icon
التغطية الحية

هل يتلاعب المبعوث الأممي بمفردات العملية السياسية في سوريا؟

2020.12.17 | 15:38 دمشق

551028Image1.jpg
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون في افتتاح جلسات الجولة الرابعة للجنة الدستورية السورية - AFP
إسطنبول - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أثار ترجمة مصطلحات وردت في مداخلات اجتماع اللجنة الدستورية السورية في جنيف، استخدمها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، جدلاً واسعاً واعتراضاً بين صفوف عدد من أعضاء وفد المجتمع المدني.

وأصدر ستة أعضاء من وفد المجتمع المدني بياناً أشاروا فيه إلى ورود خطأ في الترجمة لبعض المصطلحات بإحاطة بيدرسون التي تلاها أمس، في إحاطة لمجلس الأمن، تحدثت عن محتوى الأوراق التي قدمتها الوفود الثلاثة في اللجنة الدستورية خلال جولتهم الأخيرة في جنيف في 30 تشرين الثاني الماضي.

وقال البيان، الذي وقّع عليه كل من إيمان شحود وإيلاف ياسين وخالد الحلو ورغداء زيدان وصباح الحلاق ومازن غربية، إنه ورد في النسخة الإنجليزية من إحاطة بيدرسون أن بعض أعضاء وفد الثلث الثالث قدموا نقاطاً، منها ما تحدث عن (restorative justice)، وهو ما تم ترجمته في النسخة العربية بـ (العدالة التصالحية).

وأكد البيان أن هذا المصطلح "لم يرد في أي كلمة من كلماتنا أثناء الجولة الأخيرة، فقد قدمنا مداخلات حول العدالة الانتقالية (Transitional Justice)، وكلماتنا مسجلة وبعضها قد تم طبعه وتوزيعه على الموجودين في الجولة".

واستخدم ستة من أعضاء وفد المجتمع المدني مصطلح (العدالة التعويضية)، في سياق ورقة قدموها عن عودة اللاجئين، تحدثوا فيها عن "حق اللاجئين باسترداد ممتلكاتهم، التي حُرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية، وأن يعتبر الرد سبيل الانتصاف المفضل، وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية".

وطالب بيان أعضاء المجتمع المدني الأمم المتحدة بأن يكون "الحديث عن المداخلات أكثر دقة، وألا يتم اختزال ما قُدّم بطريقة يظهر فيها عمل الثلث الثالث هامشياً"، مؤكدين على التزامهم "بنقل آلام الناس وطرح مطالبهم وتلبية تطلعاتهم".

 

 

وكان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، قال أمس في سياق إحاطته لمجلس الأمن إن "بعض أعضاء المجتمع المدني قدموا نقاطاً حول شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين"، مشيراً إلى "القضايا ذات الصلة مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والمحايدة ذات الصلة".

 

اقرأ أيضاً: بيدرسون يطلب دعماً قوياً من مجلس الأمن لتنفيذ القرار 2254

 

"العدالة الانتقالية" إجراءات أساسها قضائي تُرفد بإجراءات غير قضائية

يرى المحامي والحقوقي المختص بالقانون الدولي، الدكتور حسام الحافظ، أن "الانخراط في اللجنة الدستورية بحد ذاته خطأ كبير، وتثبيت لانحراف خطير عن مرجعيات العملية السياسية، والأجدى الانسحاب من اللجنة الدستورية وفق خطوات مدروسة سبق أن تحدثنا عنها".

ويضيف الحافظ، في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أنه من الجانب القانوني والتفاوضي الصرف، فإن العدالة الانتقالية هي إجراءات أساسها قضائي، ولكن ترفد بإجراءات غير قضائية متنوعة، وتجارب الدول عن العدالة الانتقالية أعطتنا حزمة متنوعة من الإجراءات المصاحبة والمرادفة للوصول للعدالة، مثل: لجان الحقيقة، لجان المصالحة، إجراءات التعويضات المختلفة بأشكالها..

لكن الأساس أن هذه الإجراءات رديفة وليست أساسية، فالأساس هو اللجوء للقضاء لإحقاق الحق، أي تحديد المنتهكين، وتحديد الانتهاكات، وتحديد الضحايا، وتحديد الضرر، ومن ثم إقامة مبدأ المسؤولية، أي أن من قام بانتهاك معين يجب أن يدفع الثمن من خلال إجراءات قضائية، سواء كان عقوبات جزائية وفق قانون العقوبات الأساسي، أو إجراءات قضائية انتقالية بموجب قوانين جديدة.

وسمي مصطلح العدالة الانتقالية بذلك فقط لأنه مرتبط بحالات ما بعد النزاعات، ويتعامل مع تركة ثقيلة من انتهاكات متنوعة وكثيرة جداً، فالعدالة الطبيعية تتعامل مع مرتكبي الانتهاكات للقوانين الجزائية بشكل عام، ولحقوق الإنسان بشكل أوسع، لكن ليس بذات الكثافة التي تتم في زمن الحروب والنزاعات، وتحديداً الحروب الداخلية والأهلية، لكن ذلك لا يعني أبداً إسقاط الحق بالعدالة القضائية، التي هي الطريق الطبيعي للعدالة.

واستعمال مصطلحات أخرى هو لتخفيف وقع استعمال مصطلح العدالة القضائية الطبيعي عند وجود مفاوضات سياسية حول إنهاء النزاعات، فالوسيط الدولي يحاول دائماً أن يجد مصطلحات أقل خشونة لطرفي النزاع أو إن شئت للطرف المتعنت وهو النظام في حالتنا.

ويشير الدكتور حسام الحافظ إلى أن الأساس بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة هو التمسك بالعدالة الكاملة، وإجراءات العدالة الأساسية وهي العدالة القضائية، وردفها بإجراءات أخرى تساهم بتخفيف التعامل مع الانتهاكات، لكن بدون وجود مبدأ مساءلة قضائية كاملة، لا يمكن الركون إلى وجود أي نوع من أنواع العدالة، فلا بد من وجود إجراءات قضائية واضحة.

 

اقرأ أيضا: بيدرسون: الحل في سوريا غير متعلق فقط باللجنة الدستورية

 

جلسات المفاوضات تحتاج للشفافية والحذر

وبصرف النظر عن دقة الترجمة في إحاطة السيد بيدرسون، يشير الدكتور حسام الحافظ إلى أن استعمال مصطلحات متنوعة من قبل الوسطاء الدوليين عادة، هو أحد وسائل تقريب وجهات النظر، حتى لو كان على حساب المضمون وأحياناً على حساب الحقوق، أو على حساب ما يريد الطرف الضحية تثبيته وإقراره من خلال مفاوضات بمرجعية قانونية وسياسية واضحة وهنا تكمن الخطورة، فالأساس لمن يمثّل قوى الثورة والمعارضة هو عدم منح الذرائع الفنية للوسيط أو للطرف الآخر وتجنب مصطلحات غير واضحة أو تحتمل التأويل.

ويؤكد الدكتور حسام الحافظ أنه من الضروري أن يكون هناك شفافية تامة حول ما يدور في جلسات المفاوضات، لأنه من السهل جداً على الوسيط الدولي القول إنه استنتج شيئاً جديداً، حتى لو لم يتم تداوله حرفياً خلال الجلسات أو المفاوضات في الغرف المغلقة، وبالتالي من السهل اتهام أحد الأطراف بالتفريط، فمن الأفضل أن يكون هناك شفافية مطلقة لما يحدث.

كما يجب أن يكون هناك حذر شديد من قبل أعضاء لجنة المفاوضات، فاستعمال أي مصطلح في غير مكانه، أو أي انطباع في غير محله، قد يؤدي إلى استنتاجات تفاوضية بعكس ما نريد، ولا يمكن أن يلام الوسيط الدولي على استنتاجات تفاوضية عكس ما نريد إذا كان قد استند إلى شيء تم طرحه خلال المفاوضات بشكل خاطئ من قبل الطرف الذي من المفترض ألا يطرحه بهذا الشكل.

ويشدد الدكتور الحافظ أن "الانخراط في اللجنة الدستورية سيؤدي بنا إلى كوارث، ولن يشفع لمن يشترك في هذه العملية الادعاء بأنه قال أو لو يقل، أو قصد أو لم يقصد، أو الخروج ببيان توضيحي بعد خراب البصرة".

 

اقرأ أيضا: إعلام النظام: تصريحات بيدرسون بشأن اللجنة الدستورية غير دقيقة

 

هل يحمل مفهوم "العدالة التصالحية" العفو عن جرائم الحرب؟

من جهته، يرى المحامي والحقوقي السوري عيسى إبراهيم، في تصريح لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "هذا المصطلح ورد في الفقرة السادسة، وهو منسوب لوفد المجتمع المدني، والسياق الذي ورد فيه غير مضبوط المعنى"، مشيراً إلى أن "التنويه الموقّع من قبل ستة أعضاء والصادر بعد إحاطة السيد بيدرسون، قول إنها متعلقة بـ (العدالة التعويضية)، أي وفق شرحهم، تعويض من لا يمكن إعادة منزله إليه لأسباب واقعية قاهرة، وتعويضه مالياً كما أوضحوا".

وأضاف إبراهيم أن "هذا التوضيح كان يمكن تلافيه بتعبير (تعويض) بدلاً من مصطلح (عدالة تعويضية)، فهذا المصطلح غير صحيح، فكيف إن ورد تحت مفهوم (العدالة التصالحية)، وبشكل مستقل داخل سياق، وهنا تكمن خطورته".

وأشار إلى أنه "قد يُحمّل لاحقاً على مفهوم مختلف عن (العدالة الانتقالية) التي تقتضي المحاكمة لمجرمي الحرب، بينما قد يحمل مفهوم (العدالة التصالحية) في طياته العفو، بذريعة الوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية، وعفى الله عما مضى.. وصولاً لشراكة في السلطة بين المؤثرين في إحداث الخراب بين جانبي المسألة السورية".

وأوضح أن ذلك يعني أن "يكون طرفا الخراب السابقين، هم طرفا السلام والحل اللاحقين، وعبر حكومة وحدة وطنية موسعة، كما عبّر بتصريحاته رئيس النظام بشار الأسد، مشيراً لمفهومه حول مرجعية جنيف وهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية".

وأكد إبراهيم أن "هذا هو ملخص التفسير والمفهوم الروسي للعملية السياسية في جنيف، الذي يتم اختزاله مع الوقت عبر سوتشي وأستانا قبلاً، والآن مع مناقشات غير ملزمة للسوريين تحت عنوان (اللجنة الدستورية)".

وشدد على أنه "هنا تكمن خطورة أخرى، وهي إحدى تداعيات عدم وجود اختصاص وانتباه وحرص داخل اللجنة في تناول مسائل تحتاج إلى عناية مهنية وفهم فقهي حقوقي دستوري، لا مكان فيه للبلاغة، وكل كلمة فيه يترتب عليها مسؤولية وتداعيات قانونية".

 

اقرأ أيضأ: ما هي "ولاية" و"مرجعية" اللجنة الدستورية؟ - تلفزيون سوريا

 

روسيا تختزل جنيف

من جهة أخرى، نقلت تقارير صحفية، عن مصادر في اللجنة الدستورية السورية، أكدت أن المستشرق الروسي، ورئيس "معهد الاستشراق"، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فيتالي نعومكين، حاول إقناعهم باستخدام مصطلح "العدالة التصالحية"، معتبراً أنه مصطلح دقيق في مقابل ضبابية مصطلح "العدالة الانتقالية".

وذكرت المصادر أن نعومكين استخدم هذا المصطلح في النقاش أكثر من مرة في جنيف ومونترو، وكان يلاحقهم في جلسات الغداء والعشاء من العام 2017، مؤكدين أنه استطاع إقناع المبعوث الأممي غير بيدرسون بأفكاره.

وتعليقاً على ذلك، يقول المحامي عيسى إبراهيم لموقع "تلفزيون سوريا"، إن الجانب الروسي جاد في اختزال مرجعية جنيف، وسعى لذلك من خلال عدة مراحل، وبالتعاون مع الجانب التركي عبر سوتشي وأستانا، وهو الشيء نفسه الذي عبر عنه بشار الأسد عندما تحدث عن فهمه لمرجعية جنيف بقوله (حكومة وحدة وطنية)، أي حكومة موسعة مع أطراف آخرين.

فإذا صح ما هو منسوب للمستشرق الروسي فيتالي نعومكين، حول اقتراحه أو إقناعه للسيد بيدرسون بمفهوم (العدالة التصالحية) بدلاً من (العدالة الانتقالية)، وتبنيها في إحاطته الأخيرة، فسنكون أمام الفصل الأخير لتحميل مرجعية جنيف الفهم الروسي – التركي لها، والذي عبر عنه بشار الأسد بمفهوم (حكومة الوحدة الوطنية).

ويبدو أن إحاطة بيدرسون ونشاط اللجنة ذاهب بهذا الاتجاه، فبعد أن تم تقسيم مرجعية جنيف لسلال أربعة من قبل المبعوث السابق ستيفان دي ميستورا بشكل مريب حينئذ، ومن ضمنها العملية الدستورية، تم اختزال هذه السلة أيضاً من خلال اللجنة الدستورية الحالية، بمفهوم (التعديل الدستوري).

 

اقرأ أيضاً: هل يعرقل نظام الأسد استعدادت "هيئة التفاوض" للجولة الرابعة

 

هل يتلاعب النظام بالمصطلحات؟

من جانب آخر، يؤكد المحامي عيسى إبراهيم أن "إحاطة بيدرسون بالفقرة العاشرة، حين يتحدث عن عملية (إصلاح) دستوري، وتحويلها إلى عملية (صياغة) هذا الإصلاح، يؤكد أن اجتماع اللجنة في كانون الثاني القادم سيكون في أقصى حالات نجاحه، هو القيام بتعديلات دستورية تسمح بترشّح آخرين من الخارج، وتعديلات أخرى من قبيل إحداث صلاحيات لرئيس الوزراء، حتى يكون مفهوم وجود حكومة وحدة وطنية أمراً مستساغاً".

ويوضح إبراهيم "هنا يمكن فهم خطاب بشار الأسد أمام المشايخ وعلماء الدين في وزارة الأوقاف الأسبوع الماضي، وهجومه على العلمانية والليبرالية، وتبنيه كل مفاهيم الإسلام السياسي وتراجعه عن اتهام رواد المساجد بالخروج منها وليس من مقار الأحزاب، واعتباره أن الملحدين هم من استغلوا المساجد للخروج منها".

ويشير إلى أنه استناداً إلى ذلك، سيكون الشريك المقابل هم شخصيات من خلفية إسلام سياسي محسوبة على مناهضي الأسد، يشكّل معهم حكومة وحدة وطنية، يتم تبريرها والدخول إلى إحداثها عبر تعديل دستوري"، مضيفاً "والأرجح أن الأسد من سيقوم بالتعديل الدستوري، فهو المخوّل دستورياً بإجراء ذلك، وفق الدستوري الحالي المعمول به، وهنا يمكن فهم مصطلح (العدالة التصالحية) بدلاً من مفهوم (العدالة الانتقالية)، فالمفهومان مختلفان ولكل منهما تداعيات قانونية مختلفة، وسياق سياسي مختلف.

 

يشار إلى أن الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية بدأت في 30 تشرين الثاني الماضي وانتهت في 4 من كانون الأول الحالي.

وطرح وفد النظام مسائل "الإرهاب والتطرف والمؤامرة على سوريا وملف اللاجئين"، كما طرح ثمانية مبادئ وصفها بـ "الوطنية، وسرديات الهوية الوطنية، والمشروع الانفصالي".

بينما طرح وفد المعارضة مبادئ سيادة الدولة وفصل السلطات والمواطنة المتساوية، ومقترحات دستورية كالسيادة وأهمية الدستور، وعقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة بين الدولة والسوريين، فضلاً عن قضيتي اللاجئين والمعتقلين في سجون النظام.

 

اقرأ أيضاً: ما إشكاليات مقترح "هيئة التفاوض" المطروح في الجولة الرابعة؟