هل وجه ماكرون صفعة للأسد؟

2021.08.23 | 06:59 دمشق

sft-makrwn.png
+A
حجم الخط
-A

تلقى نظام الأسد وإعلامه الرسمي صفعةً أشد وقعاً من سابقاتها باعتبارها قادمة من الجار و"الصديق" العراق بعد أن كذّبت الخارجية العراقية من خلال بيان أنباء دعوة بشار الأسد لمؤتمر قمة بغداد الإقليمية لدول الجوار والتي ستقام نهاية الشهر الحالي بمشاركة دول عربية وإقليمية منها فرنسا.

البيان جاء بعد نشر إعلام النظام والإعلام الإيراني خبراً يُفيد بتسليم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض دعوة رسمية للأسد لحضور قمة بغداد، خلال لقاء جمعهما في دمشق وهو ما نفته هيئة الحشد لاحقاً.

موقع روسيا اليوم نشر معلومات نقلاً عن مصدر رسمي عراقي يقول إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من اشترط عدم دعوة الأسد للقمة لرفض الجلوس معه، وبالرغم من عدم تأكيد المصادر الرسمية أو الإعلام الفرنسي هذه المعلومات أو نفيها يبدو أن المواقف السياسية الفرنسية المتغيرة تجاه نظام الأسد خلال الشهور الأخيرة توحي بأن الخبر قد يكون صحيحاً.

كيف لا والسياسة الفرنسية تجاه الملف السوري تعيش تقلبات غريبة ومستمرة منذ عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند وصولاً للسنة الرابعة من حكم الرئيس ماكرون، هذا الأخير الذي بدأ فترته الرئاسية بمغازلة ديكتاتور دمشق ويحاول أن ينهيها بموقف مشرف من هذا النظام القمعي قد يدونه التاريخ.

فرنسا في عصر اليساري هولاند (2012 - 2017 م) دعمت ثورة الشعب السوري سياسياً وعسكرياً ومادياً من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد والمطالبة بإسقاطه وطرد السفيرة السورية في فرنسا لمياء شكور بعد ارتكاب جيش النظام وميليشياته مجزرة طائفية مروعة بحق المدنيين في مدينة الحولة في شهر أيار 2012م.

مع وصول الرئيس الوسطي ماكرون إلى سدة الحكم عام 2017 م تغير التعامل الفرنسي بشكل جذري مع الثورة السورية بدايةً بالتقرب المبالغ فيه من حليفي الأسد الإيراني والروسي

كما كان لفرنسا دور بارز في دعم الجيش السوري الحر باعتبارها عضواً رئيساً في غرفتي الموك والموم لدعم الفصائل العسكرية في الشمال والجنوب السوري فضلاً عن رغبة فرنسية صريحة بالتدخل العسكري لإنقاذ الشعب السوري (وقف آنذاك الرئيس الأميركي باراك أوباما سداً منيعاً لمنعه) على خليفة ارتكاب النظام لمجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق الشرقية والغربية في شهر آب لعام 2013.

ولكن مع وصول الرئيس الوسطي ماكرون إلى سدة الحكم عام 2017 م تغير التعامل الفرنسي بشكل جذري مع الثورة السورية بدايةً بالتقرب المبالغ فيه من حليفي الأسد الإيراني والروسي وفتح باب الصراع مع الحليف التركي على مصراعيه والانسحاب من غرف الدعم العسكري للثوار والتوجه نحو مزيد من الدعم المادي والعسكري لقوات "قسد" شرق الفرات، تبعها بتصريحات صادمة قال فيها ماكرون "إن بشار الأسد هو ليس عدواً لفرنسا وإنما عدونا داعش ورحيله لم يعد أولوية وعلى السوريين اختيار رئيسهم بأنفسهم".

هذه التغييرات السريعة بالمواقف الفرنسية تجاه الأسد والتي كانت صادمة للأحزاب اليسارية وحتى لبعض السياسيين اليمينيين لم تتوقف هنا بل رافقها ركود سياسي كبير منذ عام 2017 حتى منتصف عام 2020م والاكتفاء بسياسات التنديد والشجب والاستنكار للمجازر والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وحلفاؤه ضد الشعب السوري حتى الضربة الجوية الثلاثية (الأميركية - الفرنسية - البريطانية) لمعاقبة الأسد على إعادة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين عام 2018 كانت ضربة بلا قيمة على مواقع فارغة بالتنسيق مع النظام وروسيا وإيران.

ما كان مستغرباً بحسب المحليين والسياسيين الفرنسيين والعرب هو التحول المفاجئ في السياسة الخارجية الفرنسية منذ صيف عام 2020م إذ بدأت نغمة رفض إعادة تعويم الأسد ترتفع تدريجياً لأسباب جيوسياسية مرتبطة بلعبة المصالح الاقتصادية والسياسية وأخرى تتعلق بكسب ولاء الناخبين اليساريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة ربيع عام 2022 وخاصة مع عدم وجود مرشح يساري لامع قد ينافس الثنائي ماكرون - لوبان (زعيمة اليمين المتطرف) للوصول إلى كرسي الرئاسة.

قصر الإليزيه ومن خلفه وزارة الخارجية كان لهما دور رئيسي خلال الشهور الماضية في زيادة الضغط على نظام الأسد من خلال قيادة الاتحاد الأوروبي لتمديد العقوبات الاقتصادية على مسؤولين وكيانات ورجال أعمال داعمين لبشار الأسد، أو من خلال تبني مشروع قرار لتعليق عضوية النظام في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ونجاحهم بالحصول على أصوات غالبية الدول الأعضاء، إضافة لإنشاء محكمة وفتح تحقيقات من قبل القضاة الفرنسيين تتعلق باستخدام النظام للسلاح الكيماوي في سوريا.

هذه الخطوات العملية رافقها سيل من التصريحات التي أدلى بها الرئيس ماكرون أو وزير الخارجية جان لودريان تؤكد بمعظمها رفض المسرحية الانتخابية التي تم إجراؤها في سوريا مؤخراً ورفض بقاء الأسد في السلطة أو إعادة تعويمه وضرورة محاسبة مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم التعذيب ومكافحة إفلاتهم من العقاب مع مطالبات مستمرة بإحالة ملف سوريا لمحكمة الجنايات الدولية.

قد تتغير المواقف الفرنسية في عهد الشاب ماكرون بين ليلة وضحاها وهو أمر بات طبيعياً ومفهوماً بالنسبة للجمهور الفرنسي

لم تقتصر التصريحات الفرنسية الأخيرة على هذا الحد بل توجهت أبعد من ذلك مع العودة لدعم ثورة الشعب السوري المستمرة منذ 10 سنوات ومطالبه بالحرية والكرامة والديمقراطية وإسقاط النظام ودعم المعارضة السورية واللجنة الدستورية ومسار الحل السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

قد تتغير المواقف الفرنسية في عهد الشاب ماكرون بين ليلة وضحاها وهو أمر بات طبيعياً ومفهوماً بالنسبة للجمهور الفرنسي فهو يعاني من تخبط مستمر في اتخاذ القرارات الصائبة سواء على الساحة الداخلية في الملفات الاقتصادية والصحية والأمنية أو على الساحة الخارجية ورسم خارطة الأعداء والأصدقاء، ولكن ما لا يراهن عليه أحد هو قيامه بكارثة سياسية وضرب من الجنون مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الفرنسية وذلك بقبوله الجلوس على كرسي مجاور أو مقابل لمجرم حرب يدعى بشار الأسد سواء كان في  قمة بغداد أو قمة افتراضية في تل أبيب.