هل يتطور الرد على تفجير إسطنبول إلى عملية عسكرية؟

2022.11.26 | 07:04 دمشق

عملية المخلب السيف
+A
حجم الخط
-A

تشكل العملية الإرهابية التي استهدفت شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول العاصمة التركية أنقرة مؤخراً، دالّة علام فارقة في الأوضاع الداخلية التركية، كونها استهدف الشارع الذي يعجّ بالسواح الأجانب والأتراك، والأكثر ازدحاماً في عاصمة تركيا السياحية والاقتصادية، وتعيد إلى الأذهان التفجير الانتحاري الذي وقع في نفس الشارع في 19 مارس/ آذار عام 2016، وراح ضحيته 4 أشخاص وجرح 39 آخرون، وعمليات إرهابية أخرى طالت الأمن التركي.

وجاءت العملية في وقت تعيش فيه تركيا أجواء حملات انتخابية مبكرة استعداداً للانتخابات الرئاسية والنيابية المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو من العام المقبل، وعلى وقعها تعقد تحالفات وتفاهمات بين الأحزاب السياسية التركية، فيما يتبادل قادتها اللقاءات والزيارات. وكانت لافتةً الزيارة التي قام بها وفد من حزب العدالة والتنمية الحاكم، برئاسة وزير العدل بكر بوزداغ، إلى مقرّ حزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية، وذلك ضمن سلسلة زيارات أجراها الحزب الحاكم إلى مقار الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي، وتهدف إلى مناقشة مقترح التعديل الدستوري الذي يقوم بإعداده الحزب لـ "حماية الأسرة وضمان حرية ارتداء الحجاب". كما أن أنها أتت بشكل مفاجئ، وذلك بعد سنوات من انقطاع التواصل بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي، وخاصة بعد الحكم على رئيس حزب الشعوب، صلاح الدين دميرتاش بالسجن الذي ما يزال محبوساً فيه.

وبعد الصدمة الكبيرة التي أحدثتها عملية شارع الاستقلال في الأوساط التركية، سارعت السلطات إلى اعتقال منفذة العملية، وتوجيه الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني التركي وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، المصنفين كمنظمتين إرهابيتين لدى أنقرة. ثم جاء الرد التركي بإطلاق عملية "المخلب – السيف" ضد الميليشيات الكردية في شمالي سورية والعراق، وذلك في إطار استثمار مشاعر الغضب الداخلية من العملية الإرهابية وتوظيفها سياسياً، وبات الحديث يدور حول إمكانية أن يتطور الرد إلى شن عملية عسكرية برية ضدها، وخاصة مع تصاعد التهديدات التركية بتنفيذها في الشمال السوري، لاجتثاث ما يصفه مسؤولون أتراك "منابع الإرهاب"، ومراكز انطلاق الهجمات ضد الأراضي التركية، بدءاً من تل رفعت ومنبج وصولاً إلى عين العرب (كوباني)، حسبما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أضاف بأن بلاده ستبدأ عملية للقوات البرية في شمالي سوريا في الوقت الملائم، معتبراً أن العميات العسكرية بواسطة المقاتلات والمدافع والمسيّرات، ليست سوى البداية لاجتياح مواقع "الإرهابيين في الوقت المناسب".

وإذا كانت العملية العسكرية التي جددت تركيا التهديد بالقيام بها في الشمال السوري، تبدو وكأنها حاجة داخلية للقيادة السياسية، فضلاً عن أنها تخصر غايتها في حماية الأمن القومي التركي، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف والتوازنات الدولية، وبمدى تأثيرها على الوضع في سوريا وتوازنات القوى المسيطرة على الأرض، فروسيا طالبت على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، تركيا بالامتناع عن شن هجوم بري شامل في سوريا، بذريعة أنها قد تؤدي إلى تصاعد العنف، فيما أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تعارض أي عمل عسكري يزعزع استقرار الوضع في سوريا، كونها تشعر بالقلق من تأثيره على هدفها المتمثل بمنع عودة تنظيم "داعش" في المنطقة.

وإذا كانت كل من الولايات المتحدة وروسيا قد دانتا العملية الإرهابية التي استهدفت الأمن التركي، وأبديا تفهمهما للهواجس الأمنية التركية، واعترفتا بحق تركيا بمواجهة التنظيمات التي تعتبرها إرهابية، إلا أنهما تعارضان أي عملية عسكرية قد تقوم بها تركيا، كونها قد تفضي إلى تغير التوازنات السائدة في سوريا، وذلك على الرغم من سماح روسيا والولايات المتحدة للمقاتلات التركية باستخدام أجواء تسيطر عليها شمال غربي سوريا لقصف مواقع الوحدات الكردية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة منح تركيا ضوء أخضر لعملية عسكرية برية حسبما أعلن عنها الرئيس التركي.

وتحاول كل القوى المتدخلة في الشأن السوري تسويق معارضتها لأي عملية عسكرية قد تشنها تركيا في الشمال السوري، من باب رفضها إحداث أي تغييرات في خرائط السيطرة ونقاط التماس بين القوى القائمة على الأرض والثابتة عملياً منذ آذار/ مارس 2020، وهي لا تخفي رغبتها في الحفاظ استمرار الوضع الراهن، لأن ذلك يدعم حفاظها على مناطق نفوذها، لكن معارضتها قد تنحصر فقط في الإطار السياسي في حال تنفيذ تركيا عمليتها العسكرية، وخاصة إن لم تتعدى العملية الشريط الواصل بين منطقتي منبج وتل رفعت، حيث لا تدخل تلك المنطقة ضمن نفوذ الولايات المتحدة ولا يتواجد فيها جنود أميركيون، كما أن روسيا تريد الحفاظ على علاقاتها الواسعة والهامة مع تركيا، ولن تغامر بالرد عليها في حال تنفيذها عملية عسكرية برية محدودة، والأمر ذاته ينسحب على إيران التي تبدي معارضة أكبر أي عملية عسكرية تركية.

ويحمّل الساسة الأتراك كل من الولايات المتحدة وروسيا المسؤولية غير المباشرة عن العملية الإرهابية في إسطنبول، كونهما لم تفيا بوعودهما وفق تفاهمات أبرمها الساسة الأتراك مع نظرائهم الروس والأميركيين مقابل وقف عملية "نبع السلام"، وكانت تقضي بإبعاد قوات سورية الديمقراطية (قسد) مسافة 30 كيلومتراً عن الحدود التركية السورية، بغية منعها من استهداف تركيا انطلاقاً من مناطق سيطرتها.

ولا شك في أن تطوير الرد التركي إلى عملية عسكرية برية يحتاج إلى توفير الظروف الملائمة لها، خاصة على المستوى الدولي، ومع ذلك فإن الساسة الأتراك لن يوقفوا مساعيهم ومحاولاتهم لتنفيذ تهديداتهم، لكنهم قد لا يحققون كل ما يرغبون به، لأن حسابات القوى الدولية المتدخلة في القضية السورية مختلفة عن حساباتهم ومصالحهم، والأمر رهن بحسابات المصالح، لكن كل ذلك يتمّ على حساب معاناة السوريين وخراب بلادهم التي تتقاذفها قوى احتلال متعددة.

-----------------