هل يحكم بشار الأسد تونس عما قريب؟

2019.08.29 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كُتب الكثير عن تحالف تيار واسع من اليساريين والقوميين على امتداد المنطقة العربية مع الأنظمة الديكتاتورية طيلة العقود السابقة، كان يقوم على التزام الجهتين بالشعارات والأهداف ضد إسرائيل وداعميها من القوى الغربية الإمبريالية.

غير أن وقائع سنوات الربيع العربي بالتأكيد جعلت قسماً كبيراً من هؤلاء أفراداً وجماعات يعيد النظر في موقفه، خاصة أن الأنظمة التي انهارت ثم أعادتها الثورات المضادة إلى سدة الحكم كشفت عن واقعها، الذي ظهر على حقيقته أمام مؤيديها، فهي بعيدة كل البعد عن الشعارات التي كانت تطرحها وتغرر عبرها بعقول الحالمين بـ "مواجهة العدو الصهيوني" و"مواجهة الإمبريالية وبناء الاشتراكية"، كما أن علاقة العداوة الظاهرية بين هذه الأنظمة وبين إسرائيل، ظهر أنها غير ذلك، لا سيما أن موقف هذه الأخيرة كان وطيلة السنوات السابقة معادياً لحصول الشعوب على حريتها من سلطة الأنظمة المتحكمة برقابها!

ولكن وبعيداً عن تفاصيل الواقع المزري الذي تعيشه المنطقة العربية بمجملها، إذا قررنا أن نبني مشهداً تمثيلياً يتنافس فيه أفراد ينتمون للتيارات التي نتحدث عنها أعلاه، أي تلك المؤيدة للأنظمة العربية المقاومة والممانعة، فهل سنجد لدى هؤلاء مادة للتنافس مختلفة عن تلك الشعارات التي مازالوا يتداولونها منذ عشرات السنين؟!

تتخذ قصة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين تونس وبين نظام الأسد حجر الزاوية في الأحاديث التي يدلي بها المرشحون على شاشات التلفزة المحلية.

في تونس التي تعيش هذه الأيام تجربة ديموقراطية يتنافس فيها المرشحون على كرسي رئاسة الجمهورية بعد رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي، هناك مشهد كوميدي تتكرر تفاصيله حد الملل، إذ إننا نشهد في البلد الذي تخلص من الديكتاتورية بثورة شعبية، قيام مرشحين للرئاسة يبنون حملاتهم الانتخابية على شعارات عامة على المستوى الداخلي، وخاصة على المستوى الخارجي من مثل التأييد المطلق  لديكتاتورٍ يحكم بلداً عربياً آخر، هو بشار الأسد، وكذلك تأييد محور المقاومة والممانعة من خلفه!

وضمن هذا السياق تتخذ قصة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين تونس وبين نظام الأسد حجر الزاوية في الأحاديث التي يدلي بها المرشحون على شاشات التلفزة المحلية حيث باتت قضية إعادة العلاقات المادة المستحبة للعلك الانتخابي، وفي مقابل هذا الأداء الرديء للمرشح الرئاسي المزدهي بشعاراته القومجية واليساروية، هناك نقاش حاد يمكن تلمسه على وسائل التواصل الاجتماعي بين التوانسة حيال ترتيب الأولويات لدى المرشحين، فبدلاً من نقاش بلا طائل حول قضية العلاقات مع نظام الأسد المرتبطة بقرارات عربية ودولية، تطالب الفئات الشعبية المرشحين بالاستفاضة بالحديث عن رؤاهم لحل الإشكالات الداخلية، بعيداً عن لغة الشعارات الطنانة والرنانة! فهل بشار الأسد أهم لدى التوانسة من حل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات؟ وهل هو أهم من معالجة مشكلة التطرف الإسلامي الذي أنتج آلافاً من الشباب الذين صاروا دواعش ومارسوا الإجرام في سوريا ضد السوريين الثائرين على الأسد نفسه؟!

المؤسف حقاً أن الأداء السياسي لهؤلاء المرشحين تجاه قضية خارجية، لا تمس المواطن التونسي ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، وجعل هذه القضية أساساً للخطاب السياسي الذي يقدمونه، لا يشبه فعلياً واقعة سياسية في بلد آخر سوى ذلك التنافس اللاهث والمحموم بين أقطاب السياسة الأميركية مع كل انتخابات للرئاسة في واشنطن، على نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة! تفكير هؤلاء تجاه إعادة العلاقة مع النظام السوري الذي فتك بشعبه، مفرغ بالكامل من الحيثيات الأخلاقية تجاه السوريين أنفسهم، كما كانت موضوعة نقل السفارة لدى المتنافسين الأميركيين مفرغة من أي قراءة إنسانية أو أخلاقية أو قانونية لواقع الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من أرضهم على يد الاحتلال الإسرائيلي!

يدرك السوريون الذين بنوا أحلامهم بالانعتاق من أسر الديكتاتورية، وتضامن الشعوب العربية فيما بينها ضد طغيان الطغاة، أن قضيتهم باتت كرة تتقاذفها القوى الإقليمية والدولية، وأن هناك ورشات سياسية تجري من تحت الطاولات وبرعايات دولية لإعادة تعويم نظام الأسد، وأن كل ما يجري في هذا السياق إنما هو لعبة مصالح ضمن صراعات دولية، شاءت الظروف السابقة أن تجعل من سوريا عقدة النجار فيها، ولكن من غير المفهوم ليس للسوريين فحسب بل للتونسيين أيضاً وغيرهم أيضاً هذا الارتهان الطوعي، وهذه العبودية المختارة لشرائح تدعي خدمتها لأهداف الحرية والعدالة الاجتماعية، وهذه الذيلية القبيحة لنظام كانت أكبر إنجازاته طيلة سنوات وجوده: قتل شعبه، وخسارة الحروب التي خاضها، وإبقاء الجولان طيلة عقود بيد محتليه، وتدمير القضية الفلسطينية من داخلها؟! فهل سيحكم بشار الأسد تونس عما قريب؟