل السياسي حسن النيفي لموقع تلفزيون سوريا بل يهدف من وراء إعلانه التملص من أي تهمة قد توجه إليه بعيد إعلان دول ضبط مخدرات ويوضح النيفي: " أن حكومة الأسد إذ تعلن عن إلقاء القبض على عصابة لتهريب المخدرات فهي تريد أن توجه رسالة للعالم تقول فيها بأن من يقوم بالتهريب هي عصابات تلاحقها الحكومة وليس عصابات تنسق مع الحكومة ".

ويكشف النظام عن وقائع تهريب المخدرات بحسب التوقيت الذي يراه مناسبا ويخدم أجندته وتطال مروجين صغار مرتبطين بمافيا أكبر تتبع لأجهزته أو متعاطين وهو لا يعبأ بانتشار المواد المخدرة في المجتمع لا سيما بين طلاب المدارس والجامعات إذ تشير رئيس دائرة المخدرات بوزارة الصحة ماجدة حمصي إلى وجود حالات تعاطي مخدرات في بعض مدارس ريف دمشق وبعض الجامعات.

ولا يشعر النظام بكثير من الضرر في أن تنتشر المخدرات في المجتمع السوري إلى حدود تبقى في قبضته، كما بالنسبة للأعمال الإرهابية التي كان يرعاها لتخويف الأهالي في مناطق سيطرته، وإرهابهم لأهداف سياسية، وبالتالي لا تختلف كثيرا مسألة المخدرات عن قضية الإرهاب من حيث إنتاجهما والاستثمار بهما من قبل النظام.

وعلى الرغم من أنه يسعى إلى تصوير نفسه بأنه يعمل على مكافحة الإرهاب والمخدرات إلا أنه لا يرى حرجا في أن يخرج على العلن ويلوح بهما، فعلى غرار تهديد أوروبا بالإرهاب الذي ورد على لسان مفتي النظام أحمد حسون في كلمته الشهيرة في العام 2011  فإنه من غير المستبعد أن يعلن النظام في مرحلة ما، أنه سيغرق أوروبا بالمخدرات إذا استمرت العقوبات الاقتصادية عليه.

وفي ظل عدم وجود اهتمام دولي أو رغبة بالتصدي للنظام بخصوص تجارته بالمخدرات التي تستخدم عوائدها في الإرهاب، من خلال تحرك الدول التي تضبط شحنات مخدرات مصدرها سوريا لاتهامه، إلا أن من الأهمية بالنسبة للسوريين العمل لدى الرأي العام الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني خصوصا من أجل إدانة نظام الإرهاب والمخدرات.

كلمات مفتاحية